اتهمته بالاغتصاب واتهمها بالادعاء، اتهمته بأنه ساومها بوظيفة مقابل جسدها، واتهمها بأنها مجنونة تعتقد أن كل من وقعت عينه عليها يريد التحرش بها.
هذه فصول مسرحية تكاد تحدث كل يوم في مكان العمل بمجتمعاتنا، وتجعلنا نتساءل هل مكان العمل في بلداننا مكان عمل فعلاً أم بات سوقاً للنخاسة، أصبحت تؤمن فيه المرأة أن الكفاءة آخر شيء ستحتاج إليه للحصول على وظيفة مادامت شابة وجميلة ومثيرة، ومادامت قادرة على إيقاع المدير في شباكها، والرجل يؤمن فيه أنه يملك من السلطة ما يكفي ليجعل كل جميلة تفد على مكان العمل طوع يده، فيكفي أن يساوم السلطة بالجمال، وأن يقدم للمرأة فرصة وظيفة حتى تقدم له نفسها طواعية؟
قضية عارضة الأزياء والصحفية المتدربة التي رفعت دعوى ضد مدير واحدة من أكبر القنوات التلفزيونية في المغرب ليست فقط قضية متدربة أو عارضة أزياء شابة وجميلة وفي أول طريقها، وليست فقط قضية مدير يتهم بأنه استغل سلطته ليساوم إحدى العاملات في مؤسسته، بل هي قضية علاقة المرأة والرجل في مجتمعاتنا داخل مكان العمل، وكيف أن هذه العلاقة لا تزال تستحضر فينا "ثقافة" سوق النخاسة التي عرفتها ولا تزال مجتمعات العرب حيث يكفي أن يحضر إلى السوق رجل ثري يقدم كل الأموال من أجل الحصول على الجواري الحسان، ويكفي أن تسعد الجارية بأنه تم اختيارها لتكون في خدمة من دفع فيها أكثر، وتحمد الله على جمالها وشبابها الذي جعلها تلفت نظر رجل ثري سيوفر لها كل ما تريده.
الجمال مقابل المال، الشباب مقابل السلطة، علاقة اغراء قائمة منذ الأزل، ولا تزال قائمة في مجتمعاتنا لم تتخلص منه بعد، مهما ارتدى رجالنا من رباط عنق وبذل أنيقة، ومهما ادعت نساؤنا أنهن مستقلات وقويات... سوق النخاسة في مجتمعاتنا ما تزال قائمة، ليس لأن أمثال هذا المدير ما يزال يصر على استغلال سلطته من أجل أن يكون له من الحريم ما يشاء، وليس لأن هذه الفتاة الشابة ترى أنه تم استغلالها لأنها جميلة وأهم شيء لأنها "جميلة وضعيفة".
سوق النخاسة ما تزال قائمة في أماكن العمل بمجتمعاتنا لأن شروطه ما تزال هي الأخرى قائمة في رجل لا تغير بذلته من عقلية الفحل، وامرأة لم يغير تعليمها من عقلية الجارية.
الجديد في سوق النخاسة هنا هو توظيف التكنولوجيا في الأمر. الفتاة سربت عدداً من التسجيلات الصوتية مع المدير، وهو ما يذكر بأن المرأة في مجتمعنا تلجأ للتكنولوجيا من أجل الفضح وليس من أجل تطوير ذاتها كما تحاول جاهدة عدد من البرامج التنموية أن تقوم به. وهو ما يذكر أيضاً بقصص العديد من النساء في المغرب اللواتي لجأن إلى "تكنولوجيا الفضيحة" من أجل الانتقام أو من أجل رد الاعتبار.
في قضية أخرى كانت إحدى السيدات المغربيات تمتهن الدعارة، وفي إحدى القضايا المرفوعة ضدها حصلت على إفراج من القاضي الذي بت في قضيتها، قالت إنها حين خرجت من المحكمة وجدته ينتظرها، وأن علاقة ربطت بينها وبينه، وإنها سئمت منه، وحين أرادت التخلص منه بدأ يهددها ويهدد عائلتها فما كان منها إلا أن سجلت له شريط فيديو وهو يضاجعها، وبعثت به إلى الصحف.
السيدة التي تعرف بتورطها في قضية "قايد الدروة"، هي أيضاً قبلت بمبدأ المساومة والمقايضة المعمول به في سوق النخاسة، استخدمت سلطتها كـ"امرأة" لتحصل من القايد كـ"رجل" على ما تسعى اليه، وحين لم تتم المساومة كما أرادت لجأت مرة أخرى كـ"امرأة" للقول بأن القايد أراد ابتزازها، ومساومتها، وهو الطرح الذي ذهب اليه الإعلام المحلي باستعماله عبارة "قايد يبتز امرأة متزوجة"، هذه العناوين التي خرجت بها الصحف علينا ذاك اليوم كانت تكشف عن الوجه "الحيواني" الذي لا يزال يقبع فيها مجتمعنا، حين يكون على الحيوان الذكر حماية أنثاه، ويكون على الانثى التي بلا ذكر يحميها حماية نفسها بنفسها.
هذا ما كرسه الإعلام وقتها مثلما يكرس مجتمعنا، ففي مجتمع متقدم لن تجد صحفاً ولا مواطناً يندد بما قام به القايد لأن المرأة المبتزة متزوجة، في إيحاء إلى أنها لو لم تكن متزوجة لما كان المشكل مشكلاً، بل سيندد بما قام به لأنها أولاً وأخيراً "مواطنة"، وحالتها العائلية لا تخصها إلا هي.
م. م. التي تقدم نفسها على أنها أستاذة الفلسفة، شاعرة، ومناضلة، ومع ذلك قبلت أن تستعمل "قانون المساومة" في إخضاع الطرف الآخر في العلاقة بسلك طريق تكنولوجيا الفضيحة، وهو ما يطرح تساؤلاً آخر.
هل نساؤنا لا زلن عاجزات عن المواجهة لذلك يلجأن إلى الفضيحة والكيد والانتقام كما كانت تلجأ جواري الأمس من إجل الإيقاع بسيد القصر أو السيطرة عليه أو معاقبته؟
وهل نساؤنا لا يعين أن العلاقة التي تربط بين الرجل والمرأة في عصرنا هذا عليها أن تقوم على الرضا والقبول من الطرفين، وليس على المساومة كما كان يحدث بالأمس بسوق النخاسة؟
تساؤلات تحيلنا على تساؤل أكبر: "هل فعلا نساؤنا مستعدات للتخلص من عقلية الجواري في سوق النخاسة وتبني عقلية المساواة التي تعترف بمبدأ الحرة لا تأكل من ثديها؟".
شامة درشول، مدونة مغربية وخبيرة إعلامية
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW
المصدر: دويتشه فيله
↧