فيما كانت مقاتلات التحالف الدولي تشن، مساء الجمعة الماضي، غارات على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مدينة الرقة السورية، غردت المقاتلات الأردنية خارج سرب الهدف التقليدي، وأغارت على أهداف للتنظيم في الجنوب السوري المتاخم للحدود الشمالية للمملكة. أكثر من ذلك، فإن المقاتلات الأردنية نفذت غاراتها بشكل منفصل عن التحالف الدولي، الذي ينخرط فيه الأردن منذ سبتمبر/أيلول 2014، فخلا بيان القيادة المركزية الأميركية، حول غارات التحالف، من أي إشارة للغارات الأردنية. كما حرص بيان القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي على تأكيد ذلك، بإعلانه أنه "تم تنفيذ المهمة من قبل طياري سلاح الجو الملكي، وإشراف مباشر من القيادات العسكرية الأردنية".
الغارات تزامنت مع الذكرى الثانية لإعدام تنظيم "داعش"، الطيار الأردني معاذ الكساسبة، حرقاً وهو على قيد الحياة، وهو ما أوضحه الجيش في بيانه، الذي لفت إلى أن العملية تأتي "لذكرى شهدائنا الذين قضوا في حربنا ضد الإرهاب". إشارات تحمل دلالات رمزية لناحية رفع معنويات القوات العسكرية، وتعزيز ثقة المواطنين بقدرتها على حمايتهم من الإرهاب، الذي أطل برأسه أربع مرات في الداخل الأردني خلال العام الماضي، مخلفاً حالة من الهلع.
وبعيداً عن رمزية التوقيت المعلن، تزامنت الغارات مع ختام زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الأولى إلى أميركا بعد تنصيب الرئيس دونالد ترامب، والتي سبقتها زيارته إلى روسيا، التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين. وأكد خلالهما لرئيسي البلدين مضي بلاده في محاربة الإرهاب، من منطلق المصلحة الوطنية والمصلحة الإقليمية الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، وهو دور يُبقي المملكة داخل معادلة الصراع، سواء تطابقت وجهتا النظر الأميركية- الروسية حيال نهايته أم اختلفتا. ويقول اللواء المتقاعد محمد فلاح العبادي إن "الغارات بعثت رسالة إلى الإدارة الأميركية الجديدة أننا لا نكتفي بمكافحة الإرهاب بل محاربته أيضاً. كما أنها تحمل رسالة للروس مفادها أن للأردن دورا محوريا في الجبهة السورية الجنوبية". إضافة إلى ذلك، جاءت الغارات في وقت تشهد فيه العلاقات العسكرية الأردنية-السورية تطوراً ملحوظاً بات يخرج من قناة التنسيق الروسية باتجاه التنسيق المباشر، الذي يرجح خبراء عسكريون أنه كان حاضراً في الغارات الأخيرة.
ووفقاً لبيان الجيش الأردني، فإن القصف طاول أهدافاً مختلفة لتنظيم "داعش" في الجنوب السوري، ونتج عنه مقتل وجرح العديد من عناصر التنظيم، وتدمير عدد من الآليات ومستودعات للذخيرة وثكنات يستخدمها "داعش". وعلى نحو لافت، أشار البيان إلى أن القصف استهدف مواقع عسكرية احتلها التنظيم، وكانت تعود سابقاً للجيش السوري. ويرى العبادي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن لتلك الإشارة دلالات تصب في الرسائل الإيجابية التي يوجهها قادة عسكريون للنظام السوري وجيشه، والتي كان أكثرها صراحة حديث رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، الفريق محمود فريحات، الذي نفى، في مقابلة نادرة مع هيئة الإذاعة البريطانية، أن تكون بلاده عملت ضد النظام السوري، وأكد استمرار الاتصالات معه عبر قنوات عسكرية. ويقول العبادي "جميع المؤشرات تبيّن أن العملية تمت بالتنسيق مع الجيش السوري، ما يعني أن العلاقات العسكرية بين البلدين، وإن كانت لم تنقطع كما يقول المسؤولون، فإنها تتحسن بشكل كبير". وأكد، في الوقت ذاته، أنها تأتي كمقدمة لدور أكبر ستؤديه القوات الأردنية في الجنوب السوري، بالتنسيق مع الجانب الروسي، الذي تجمع تفاهمات مع الأردن حول ضبط الجبهة الجنوبية". لكن العبادي يستبعد أن يتطور الدور الأردني حد الزج بقوات برية إلى الداخل السوري، على غرار ما فعلت تركيا في عملية "درع الفرات"، متوقعاً أن يتمثل بزيادة فعالية الأردن في الجبهة السورية الجنوبية، لناحية استهداف "داعش" بما يقلل من خطره على الأردن.
وفيما كانت الأنظار تتجه إلى "جيش خالد بن الوليد"، المبايع لـ"داعش"، وينشط في الريف الغربي لمدينة درعا السورية على بعد كيلومتر واحد من الحدود الأردنية ووصفه العسكريون الأردنيون بأنه "خطر داهم"، اختارت المقاتلات الأردنية قصف أهداف التنظيم في منطقة تل أصفر في ريف السويداء المتاخم لريف درعا، كما أكدت مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد" وأعلن ذلك المرصد السوري، وهي منطقة لم يتوقف استهداف طيران النظام السوري لها. مصدر أمني أبلغ "العربي الجديد" أن الأهداف التي تم قصفها جاءت بناء على معلومات استخبارية تفيد بأن عناصر تنظيم "داعش" ينطلقون منها لشن هجمات ضد جيش العشائر والجيش السوري الحر الذي سبق ودربته المملكة ليقوم بمهمة قتال "داعش" في الجنوب السوري، المتاخم للحدود الأردنية. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن "إضعاف داعش سيعطي جيش العشائر أفضلية في القتال".
وفيما يضع اللواء الركن المتقاعد محمود أرديسات الغارات الأردنية في سياق العملية الاستباقية لمواجهة أخطار قريبة من الحدود الأردنية، فإنه يرى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اختيار الهدف في الجنوب السوري، في وقت كان التحالف ينفذ غاراته على الرقة والشمال السوري، فيه لفت لأنظار التحالف إلى الخطر الذي لم يعد محصوراً في مدينتي الرقة والموصل، بل تمدد ليقترب من المملكة ويهدد أمنها. ويؤكد أرديسات أن الأردن معنيّ اليوم أكثر من أي وقت مضى بوجود قوى مسؤولة على الجانب السوري، بحيث تكون قادرة على ضبط الحدود بما يقلل العبء عن القوات الأردنية ويساهم في إنهاء حالة الفوضى والاقتتال بين الفصائل الناشطة في الجنوب السوري. ويقول "إذا كان الواقع هو وجود الجيش السوري، علينا أن نتعامل مع الواقع على الأرض، لأنه لا يمكن تغييره"، وهو ما لا يخالف السلوك الأردني المعلن.
المصدر: العربي الجديد - عمان ــ محمد الفضيلات
↧