نقل الوصاية على القاصرين من الأسرة إلى مراكز رعاية الشباب هو إجراء قانوني يتخذه المشرع في حالات قصوى. لكن بالنسبة للاجئين فإن وقع الصدمة يكون أشد بسبب الاختلافات الثقافية والجهل بالقانون الألماني.
“انفطر قلبي على أولادي”: إنها خواطر ومشاعر مليئة بالحنين والشوق، كُتبت تحت صور أطفال. هذا ما تتضمنه الصفحة الشخصية للاجئ مالك على موقع فيسبوك، والتي يعتبرها المتنفس الوحيد له في عزلته بعد الافتراق عن أبنائه. بدأت قصة هذا اللاجئ السوري وهو أب لخمسة أطفال، عندما قرر كالعديد من السوريين إرسال زوجته وأبنائه أولاً إلى ألمانيا، ليلتحق بهم في وقت لاحق. ولكن ماحدث، لم يكن في حسبانه، كما يروي في حديثه لـDWعربية: “ فور وصولي إلى ألمانيا اتصلت بزوجتي التي رفضت إخباري بمكان إقامتها وفاجأتني بطلب الانفصال عني. وبعد ذلك طلبت مني أن أرسل لها عنواني، فأرسلته لها على أمل أن تتراجع عن قرارها وتحضر مع الأولاد لزيارتي. لكن فوجئت بدعوى موجهة ضدي بتهمة الاعتداء عليها وعلى الأولاد بالضرب، كما اتهمتني بالإدمان على الخمر، وأن زواجنا كان بالإكراه، وأننا منذ فترة منفصلين أساسا عن بعضنا البعض".
وفوجيء مالك أيضا بخبر وضع أبنائه تحت رعاية دائرة الشباب، بعد أن تعرضوا للضرب من قبل أمهم بمركز إيواء اللاجئين، ويشرح قائلا: “زوجتي عصبية جدا ووضعها النفسي غير مستقر بسبب الحرب، وهي تقوم بضرب الأولاد منذ تواجدنا بسوريا وهي عن علم أن الضرب هنا ممنوع“. ويردف كلامه بجملة مليئة بالحسرة على ما آل إليه مصير أبنائه قائلا: “لقد أضاعت أبناءنا”.
ويواصل الأب سرد حكايته ويقول إن المحكمة رفضت السماح له بزيارة أبنائه بسبب الدعوى التي رفعتها زوجته ضده وادعائها بأن الأبناء يشعرون بخوف شديد من والدهم ويرفضون رؤيته. وتابع: “كنت أعلم أن أبنائي لا يقولون ذلك عني، لهذا السبب قررت لقاءهم بدون إذن دائرة رعاية الشباب، رغم تحذيرات المحامي لي من القيام بذلك. وبالفعل تمكنت من رؤية إثنين منهم وفوجئت بكلامهما، وقرارهما الفوري بالعيش معي بعد أن علموا بوجودي في ألمانيا“.
اليوم وبعد أن تمكن مالك من استعادة حق الحضانة على اثنين من أبنائه وهما أحمد وريم 13 و12 ربيعاً، بدأ بالبحث عن سكن ملائم وعن عمل ليؤمن لهم الرعاية اللازمة ولاستعادة حق الحضانة على أبنائه الآخرين وأوضح: “طلب منى أحمد وريم أن أتزوج ونكون أسرة من جديد، ولكن لازلت متردداً”.
ويستمر الأب السوري في البحث عن مكان أبنائه والسؤال عنهم، لكنه لم يحصل لحد الآن على معلومات بهذا الشأن “منذ تواجدنا جميعا بسوريا لم أر أبنائي الآخرين. لقد انفطر قلبي عليهم”.
تمرد الأبناء على الآباء
قصة محمود، (اسم مستعار) وهو لاجئ سوري، يعيش رفقة زوجته وأبنائه بألمانيا منذ فترة قصيرة. معاناة الأسرة بدأت عندما وقعت ابنتهم ذات الـ15 ربيعاً في حب شاب باكستاني وهربت معه دون علم أهلها. ويقول الأب في مستهل حديثه لـDWعربية :” لقد قمنا بإبلاغ الشرطة وأعطيناهم كافة المعلومات عن الشاب الباكستاني، الذي يبلغ من العمر25 عاماً وكنا -أنا وزوجتي - خائفين على ابنتنا القاصرة“.
بعد مدة تلقت الأسرة خبرعثورالشرطة على ابنتهم رفقة الشاب الباكستاني بإيطاليا وتمّ وضعها تحت رعاية دائرة الشباب بألمانيا. صدم والد الفتاة بهذا الإجراء القانوني، وذكر أن ابنته وضعت شروطا للعودة إلى السكن معهم، ومنها التنازل عن الدعوة القائمة ضد الشاب الباكستاني، كما أكدت أن قرار هروبها كان بمحض إرادتها وليس للشاب مسؤولية في ذلك. ويحمًل الأب مسؤولية ما حدث إلى بعض التشريعات في ألمانيا: “هناك قصص مأساوية تفككت من ورائها العديد من العائلات اللاجئة بسبب بعض القوانين التي تسهل تمرد الأبناء على آبائهم وعاداتهم وتقالديهم، لو كنا في سوريا ما كان لإبنتي أن تتعامل معنا بهذا الشكل وتتمرد على أسرتها وعادات وتقاليد بلدها”.
القصة والعبرة
نشر شاب سوري، يدعى عبد الرحمن نفيسة، مقطع فيديو على موقع يوتيوب، يروي فيه تفاصيل قصة صديقه السوري الذي سحب منه حق الحضانة على طفله، بعد أن قام والده بضربه في أحد المطاعم. وتطرق الشاب، الذي يقيم في برلين إلى شرح تفاصيل الحادثة وذلك بهدف تنبيه العائلات اللاجئة للقوانين الألمانية الصارمة مثل احتمال سحب حق الحضانة على الأطفال في حال تعرضهم للضرب أوالإهمال من قبل الآباء. كما ينصحهم في الفيديو بأخذ العبرة من هذه القصة وتفادي ضرب الأبناء. لكن عبد الرحمن نفيسة واجه انتقادات واسعة من الكثيرين على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك بسبب تأويلاته الشخصية التي وصفت بـ“الخاطئة” لقانون حماية حقوق الطفل واعتبروه بأنه يزعم المعرفة بالقوانين الألمانية لكنه ينشر معلومات وتفسيرات خاطئة، قد تتسبب في العديد من المشاكل للعائلات اللاجئة.
ولا يزال مقطع الفيديو، الذي يحمل عنوان”شخص ضرب ابنه في شوارع ألمانيا والنتيجة” يثير جدلاً واسعاً وردود أفعال متابية في مواقع التواصل الإجتماعي: فهناك من استنكر الإعتداء على الطفل بالضرب وحمَل الأب مسؤولية سحب حق الحضانة عنه، في المقابل عبر البعض عن صدمته من هذا القانون الألماني الذي يخالف أساليب التربية التي تعوًد عليها آباؤهم وأجدادهم. كما تداول نشطاء تلك القصة فيما بينهم وتعاملوا معها كمصدرمعلومات لهم ولأقاربهم وأصدقائهم الذين وصلوا ألمانيا حديثا ويجهلون قوانينها، بما في ذلك قانون حفظ حقوق الطفل ورعايته.
حقوق الطفل
لا يقتصر قانون نقل حضانة الأبناء إلى دائرة رعاية الشباب على المواطنين الألمان فقط وإنما يطبق أيضا على كل الناس بدون استثناء ومنهم اللاجئين، الذين يجهل العديد منهم الخلفية الصحيحة لهذا القانون.
السيد كلاوس بيتر فولمكه، مسؤول قانوني بدائرة رعاية الشباب بكولونيا يوضح ماهية هذا القانون والصلاحيات في حديثه لـDWعربية: “يخول القانون الألماني لمصلحة الشؤون الاجتماعية نقل حضانة القاصرين إلى مراكز رعاية الشباب في حالة إثبات وجود خطر أو إهمال في حقهم، ويحدث ذلك بموافقة الأهل وفي بعض الحالات المستعجلة يمكن تطبيقه رغما عنهم”. ولكن السيد فولمكه يؤكد أن القانون يسمح بوضع القاصر تحت رعاية تلك المراكز لمدة لا تتجاوز24 ساعة حتى بدون موافقة الأهل وإلى حين حصولهم على قرار بهذا الشأن من محكمة الأسرة.
ويتطرق المسؤول الألماني في حديثه أيضاً إلى التعامل الاستثنائي لتلك المراكز مع العائلات اللاجئة وأطفالها، وذلك بسبب ظروفها الخاصة ويقول: “ظروف العيش في مراكز إيواء اللاجئين لا تسمح باحترام حقوق الطفل كاملا. ولكن نحن كدائرة مسؤولة عن رعاية الشباب لا نستطيع معاقبة الآباء من خلال إبعاد أطفالهم عنهم، لأن السكن هو من الاشكاليات التي يجب على الدولة حلها. لهذا نحاول في بعض الحالات البحث عن حل مع دائرة السكن، وفي حالات أخرى نحاول العمل سوياً مع الأسرة لإيجاد حل يخدم مصلحة الطفل بالأساس ونشأته وسط أسرته”.
سحب حق حضانة الأطفال "حالة استثنائية"
وإلى جانب دائرة رعاية الشباب هناك العديد من المؤسسات والجمعيات التي تقدم المساعدة والدعم للعائلات في تربية الأطفال. السيد هشام عبيدي، مرشد ومدرب تربوي بمركز الشباب والأطفال بمدينة هونيف، يشرح في حواره مع DWعربية أن حالات سحب حق حضانة الأطفال يتم تصنيفها - من حسن الحظ - كاستثناءات في كل مجتمع، بغض النظرعن ماهيتها الثقافية والإجتماعية ويضيف : “تواجهنا في الغالب حالات صعبة، لكنها لا تستدعي سحب حق الحضانة عن الوالدين، بل تستدعي العمل المشترك معهما لمراجعة نظام الحياة العائلية عامة وطرق التربية والتعامل مع الأطفال خاصة”.
ويشرف المدرب التربوي على مجموعة من الدورات التي تساعد اللاجئين وأبنائهم على التكيف مع الحياة داخل المجتمع الجديد. وبحسب خبرته يؤكد العبيدي فعالية الدورات التفاعلية بأسلوب يمزج المعرفة بالمتعة بشكل لايعتمد فقط على الحوارات الإرشادية التقليدية، ويضيف: “نقوم بدوارت تحسيسية على ثلاثة مستويات. وقد ركزنا بداية على الجانبين اللغوي والثقافي نظراً لأهميتهما في التعايش والسلم الإجتماعي، كما أتحنا للعائلات فرصة المشاركة بشكل جماعي في أنشطة ترفيهية مختلفة لتقوية الرابط الأسري وتعزيز الإنسجام والتفاهم فيما بينها. ولقد كان لهذه الأنشطة الجماعية تأثير إيجابي يفوق بكثير وقع الحوارات الإرشادية التقليدية".
ويشير عبيدي إلى أن القانون ليس هو بالأساس ما تتخوف منه العوائل اللاجئة، وإنما نمط الحياة الإجتماعية المختلف عن نمط عيشهم ويقول: “هذا التخوف أمر مشروع، لكن يجب استغلاله بطريقة إيجابية، وذلك من خلال الإهتمام بالأطفال وإعطائهم الوقت الكافي لفهم وتطبيق القيم النبيلة والمبادئ السمحة في مجتمع تعيش فيه ثقافات متعددة. إن ذلك أمر إنساني أجمعت عليه كل الديانات.ويضيف المرشد التربوي في نهاية حواره ملاحظا: ”القانون والدين يُجمعان على حفظ حقوق الطفل وحسن معاملته والإعتناء به، ولهذا فلن تجد الأسر مشاكل في تربية أطفالها إذا تم ذلك في وقت مبكر وبأسلوب مناسب“.
الكاتبة: إيمان ملوك- كولونيا
المصدر: دويتشه فيله
↧