حوار مع الشاعر حمزة رستناوي: قصيدتي تقوم على شعريّة الفكرة
*حاورهُ: أمل جمال ( شاعرة وكاتبة مصرية)
شاعر ومؤلف سوري من مواليد حماة 1974.. تخرج من جامعة حلب واختصّ في طب الأعصاب.. صدر له خمسة مجموعات شعرية ،أوّلها طريق بلا أقدام من اصدارات وزارة الثقافة السورية، وآخرها الديكتاتور ذو الرقبة الطويلة. له أيضا العديد من الاسهامات النقدية والفكرية ، من خلال كتبه ومقالاته، في هذا الحوار نقترب أكثر من تجربة الشاعر حمزة رستناوي.. والى التفاصيل
س1- لمن لا يعرف الشاعر حمزة رستناوي , ما هي ابرز الملامح و الاهتمامات التي تميز عالمك الشعري؟
ج1- قد يكون من الأفضل هنا الاستئناس برأي الناقد د. هايل الطالب حيث يورد " إنّ شعر حمزة رستناوي يتميّز بما يمكن أن نسمّيه الأسلوب التجريدي ,و هو أسلوب يطرح تساؤلات جدِّيه حول امكانية التواصل مع القارئ , و إنّ المقولة الأساسية في شعره هي القمع , حيثُ تتضافر بؤر دلالية كثيرة في تشكيلها , من خلال تجسيد علاقة غير متكافئة بين الحاكم المستبد و المحكوم الضحية , و قد حاول في مجموعته الشعرية " سيدة الرمال " تجسيد سيرة الطغيان في لحظة تاريخية ما , و يلاحظ شيوع الإبهام وإغلاق التركيب دلاليا في شعر الرستناوي , إضافة الى استخدامه تقنية الاشتقاق و الجرأة اللغوية و الشعرية , و كذلكَ استخدامه للخطابيّة و أسلوب السخرية و المشهد الكاريكاتوري في تصوير حياة الطاغية و مآلات الطغيان.
(كتاب: تحولات الدلالة في النص الشعري)
-
س2- الاماكن حاضنة الروح او خلاصها أو استراحة مسافر ,هل تؤثر الاماكن في تجربتك الشعرية و الفكرية ؟و الى اي مدى؟
ج2- المكان هو أحد الأبعاد الأساسية للكينونة الاجتماعية و سواء أكانت فردا أو مجتمعا, لا يوجد وجود بلا مكان. المكان هو موضوع التذكّر بالنسبة للشاعر و موضوع التأمّل بالنسبة للمفكّر , المكان بُعدٌ مُحايدٌ يضفي عليه الانسان شيئا من نفسهِ و روحه و انحيازاته و جماله و فرحه و حزنه و بؤسهِ.. ليسجّل انطباع التجربة الوجودية التي يعيشها فيه و عبره. أكثر الأماكن حضورا في تجربتي هي القبر و السجن و المنفى ! لكونها الأمكنة التي تفضح بؤس الوجود.. و تكشف هشاشتنا و عجزنا في مواجهة الطغيان و هاجس العدم!
س3- الى اي مدى يتشابه العقل الجمعي العربي؟ و إن لم يكن متشابها فكيف يراه د. رستناوي؟
ج3- العقل البشري واحد, فلا يوجد فروق جوهرانية بين انسان و آخر ,أو بين مجتمع و آخر, سواء أكان عربيا أم غير عربي, و سواء أكان مسلما أم غير مسلما , و سواء أكان رجلا أم امرأة.. الخ و الاختلاف هو فقط في التعينات و سياقات تشكّل العقل الفردي أو الجمعي. الاشكالية الأهمّ ربّما في تعيين ( العقل العربي الجمعي ) - و هو تعين تاريخي ظرفي- هي ضعف حضور قيمة الحرية بشكل عام مقارنة بالعدالة مثلا, على الرغم بأنّ أي تأسيس للعدالة لا يقوم على الحرية سيكون هشّا و قابلا للانتكاس . ثمّة اشكالية ثانية تتجسّد في طغيان البعد العقائدي الديني على الأبعاد الأخرى للكينونة الاجتماعية , مثلا مشروعية العلم في ذاته و ليس في الدين , و كذلك مشروعية السياسة في ذاتها و ليست في الدين.. ما نحتاجه هو الفصل الاجرائي ما بين الحقول المختلفة للحياة و أنماط المعرفة.
-
س4- راي د. رستناوي في تعصب البعض لشكل شعري بعينه و يرفض الآخر؟
ج4- هي أحد أشكال السلفية الثقافية لا أكثر.
-
س5- القصيدة الومضة و قصيدة الهايكو كيف تراهما, و تقيم وجودهما كنوعين جديدين في التجاور الإبداعي الحالي؟
ج5- هي أنماط تجريبية جديدة , تقوم على شعرية اللقطة و التأمّل العميق و الدفقة الشعورية الواحدة, قد تكون هذه الأنماط أكثر تواصلا, و لكنّ الابداع فيها يحتاج إلى اشتغال و موهبة حقيقية.
-
ج6- ماذا يقرأ د. رستناوي الآن و ما نوعية الكتب التي تجتذبك عادة؟
ج6- عادة ما تكون قراءاتي موجّهة و مُخطّط لها ضمن المشاريع الفكرية التي أشتغل بها, و عادة ما أقرأ عدة كتب في نفس الوقت , حاليا أقرأ كتاب ( دين الفطرة لجان جاك روسو ترجمة عبدالله العروي) و كتاب ( السياسة لأرسطو طاليس , ترجمه أحمد لطفي السيد) و كتاب ( طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي)
-
ج7- باعتبارك طبيب, و اختصاصي أعصاب كيف ترى الابداع من الوجهة النفسية كعلاج نرجو التفسير العلمي؟
ج7- بداية التفكير الابداعي ذو صلة بعوامل متعددة منها استعداد وراثي و منها عامل بيئي مكتسب بفعل المجتمع و الأسرة و نظام التعليم , هناك عدد من الأمراض النفسية التي تترافق بنسبة أكبر مع العبقرية و الابداع كمتلازمة اسبيرجر و هي أحدى أنواع طيف مرض التوحّد , و على الأرجح لقد كان أينشتاين و اسحاق نيوتن و فان كوخ و الروائية البريطانية جين أوستين مصابون بها. الابداع وثيق الصلة بالشخصية و بحث الانسان عن التقدير و الاعتراف الاجتماعي عموما, و هذا ما يفسّر ازدياد نسبة المبدعين في البيئات و المجتمعات الراعية لهم خاصة من جهة تحرير الانسان من الضغط النفسي السلبي و القيود الاجتماعية. إنّ التفكير الابداعي ليس بمصطلح غامص و لا يوجد مصادر ميتافيزيقية للإبداع , بل هو ظاهرة عصبية نفسية اجتماعية ثقافية ديناميكية , و التفكير الابداعي ليس بعملية بسيطة بل هو نتاج اشتراك و تفاعل عمليات دماغية متعددة : الإدراك الحسي , والاستذكار, و الفهم , التحليل و التركيب , و التخطيط , اتخاذ القرار و التنفيذ. و من الضرورة هنا الاشارة إلى أنّ الابداع شيء مختلف عن الذكاء, فليس من الضرورة أن يحصل المبدع على درجات عليا في مقاييس الذكاء , و ليس من الضروري للمبدع أن يكون متفوقا مدرسيا أو من حاملي الشهادات الأكاديمية العليا.
المصدر: جريدة النهار ( الكويتية )
↧