كل الأنظار تتركّز اعتباراً من اليوم على زيارة زعيمة حزب «الجبهة الوطنية « مارين لوبان مرشحة اليمين المتطرّف للرئاسة الفرنسية إلى بيروت في إطار حملتها الانتخابية، بعدما كان المرشح إيمانويل ماكرون قد قام بزيارة مماثلة للبنان أواخر شهر كانون الثاني/يناير الماضي فيما اضطر المرشح للانتخابات الرئاسية عن أحزاب اليمين فرانسوا فيون لإلغاء زيارته بسبب الفضيحة التي طالته وعائلته وأثرت سلباً على حملته الانتخابية.
وستقوم لوبان بجولة على كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري وعدد من القيادات وممثلي الطوائف في محاولة لاعطاء دفع لحملتها الانتخابية ولاسيما أن لبنان رغم صغر مساحته إلا أنه يمثّل وجداناً في مكان ما في نفوس الكثير من الفرنسيين نظراً للارتباط التاريخي بين فرنسا ومسيحيي لبنان، وغالباً ما كانت الورقة اللبنانية تلعب دوراً مؤثراً في السياسة الداخلية الفرنسية. ولذلك تسعى لوبان للإفادة من هذه الورقة وهي التي ترفع في حملتها شعار حماية مسيحيي الشرق من خطر التطرف ومن حال اللا إستقرار الذي تعيشه المنطقة العربية. وكانت لوبان أول من هنأ الرئيس عون بعد انتخابه نظراً للعلاقة التي كانت تربط والدها بالجنرال حين كان مبعداً إلى فرنسا.
ويقيم في فرنسا عدد كبير من اللبنانيين الذين يحملون الجنسية الفرنسية ويُقدّر عددهم بين 300 و400 ألف وقد صوّت قسم لا بأس منهم لصالح لوبان في الانتخابات الماضية. أما الفرنسيون الموجودون في لبنان فيبلغ عددهم حوالي 23 ألفاً اقترع منهم 68 في المئة لصالح مرشح اليمين الرئيس نيكولا ساركوزي مقابل 31 في المئة لمرشح اليسار الرئيس فرنسوا أولاند.
كيف تنظر رئيسة جمعية «غداً لبنان» المحامية باتريسيا الياس سميدا التي ترشّحت كمستقلة لتكون نائبة فرنسية عن منطقة افريقيا والشرق الاوسط إلى زيارة لوبان؟
تقول سميدا لـ «القدس العربي» إن «مارين لوبان تمثّل اليمين المتطرف بعدما أزاحت والدها عن الحزب، ورغم أنها تظهر متمدّنة إلا أن هذه هي مجرد صورة، وهي تزور لبنان لأن كل الأحزاب الفرنسية تزور لبنان لأنه يشكل محطة هامة لفرنسا نظراً لفرادته في كل الشرق الأوسط لجهة العيش المشترك بين الطوائف والمذاهب. وسبق زيارة لوبان قدوم المرشح عن اليسار الوسط إيمانويل ماكرون الذي يملك حظوظاً للوصول إلى الرئاسة».
وكيف يمكن لفرنسا أن تقوم بالاضطلاع بدور في ظل الاستقطاب السعودي الإيراني؟ تقول سميدا «فرنسا تحاول العودة للعب دور على الساحة اللبنانية رغم وجود استقطاب سعودي إيراني وهي لن تتخلى عن هذا الدور، ومن المستحسن أن يكون هناك طرف ثالث يلعب دوراً معتدلاً، علماً أن المرشحين الثلاثة إلى الرئاسة الفرنسية يتحدثون عن أهمية حماية مسيحيي الشرق من التطرف وبالتالي حماية فرنسا. وهم بقدومهم إلى لبنان يفتشون عن السر الذي يجعل اللبنانيين يدافعون في وجه التطرف رغم أنه هو خطر محدق».
دور الجالية الفرنسية
أما رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور فقال لـ «القدس العربي»: «هذه ليست الزيارة الأولى لمرشح للرئاسة الفرنسية إلى لبنان، والسبب الأساسي لهذه الزيارات هي أنه توجد في لبنان جالية فرنسية كبيرة ونظراً للدور الذي يأخذه لبنان على مساحة الشرق الأوسط ولاسيما الحجم الإعلامي الذي يحظى به المرشح انطلاقاً من الحريات الإعلامية الموجودة في لبنان وانطلاقاً من وضعيته في الشرق الأوسط ونظراً لكونه بلداً فرانكوفونياً سبق لفرنسا أن لعبت أدواراً فيه».
ولفت جبور إلى «أن لبنان ما زال يشكّل أهمية قصوى لباريس التي هي بحاجة كما كل دولة كبرى لأن تلعب أدواراً خارجية على رغم الاستقطاب في المنطقة. وكان لفرنسا دور هام في الانتخابات الرئاسية اللبنانية وهي الدولة الوحيدة التي كان لها موفدون بين بيروت والفاتيكان والرياض وطهران حرصاً على تأمين ظروف لانتخاب رئيس، وحاول هؤلاء الموفدون القول للسعوديين والإيرانيين ما معناه كفى، يجب تحييد لبنان عن أي صراع إقليمي في المنطقة سواء نجحوا في ذلك أم لا، ونذكّر أن الرئيس فرنسوا أولاند اتصل بالنائب سليمان فرنجية وهذا دليل على المساعي التي كانت جارية. اذاً فرنسا ما زالت تحاول الاضطلاع بدور في لبنان والمنطقة، طبعاً هناك دور متقدم حالياً للأمريكان والروس على حساب الفرنسيين لكن هذا لا يعني أنهم تخلوا عن أدوار يرغبون في لعبها».
وعن تأكيد لوبان على أهمية حماية مسيحيي الشرق من التطرف قال جبور «لدينا نظرة خاصة حول موضوع الحمايات، فنحن على مستوى لبنان لسنا بحاجة لأي حماية خارجية، فهذا المنطق يسقط لأنه يعني الاتيان بحماية دولة خارجية في وجه دولة ما داخلية، ونحن في لبنان نتمسك بشرعيات ثلاث: التمسك بالشرعية المحلية والتمسك بالشرعية الدولية والشرعية العربية وهذه هي الضمانة، والواقع المسيحي في لبنان يختلف عن الواقع المسيحي المشرقي ولسنا في لبنان بحاجة لحماية أحد، وفي اللحظة التي نشعر فيها بسقوط الدولة في لبنان نحمي أنفسنا ولسنا بحاجة لأحد أن يحمينا وأثبتنا في كل المراحل التاريخية القدرة على ذلك. أما بالنسبة إلى المسيحيين المشرقيين فكل الأمل والجهد هو أن نصل إلى دول ديمقراطية تحترم التعدد والتنوع وأن تكون الأقليات مصانة في حرياتها وعيشها الكريم. أما التطرف الإسلامي فهو مسيء للإسلام وللاعتدال الإسلامي، وبالتالي من يتعرض للظلم في الشرق الأوسط اليوم ليس هم المسيحيون فقط بل المسلمون لأن حجمهم أكبر ومن ذهب ضحية الحروب أكثر هم المسلمون».
بيروت ـ «القدس العربي»:
↧