أفادت التقارير، ما بين 23 و27 من شهر يناير/ كانون الثاني، أن الرئيس السوري بشار الأسد أصيب بجلطة دماغية وكان لا بد من دخوله المستشفى. وقد زعمت الصحيفة البريطانية "الاندبندنت" المؤيدة للأسد عادة بأن الرئيس السوري كان يعاني ضغوطاً نفسية خطيرة.
كما إن المزاعم المتعلقة بتدهور صحة الرئيس تكتسب أهمية إضافية في دولة تعتمد على الوكالة الروسية. ذلك أن السوفييت، خلال الحرب الباردة، ادعوا في كثير من الأحيان أن القادة الحلفاء يعانون من مشكلات صحية وجسدية أثناء التدخلات العسكرية - ولا سيما عمليات السيطرة - في البلدان التي يحكمها رؤساء من المفترض أنهم يعانون مرضاً ما.
هل حصل الأمر ذاته في سوريا؟
كما أفادت تقارير في يوم 28 من شهر يناير/ كانون الثاني أن ميليشيا فيلق الحرس الثوري الإيراني كان قد حاول خلع الأسد واستبداله بشقيقه ماهر، غير أن القوات الروسية أحبطت محاولة الانقلاب عن طريق منع العملاء الإيرانيين من دخول 11 منطقة في دمشق، وعلى وجه الخصوص قاعدة المزة الجوية ذات الموقع الاستراتيجي. ويقال أن المناورة وقعت وسط انقسام داخل الطائفة العلوية الحاكمة لسوريا بين العناصر الموالية لروسيا ومثيلتها الموالية لإيران.
لكن يبدو أن تلك الأزمة قد حلت بُعيد ذلك بيومين، وأعلن النظام في بوم 30 يناير/ كانون الثاني التالي: "الرئيس الأسد في حالة صحية ممتازة".
وكي نكون واضحين، فالدلائل على محاولة انقلاب إيراني في سوريا - وانقلاب روسي مضاد - ضعيفة. ولكن، الأدلة على وجود سياسات داخلية في دمشق ضئيلة على الدوام أيضاً.
وبذلك، ليس يخفى على أحد أن المسؤولين الروس، لدى وصولهم إلى سوريا في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول من عام 2015، وجدوا أن النظام والجيش التابع له في حالة فوضى عارمة وغير قادرين على الاستمرار في الحرب بأنفسهم.
وقد فضل الروس، في محاولتهم لإنقاذ نظام الأسد من الانهيار، التعامل مع المؤسسات الحكومية. لكن ذلك لم يتحقق، فالنظام كان ضعيفاً فلم يكن لدى الروس عندها الخيار سوى العمل على نحو وثيق مع حلفاء الأسد غير الحكوميين: مثل حزب الله والميليشيات بما فيها لواء القدس، الذي يضم الفلسطينيين المؤيدين للأسد.
وليس من المستغرب أن يعرب بعض كبار القادة الروس العسكريين عن سخطهم الشديد على الأسد، كما دعا البعض منهم إلى إعادة تنظيم كاملة لجيش النظام المؤلف من 70 ألف رجل. وفي خريف عام 2015، قام الروس بتجميع بعض القوات العسكرية السورية المتبقية في محافظة اللاذقية، وضمها إلى الوحدات الروسية وبعض الميليشيات ومن ثم تشكيل فيلق الهجوم الرابع الجديد
واستمرت حملة الإصلاحات تلك حتى عام 2016، وبلغت ذروتها في إنشاء فيلق الهجوم الخامس في منطقة حلب. وعمل المستشارون من روسيا على تدريب المقاتلين السوريين وتجهيزهم بالأسلحة والمعدات الروسية.
لكن تعزيز روسيا للقوة في سوريا قد أجفل العملاء الإيرانيين الموجودين في البلاد من كل بد. وعلى الرغم من أن الحرس الثوري الإيراني يؤيد التدخل الروسي في سوريا إلى حد كبير، لكن الأساليب التي يتبعها الروس والإيرانيون في البلاد ليست متوافقة كلياً. فقد يعني نجاح الروس خسارة لإيران.
ومنذ وصول أول دفعة من الروس والتي تضم قرابة 10.000 روسي إلى البلاد، أصبح الروس والحرس الثوري الإيراني على خلاف بالفعل. وذلك لأن هدف موسكو يتمثل في حماية نظام الأسد بأية طريقة، حتى وإن تطلّب الأمر التخلي عن بعض المناطق في سوريا القديمة. وخلافاً لذلك، تعتزم إيران "تحرير" سوريا كاملة من قوات الثوار والمجاهدين واستعادة نظام قوي، ومؤيد لإيران بقوة.
ما يعني أنه بينما تتلخص أهداف روسيا في تعزيز قوة جيش النظام التقليدي، إلى أكبر حد ممكن، تحاول إيران إنشاء نسخة سورية عن حزب الله، وتجنيد الميليشيات الشيعية العراقية رغم التكاليف الكبيرة التي ستتسبب بها لنفسها. علاوة على ذلك، تسيطر إيران على ما يقرب من 40 ألف مقاتل في سوريا.
أما نظام الأسد، الذي استنفد مدخراته المالية، فلا يستطيع تحمّل تكاليف تعويض إيران نقداً. بناءً عليه، بدأت دمشق بتسديد الفواتير عن طريق تقديم العقارات للحرس الثوري الإيراني. وكلما زاد عدد الأراضي التي تسيطر عليها إيران، كلما زاد تصميمها على توجيه دفة الحرب وفق طريقتها الخاصة.
ويبدو أن التناحر الروسي الإيراني قد أدى دوره في الجيش السوري. فقد ظل الحرس الجمهوري موالياً لبشار الأسد وأسهم إلى حد كبير في الجهود الروسية لإعادة التنظيم.
لكن الحال لم تكن مشابهة بالنسبة للفرقة الرابعة، إحدى الفرق الأساسية التي تتولى الدفاع عن دمشق - والتي يقودها ماهر الأسد. إذ ورد أن الفرقة الرابعة كانت في حالة تأهب قصوى أثناء محاولة الانقلاب الجلية أواخر شهر يناير/ كانون الثاني.
وأشارت التقارير في وقت سابق، إلى أن هاتين الفرقتين قد تبادلتا إطلاق النار.
وحتى الآن، هذا هو الوضع الراهن الذي يسود سوريا. وفي حال ثبت أن الحرس الثوري الإيراني حاول استبدال الأسد أواخر شهر يناير، من الواضح أن تلك المحاولة باءت بالفشل. لكن ذلك لا يعني أن النظام بمأمن في شكله الحالي؛ إذ ما تزال سوريا تعتمد على حليفين خارجيين، غير أن هذين الحليفين ليسا على وفاق حتى اليوم.
وار از بورينغ- ترجمة ريما قداد- السوري الجديد
↧