أُنتخب وزير الخارجية السابق فرانك- فالتر شتاينماير الرئيس الثاني عشر لألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية خلفاً ليواخيم غاوك، بعد أن نال دعم الحكومة الائتلافية التي تقودها المستشارة أنغيلا ميركل.
أنتخبت الجمعية الاتحادية في ألمانيا الأحد (12 فبراير/ شباط 2017) وزير الخارجية السابق فرانك- فالتر شتاينماير رئيساً للبلاد. ويُعتبر منصب الرئيس فخرياً في ألمانيا لكنه يتمتع بسلطة معنوية. أما المستشار والبرلمان فهما اللذان يتوليان السلطة. وتضم الجمعية الاتحادية 1239 شخصاً من كبار الناخبين ونواب ينتمي معظمهم إلى مجلسي البرلمان، مجلس النواب "بوندستاغ" ومجلس الولايات "بوندسرات"، ومندوبين عن المجتمع المدني. وحصل شتاينماير على 931 صوتاً من أصوات أعضاء الجمعية، ويتطلب انتخاب الرئيس حصوله على 631 من مجموع الأصوات.
وقبل ذلك حصل شتاينماير الذي يبلغ الحادية والستين من عمره، على دعم حزبه الاشتراكي الديمقراطي والديمقراطيين المسيحيين بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل، المتحالفين في إطار الائتلاف الحكومي ويمتلكون أكثرية الأصوات. وشتاينماير الذي كان وزيراً للخارجية لأكثر من سبع سنوات بالإجمال (2005-2009 و2013-2017) حتى نهاية الشهر الماضي، والمنافس السيئ الحظ لأنغيلا ميركل على منصب المستشارية في انتخابات 2009، ويخلف في منصبه الجديد يواخيم غاوك القس السابق المنشق في ألمانيا الديمقراطية.
نحو تبسيط الأمور
وتميز شتاينماير المعروف بصراحته في وزارة الخارجية، بانتقاداته التي وجهها العام الماضي إلى دونالد ترامب. وخلال الحملة الانتخابية الأمريكية، وصفه بأنه "مبشر بالكراهية". وقال هذا الأسبوع في ميونيخ "أريد بصفتي رئيساً أن أكون الثقل الموازي للاتجاه بلا حدود إلى تبسيط الأمور"، مؤكداً أن ذلك هو "أفضل علاج للشعبويين".
وأوجزت صحيفة "برلينر مورغنبوست" اليومية الوضع بالقول إن "شتاينماير يريد أن يكون رئيساً معارضاً لترامب"، فيما زاد الرئيس الأمريكي من الانتقادات الموجهة إلى ألمانيا مؤخراً. وبعد آن يستقر في مقر الرئاسة في قصر بيلفو في برلين، سيكون على شتاينماير تخفيف حدة لهدته. ويقول مصدر من المحيطين به إنه يعترف بأنه ذهب "بعيداً جداً" العام الماضي.
deault
كان أول رئيس لجمهورية ألمانيا الاتحادية عقب تأسيسها عام 1949 واستمر على رأسها لمدة عشر سنوات ووضع لمساته على كثير من أسس الدستور الألماني. وساهم هويس، الذي ينتمي للحزب الديمقراطي الحر، في تلميع صورة الألمان في الخارج عقب الحرب العالمية الثانية، فحظي بشعبية كبيرة في ألمانيا، حيث أعيد انتخابه رئيسا للبلاد عام 1954 بنسبة 88.2 بالمائة من أصوات المجلس الاتحادي وتوفي عام 1963 عن عمر يناهز ثمانين عاما.
لكن القضايا التي تثير قلق ألمانيا حيال إدارة ترامب كثيرة، بدءا بالرغبة في تقارب مع موسكو وانتقادات الرئيس الأمريكي لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي أو القوة التي تشكلها ألمانيا في تصدير السلع. ويتمتع شتاينماير المقرب من المستشار السابق غيرهارد شرودر، بتقدير كبير في أوروبا الغربية، لكن بدرجة أقل في أوروبا الشرقية حيث أثارت مواقفه التي اعتبرت أحياناً مؤيدة لموسكو، القلق والهواجس. وقد انتقد العام الماضي تعزيز الحلف الأطلسي على الحدود مع روسيا عندما تحدث عن "قرع طبول الحرب" الذي لا طائل منه.
ضعف ميركل سياسياً
على الصعيد الداخلي، يشكل انتخاب شتاينماير مؤشراً جديداً على الضعف السياسي لأنغيلا ميركل قبل أقل من سبعة أشهر من الانتخابات النيابية، في مواجهة الاشتراكيين الديمقراطيين هذه المرة. في هذا السياق يقول مايكل برونينغ، الخبير السياسي في "مؤسسة فريدريش ايبرت" المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إن "انتخاب شتاينمناير من وجهة نظر الاشتراكيين الديمقراطيين هو المقدمة لشيء أهم بكثير: الفوز في انتخابات أيلول/ سبتمبر ضد ميركل"، الذي كان لا يزال يبدو "مستحيلاً" حتى قبل فترة قريبة.
وقد اضطرت المستشارة المحافظة إلى الموافقة في نهاية الهام الماضي على دعم منافسها السابق، لأنها لم تتمكن من الإتيان بمرشح من فريقها يتمتع بما يكفي من القوة والتوافق عليه. وشكل ذلك إهانة سياسية لها. وفيما بدا لفترة طويلة أن إخراجها من المستشارية متعذر، باتت ميركل تشعر بالخطر المحدق بها.
فعلى اليمين، يتعين عليها أن تأخذ في الحسبان، منافسة حركة "البديل من أجل ألمانيا" التي تستقطب 10 إلى 12 بالمئة من الأصوات، وأن تراعي التذمر لدى فريقها السياسي، الناجم عن قرارها في 2015 فتح أبواب البلاد لاستقبال مئات الآلاف من اللاجئين. وعلى اليسار، حيث استقطبت ميركل حتى الآن كثيراً من الدعم بسبب سياستها الوسطية، يسجل الاشتراكيون الديمقراطيون تنامياً ملحوظاً في نوايا التصويت منذ اختاروا رئيساً عالي النبرة، هو الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي مارتن شولتس.
ع.غ/ ط.أ
المصدر: دويتشه فيله
منصب الرئيس في ألمانيا – صلاحيات محدودة لا تخلو من أهمية
منذ أن تولى ترامب منصب الرئيس الأمريكي، يستغرب الناس مما يخول له هذا المنصب من سلطات كثيرة هناك. أما في ألمانيا، فبسبب تجربتها مع النظام النازي، أصبح لرئيس البلاد مهمة تمثيل الدولة وليس حكمها. ولكن صلاحياته مهمة جداً.
Joachim Gauck und Frank-Walter Steinmeier (picture alliance/dpa/dpa-Zentralbild/B. Pedersen)
يتولى رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية أعلى منصب في الدولة. ولكن سلطته ليست هي الأقوى في بنية الدولة، فنظراً لتجربة ألمانيا مع النظام النازي تم تقليص الصلاحيات المرتبطة بهذا المنصب، إذ ينبغي ألا يحصل أعلى منصب على جميع السلطات في البلاد. وهذا هو الفارق بين منصب رئيس ألمانيا الاتحادية ومنصب "رئيس الرايخ" في جمهورية فايمار السابقة (من عام 1918 حتى 1938)، حيث كان هذا الأخير عبارة عن "بديل للقيصر" وقام بتسليم كل السلطات في الدولة إلى الديكتاتور أدولف هتلر.
قيم ورؤية بعيدة وحيادية تجاه الأحزاب
الرئيس الاتحادي في ألمانيا لا يحكم بل يمثل بلاده، فعند قيامه بزيارات إلى الخارج فهو يمثل "ألمانيا ومواقفها". أما في الداخل فإنه يرمز إلى وحدة الدولة، كما أكدت المحكمة الدستورية الاتحادية ذلك عام 2014. ومن أجل ضمان تلك الوحدة يجب على الرئيس الاتحادي ألا يتقمص مواقف حزب ما وأن يكون محايداً تجاه كل الأحزاب وأن تنعكس مضامين الدستور الألماني، وهو الدستور الاتحادي، على المواقف والخطابات التي يصرح بها. ولذلك جرت العادة أن يقوم الرئيس الاتحادي خلال فترة توليه لهذا المنصب بتجميد عضويته في الحزب الذي قد يكون ينتمي إليه.
Lettland Riga Besuch Joachim Gauck (picture-alliance/dpa/M. Skolimowska)
رئيس ألمانيا الاتحادي يؤاخيم غاوك
السلطات التي يمارسها الرئيس الاتحادي لا تدخل في أطار السلطة الحكومية أو سلطة البرلمان والمحاكم. ولكن يمكنه من منصبه هذا إعطاء دفعة لتطوير الديمقراطية ودولة القانون في البلاد، كما هو الشأن بالنسبة للرئيس الاتحادي يواخيم غاوك، الذي صرح بأن هذا المنصب منحه "وعياً صحيحاً بالذات" والاعتراف بأنه "ليس مسؤولاً سياسياً عن كل شيء، مضيفاً أن ذلك "يسمح له بحرية الحديث بشكل صريح هنا وهناك".
وهكذا يجب على الرئيس الاتحادي المشاركة في حل المشاكل في الداخل والخارج من خلال مداخلاته وخطاباته. فهو يساهم عبر الأفكار والدفع بها إلى الأمام. أما التطبيقات مثلاً في السياسة الخارجية فهي من مهمة الحكومة الاتحادية ووزاراتها.
كثيراً ما ينشط الشخص الذي يتولى هذا المنصب في الحفاظ على حقوق الإنسان وتطوير دولة القانون والحوار الديمقراطي، إضافة إلى تأمين السلام ومكافحة الإرهاب والعمل على الوحدة الأوروبية وحماية المناخ والبيئة، وهذه جميعاً تشكل مهمات أساسية في أنشطة الرئيس الاتحادي، بشكل يلزم أن تكون لها أهمية على صعيد عموم ألمانيا.
توقيع الرئيس على المعاهدات والقوانين
الرئيس الألماني الاتحادي هو من يتولى التوقيع على المعاهدات الملزمة التي يتم الاتفاق عليها بين الدول وجمهورية ألمانيا، وذلك باسم دولة جمهورية ألمانيا الاتحادية. وكذلك الأمر بالنسبة للقوانين التي يتم إقرارها في البرلمان الألماني "البوندستاغ" والمجلس الاتحادي "البوندسرات".
ولا تدخل تلك القوانين حيز التنفيذ إلا بعد توقيع الرئيس الاتحادي عليها، حيث يقوم بفحصها للتأكد من أن تلك القوانين تم إقرارها بشكل صحيح من الناحية الشكلية. كما يلعب الرئيس الاتحادي دور المدافع القانوني عن المسار الديمقراطي، فيقوم بالتصديق على تلك القوانين وعلى تطابقها مع روح الدستور الاتحادي.
في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية هناك ثمانية أمثلة على قيام الرئيس الاتحادي برفض التوقيع على قوانين، ومنها قانون خاص بتأمين الملاحة الجوية عام 2006، والذي رفضه آنذاك الرئيس الاتحادي هورست كولر، حيث توجب سحب ذلك القانون في وقت لاحق.
لمنصب الرئيس الاتحادي في ألمانيا أهمية كبيرة وقت الأزمات، حيث يحق له مثلاً الدعوة إلى انتخابات جديدة في حال إن فقَد المستشار أو المستشارة أغلبية الأصوات في البرلمان. وهو الذي يقترح المستشار أو المستشارة على البرلمان، كما يعين ويقيل الوزراء والقضاة الاتحاديين والضباط والموظفين في المناصب العليا. ومن مهماته رعاية العديد من التظاهرات المختلفة والدعوة لإقامة تظاهرات وطنية وحفلات رسمية. وهو الذي يرحب بسفراء الدول ويقبل أو يرفض اعتمادهم.
ويمكن للمواطنين لقاء الرئيس الاتحادي في مناسبات عدة خلال زياراته العديدة عبر مجموع مناطق ألمانيا. كما يقوم بتكريم العديد من الشخصيات بأوسمة تقديرية لخدماتهم للصالح العام في الدولة. وقد يتوصل بعض المواطنين بالتهاني التي يبعثها الرئيس الاتحادي بمناسبة أعياد ميلادهم.
في العام الماضي فقط قدم الرئيس الاتحادي تهانيه لحوالي 4000 مواطن ألماني بلغوا سن 100 عام من العمر أو أكثر. وإضافة إلى ذلك فإنه يتولى أيضاً مهمة الرعاية الفخرية للأسر التي تحتضن 7 أطفال وأكثر.
ريتشارد فوكس/ عبد الحي العلمي
↧