سماع خبر مقتل أحد رؤوس الإجرام في سوريا كفيلٌ بخلط مشاعر المظلومين بين النشوة مع القلق، والفرح مع الخوف، فالسوريون وحدهم يعرفون جيداً كيف يسخّر نظام الإجرام أي حادثة للانتقام منهم، وقد كان لأهالي حمص يوم السبت 25 شباط/فبراير نصيب من الفرح والخوف في آن واحد، عقب مقتل المسؤول الأمني الأول في المحافظة العميد (حسن دعبول) أو آمر (فرع الموت). فقد اختلطت مشاعرهم بالفرح بمقتل قاتل زهور المدينة، والخوف من الانتقام الذي لم يتأخر بحق أهالي حي (الوعر) المحاصر.
“دعبول” لم يكن الضابط الأمني الوحيد البارز التي قُتل في سوريا خلال السنوات الماضية، فالنظام سخيّ بالتضحية بضباطه إذا لزم الأمر، ففي زمن السلم إذا انتهت مهمة الضابط كان (ينتحر) بعرف نظام الأسد، وأما في زمن الحرب فالمهمة أصبحت أسهل والذرائع أكثر.
أبرز ضباط النظام القتلى في زمن الانتحار
كانت العملية الأبرز خلال السنوات الماضية هي (انتحار) وزير الداخلية الأسبق (غازي كنعان) في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2005 في مكتبه، وقد سارع إعلام النظام حينها للإعلان عن مقتل وزير الداخلية، وذلك عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق (رفيق الحريري)، الذي تبعه خروج الجيش السوري من لبنان تحت التهديد الدولي وقرار مجلس الأمن الدولي الخاص بتشكيل محكمة خاصة للتحقيق باغتيال الحريري.
ومن غير المستغرب في دولة كسوريا التخلص من الشاهد الملك في حقبة التواجد السوري في لبنان، فـ “كنعان” كان معروف عنه أنه الحاكم الفعلي للبنان إبان التواجد السوري فيها.
الضباط القتلى في زمن الحرب
خلال السنوات الست الماضية قتل آلاف من ضباط النظام في المعارك مع كتائب الثوار، لكن كان هناك مجموعة من العمليات الأمنية التي لا يزال يلفها الكثير من الغموض، والتي ساهمت بشكل كبير بتغيير مجريات الأحداث في سوريا.
يكاد يكون تفجير مبنى (الأمن القومي) أو ما عُرف وقتها بتفجير (خلية الأزمة) بتاريخ 18 تموز/يوليو 2012 هو الخرق الأمني الأكبر للنظام، أو أكبر عملية تصفية داخلية بعهد الأسد الابن، فالعملية أسفرت عن مقتل قادة الصف الأول في مؤسسة النظام الأمنية، وهم العماد (أصف شوكت) الذي كان يشغل منصب نائب وزير الدفاع، بالإضافة للعماد (داود راجحة) وزير الدفاع، واللواء (هشام بختيار) رئيس مكتب الأمن القومي، والعماد (حسن تركماني) رئيس خلية الأزمة.
وعلى الرغم من مسارعة النظام وماكينته الإعلامية للإعلان أن مبنى الأمن القومي تم استهدافه بمادة C4 شديدة الانفجار، مما أدى لمقتل الضباط الأربعة، إلا أن أي جهة من المعارضة لم تتبنى العملية بشكل رسمي، وبقي الغموض يلفها حتى يومنا هذا، ولكن كل ماهو مؤكد أن العملية شكلت نقطة تحول لصالح تدخل إيران والميلشيات الموالية لها في سوريا، كما أنها أتت عقب أيام من اجتماع جنيف1 الذي انعقد بتاريخ 30 حزيران/يونيو.
وفي 17 تشرين الأول/أكتوبر 2013 أعلن النظام عبر إعلامه عن مقتل اللواء (جامع جامع) مدير فرع المخابرات العسكرية في مدينة (دير الزور)، وقد ذكرت وسائل الإعلام المحسوبة على النظام أنه قتل بطلقة في رأسه، في الاشتباكات في أحياء المدينة بين كتائب الثوار وقوات النظام.
ويعدّ (جامع) أحد أبرز المطلوبين للمحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الحريري، فهو كان المسؤول الأمني الأول للنظام في مدينة (بيروت) وقت حدوث جريمة الاغتيال.
مرض عضال
في 24 نيسان/أبريل أعلن إعلام النظام موت رئيس شعبة الأمن السياسي اللواء (رستم غزالي) نتيجة مرض عضال. (غزالي) الذي كان قد ظهر في تسجيل مصور قبل موته بأيام من أمام منزله في بلدة (قرفا) بمحافظة درعا، وقام بإشعال النيران في منزله خوفاً من وصول كتائب الثوار له، بعد تمكنهم من السيطرة على مدينة (الشيخ مسكين) المجاورة لبلدته، وقد كانت زيارته الأخيرة لبلدته إشكالية، ولا سيما عقب منعه مقاتلين من ميلشيا (حزب الله) من التمركز في منزله، وفضل إحراقه، ليختفي بعدها عن الساحة بشكل نهائي، وأكدت تقارير استخباراتية غربية أنه تم حقنة بمادة (السيانيد).
لا قيمة للضباط
ما قبل العام 2011 كان غالبية السوريين يجهلون عقلية النظام ولاسيما اتجاه ضباطه، ولكن، وبعد العام 2011، أصبح مفهوم لدى السوريين بأن النظام مستعد للتضحية بأي شيء في سبيل بقائه، وحتى بضباط الصف الأول، وقد كانت حادثة اعتقال رئيس فرع مكافحة الإرهاب في فرع (فلسطين) العميد (منير الشلبي) من قبل الثوار أواخر شهر حزيران/يونيو 2012 أكبر دليل على ذلك، عندما رفض النظام مجرد فكرة التفاوض مع الثوار لإطلاق سراح (الشلبي) مقابل أن يطلق النظام سراح مجموعة من المعتقلين لديه، وقد قُتل (الشلبي) فيما بعد وذلك إثر تعنت النظام. ومن حينها أصبح من الواضح أنه لا قيمة لأي شخص خارج دائرة صنع القرار الضيقة، وأن الجميع أدوات بالنسبة للنظام، ولكل شخصية في النظام مدة صلاحية.
أموات يعودن للحياة
تسرعت كتائب الثوار بتبني عمليات أمنية استهدفت قادة في صفوف النظام وميليشياته دون أن ينفي أو يؤكد النظام الخبر، وقد كانت الحادثة الأبرز نهاية شهر آذار/مارس 2016 عندما تبنت حركة (أحرار الشام) عملية قتل أحد أبرز متزعمي الميلشيات الطائفية في سوريا، وهو (علي كيالي)، متزعم ميليشيا (المقاومة السورية)، وقد ذكرت الحركة على لسان الناطق باسمها أن العملية تمت إثر استهداف مقر كيالي في ريف (اللاذقية).
وسائل الإعلام المحسوبة على النظام أكدت الخبر كما أكدت المخابرات التركية الخبر، ليعود (كيالي) بعد سبعة أشهر من إعلان مقتله ويظهر في أحد مواقع ميلشيا (حزب الله) في جبال اللاذقية.
اختراق لأجهزة النظام الأمنية
وبالعودة للعملية التي حدثت يوم السبت الماضي في مدينة (حمص)، فإن الأفرع الأمنية للنظام تم اختراقها في وقت سابق، وإن كان على نطاق ضيق، وكان من هذه العمليات عملية تفجير قسم المخابرات (الجوية) في السويداء مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2013.
وكشف قيادي سابق في جبهة فتح الشام (النصرة) في وقت سابق، أن أحد أمنيي النصرة وهو (معمر المنيزل) تمكن من إيهام قسم المخابرات الجوية في السويداء أنه يعمل لصالحهم، وقد بنى علاقة مع رئيس القسم الرائد (أسد العبدو)، والذي طلب من أمني النصرة مكيفاً خاصاً بمكتبه.
وأشار المصدر إلى أن طلب المكيف كان الفرصة الذهبية لتنفيذ العملية داخل القسم، فقام (المنيزل) بتفخيخ جهاز التكيف وسيارته، ونفّذ عملية التفجير داخل مكتب رئيس القسم، عقب خروجه من المكتب، مما أدى إلى مقتل رئيس القسم الرائد (أسد العبدو) ونائبه النقيب (إبراهيم العلي)، إضافة لأكثر من 15 ضابطاً وعنصراً من ملاك القسم.
وفي المحصلة أيّاً يكن الفاعل فإن انتقام النظام سيكون من الأهالي المدنيين، ولسان حالهم يقول ليتنا نعود لزمن الانتحار، كونه الأقل كلفة بالنسبة للأهالي.
↧