ترامب يهدد إيران! منذ سنة تقريبا كتبت..
بعد أن وصلت النيران إلى باب الدار، مع وصول الميلشيات الحوثية وحلفائها من أنصار المخلوع علي عبدالله صالح إلى أهم شريان بحري في العالم «مضيق باب المندب» وعلى مرأى من الأميركيين أنفسهم، وبعد أن ضاقت الدول الخليجية ذرعاً من سياسة الخداع التي ينتهجها الأميركيون، أخذ أوباما يعترف بأن أميركا باتت قلقة، وأن دول الخليج على حق بتخوفها العميق من أنشطة إيران المتهورة، على حد وصفه.
على من تضحك أميركا؟ فمن جهة هي حليفة الدول الخليجية الأساس، ولن تسمح بتهديد مصالحها، ومن جهة أخرى تطلق يد إيران في المنطقة لتجتاح أقاليمها الواحد بعد الآخر.
من جهة تراقب كل خطوة إيرانية قد تزعزع استقرار المنطقة، ولن تقف مكتوفة الأيدي لما يزعزع أمنها، ثم تسمح للميليشيات الحوثية المتحالفة معها، ومع المخلوع صالح بتقويض الاتفاقات الدولية التي رعتها الأمم المتحدة المتعلقة بانتقال السلطة في اليمن.
في يوم القوات المسلحة أشاد الرئيس الإيراني بالتوسعات التي حققها جيشه بقوله: قواتنا البحرية اليوم ترفع رايتنا من الخليج الفارسي إلى خليج عدن، ومن بحر عمان إلى البحر المتوسط والمياه الدولية والمحيطات.
أين كانت أميركا قبل أن تقلق؟ وهي التي ترصد دبيب النمل في مشارق الأرض ومغاربها؟ بينما كانت إيران تعمل على مدار عدة عقود من دون كلل وملل على بسط نفوذها في عموم المنطقة تحت اسم تصدير الثورة، وهو ما أطلق عليه الكاتب الأميركي أراش ربسنزاد «اللعبة الكبرى».
ثم ماذا عن تنظيم داعش وأميرها أبي بكر البغدادي؟ الذي يقول عنه الموقع الأميركي Veterans Today في تقريره المفصل بأنه عميل للموساد الإسرائيلي باسم «إليوت شيمون»، تم تدريبه ليترأس هذا التنظيم؛ لنشر الفوضى في الدول العربية المجاورة لإسرائيل، مستنداً بذلك إلى تصريحات أدلى بها أحد العاملين بوكالة الأمن القومي الأميركية بقوله: «إن تنظيم داعش ما هو إلا نتاج خطة أميركية-إسرائيلية، لجمع متطرفي العالم في تنظيم واحد؛ لنشر الفوضى في الشرق الأوسط وهدم حدود الدول.
على من تضحك أميركا؟ عندما تقول إن «داعش» يحتاج إلى حرب طويلة، يجيبنا على ذلك قائد شرطة دبي السابق الفريق «ضاحي خلفان» بقوله: «إن إلقاء القبض على البغدادي أسهل من الإمساك بأرنب بري؛ لأن قواته ليس لديها تشفير لاتصالاتها، وبذلك فتتبعها من الأميركييين وغيرهم أسهل من تتبع أثر الفيل، ثم أليست أميركا نفسها من عرقلت صدور قرار أممي كان محل إجماع لإدانة الحوثيين مع نهاية العام الماضي؟
إلى متى سيبقى العالم يكذب علينا؟ بمقابلة مع الكاتب الأميركي توماس فريدمان نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» في 5 نيسان (أبريل) الماضي، قال أوباما إنه سيبلغ دول الخليج أن عليها أن تكون أكثر فعالية بمعالجة الأزمات الإقليمية، وختم أن أي إضعاف لإسرائيل خلال عهده لن يشكل «فشلاً جذرياً واستراتيجياً لرئاسته فحسب، وإنما سيكون فشلاً أخلاقياً».
عالم مخادِع لا يتوقف عن التشدق بالأخلاق والمثل العليا. لقد قتل الروس من الأرمن والشركس والشيشان عشرات الأضعاف مما قتلهم العثمانيون، ومع ذلك يحتفل سيد الكرملين «بوتن» منذ أيام متألماً على ما لحق بالأرمن من فضائع وويلات، روسيا التي تدعي أنها حليفة الشعوب المناهضة للسياسات الغربية، هي نفسها من كانت الحليف الرئيسي للنظام العراقي البائد، لكنها تخلّت عنه عند أول الاستحقاقات، لا بل باعته بأبخس الأثمان بعد أن قامت بإعطاء الكثير عن أسرار الجيش العراقي وما يمتلكه من أسلحة، وهو ما عجّل باندحاره.
على من يضحكون؟ أليست مفارقة عجيبة أن إيران التي باتت تتحكم بعواصم عربية عدة إلى جانب تحكمها بأهم المنافذ البحرية التي تنقل النفط بالعالم «مضيق هرمز» والذي يمر من خلاله من 30 إلى 40 في المئة من إجمالي النفط المنقول بحراً أن تسمح أميركا لحلفائها الحوثيين بأن يتحكموا أيضاً بمضيق باب المندب، والذي بدوره يشهد مرور نحو 4.2 في المئة من إنتاج النفط العالمي، فضلاً عن أن من يتحكم بباب المندب يتحكم تلقائياً بقناة السويس، والتي يعبر منها أكثر من 8 في المئة وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
أخيراً إن المتابع للتغلغل الإيراني اليوم في عموم دول المنطقة يدرك حقيقة هي أن هذا التمدد لا يقلق الولايات المتحدة؛ لأنها تنظر إلى هذا التمدد من جهة إغراق إيران في وحول الصراعات القائمة على خلفيات دينية وعرقية، بما يسبب استنزافاً كبيراً لها ولجميع دول المنطقة على حد سواء، وهو ما حذر منه العديد من المراقبين، من أن إيران تمزق نفسها من دون أن تدري، وهي فرحة بهذا التمدد، بينما ثوبها يتمزق وفقاً للمفكر محمد الجوادي، ومن جهة ثانية ضرب القوى التي يمكن أن تتشكل لمناهضة الهيمنة الأميركية والإسرائيلية في عموم المنطقة.
*منشور في صحيفة الحياة ١٦ مايو/ أيار ٢٠١٥
↧