الأخبار القادمة من سوريا مخيفة: فالحرب لم تنتهِ بعد، على الرغم من تدخل روسيا الحاسم لصالح بشار الأسد وسقوط حلب في العام الماضي.
ما يزال اللاجئون يلوذون بالفرار بحثاً عن مكان آمن، حيثما استطاعوا، وما يزال الغرب يعاملهم بفتور.
هذا واضح على وجه الخصوص في الولايات المتحدة، التي تُعِدُّ فيها إدارة ترامب أمراً تنفيذياً معدلاً يمنع سكان 7 دول مسلمة من دخول البلاد. كما أن النسخة الأصلية من القرار تفرض حظراً على جميع اللاجئين السوريين من القدوم إلى أمريكا، إلى أجل غير مسمى.
هؤلاء الأشخاص من بين أكثر الفئات ضعفاً في العالم اليوم، هؤلاء هم الهاربون من جحيم تنظيم الدولة الإسلامية ومن البراميل المتفجرة التي يلقيها نظام بشار الأسد ومن الغارات الجوية الروسية.
لذا، عندما اقترحت وكالة الأمم المتحدة للاجئين القيام بزيارة للتحدث عن الوضع في مخيمات اللجوء في الأردن، شاركت فيها وقررت أن أصطحب معي ابني المراهق داريوس.
نريد من خلال تلك الزيارة التحدث إلى الأسر التي تحاول الحصول على لجوء في الولايات المتحدة. وقد كان داريوس، بكل فضول واهتمام، حريصاً على أن يعرف كيف ينجو المراهقون في مثل سنه من أيام الحرب المظلمة، وكيف يتأقلمون مع حياة اللجوء.
أحلام اللاجئين المراهقين الكبيرة
التقيت وداريوس بمحمد، يبلغ محمد من العمر (16 عاماً)، أي بعمر داريوس، لكن حياته تختلف كثيراً عن الحياة التي يعيشها ابني.
وقد أخبره محمد عن مدى بشاعة الحرب في سوريا، كما أخبره عن القصف الذي تسبب في انقطاعه عن الحياة المدرسية. يعيش محمد الآن مع عائلته في مخيم للاجئين، وتعتمد عليه والدته وأخواته ليكون المسؤول عن تأمين احتياجاتهم.
تحدث محمد لداريوس عن الأعمال التي ينبغي له القيام بها يومياً، فهو يؤدي أعمالاً مرهقة تتمثل في الذهاب أكثر من مرة ليملأ أوعية بسعة 20 لتراً بالماء ومن ثم حملها إلى المنزل.
ونظراً لالتحاقه بمدرسة المخيم، التي أسستها الأمم المتحدة، تمكن محمد من تعلم الإنكليزية منذ خروجه من سوريا. بالإضافة إلى ذلك، لمحمد أحلام كبيرة؛ كالتعلم ودخول الجامعة والحصول على مهنة جيدة.
لقد سألت محمد كيف يبدو الأمر في هذا الوضع بالنسبة لصبي بعمره؟ وأجابني بالإنكليزية: "إن ثمن النجاح هو العمل الشاق. فهو الذي يحدد ما إذا كنا سنفوز أو نخسر". وعندما سأله داريوس من الذي علمه ذلك، رد عليه محمد ببساطة: "الحياة". وقد كانت تلك التجربة بالنسبة لابني، في أن يرى مراهقين في مثل سنه في هذا المخيم الصحراوي وسط المجهول محرومين من الكثير ولكنهم مفعمون بالأمل، كانت تجربة عميقة ومؤثرة.
التدقيق المكثف على إجراءات السفر
وفي يوم آخر، قمنا بزيارة عائلة من اللاجئين السوريين كانوا قد تمكنوا من الحصول على الأوراق التي تؤهلهم للسفر إلى الولايات المتحدة. لكن الأمر استغرق أكثر من عامين أمضوهما في الخضوع لعمليات التدقيق.
وقد كانوا من بين القلة المحظوظة وربما الأخيرة التي ستتمكن من السفر إلى هناك، وذلك بسبب الحظر الذي فرضته إدارة ترامب على اللاجئين السوريين.
ويقول "بول سترومبرغ" من المفوضية العليا للاجئين عن التدقيق الأمريكي مع ازدياد شدته: "إنه يضم العديد من الوكالات المختلفة في الولايات المتحدة، وقواعد البيانات الأمنية، والكثير من المقابلات الشخصية، وذلك يتطلب مدة قد تصل إلى عامين. فضلاً عن أنه يضم تحققاً بيومترياً في مراحل مختلفة من العملية".
ويقول سترومبرغ: "وهذه الطريق في الأساس من أصعب طرق الوصول إلى الولايات المتحدة إن كنت سورياً"، مضيفاً أنه لم يكن هناك أية قضية أمنية في كل الحالات.
وعلى الرغم مما يعتقده كثير من الغربيين، فنسبة اللاجئين الذين تمت إعادة توطينهم في العالم أقل من 1%. وهذه نسبة ضئيلة للغاية، لا سيما إن علمت أن 10% من سكان الأردن من اللاجئين.
وقد أخبرنا سترومبرغ أن الأردن "تنوء" بهذا العبء. ويضيف: "إذا قارنت ذلك بسكان الولايات المتحدة، ستجد أنهم أكثر من الأشخاص البالغ عددهم 30 مليون الذين يستضيفونهم. لقد قدمت الأردن كل ما في وسعها، واتخذت قرارات شجاعة جداً. ذلك أنها سمحت لهم بالحصول على وظائف قانونية، وتحاول اليوم أن تُلحِق جميع السوريين بالمدارس، وهذا أمر ليس بالسهل، لنتأكد من أننا لن نخسر جيلاً كاملاً إذا ما استمرت الحرب، كل ذلك صعب للغاية".
الأطفال يتوقون للتعلم
والتقينا أيضاً بفتيات صغيرات تم تزويجهن، وذلك في جزء منه يرجع إلى أن عائلاتهن الفقيرة ستتخلص من تكاليف فرد من العائلة، ومن ناحية أخرى تعتقد العائلات أن الفتيات المتزوجات في أمان أكثر من العازبات.
وقد كان هناك ارتفاع كبير في نسبة الزواج المبكر منذ اندلاع الحرب السورية، لكن بالمقابل، هنالك ارتفاع مماثل حالياً في معدلات الطلاق المبكر. وهذا يعود إلى رفض الفتيات البقاء تعيسات، في علاقات يعامَلن فيها بسوء من رجال عادة ما يفوقونهن سناً.
هؤلاء فتيات مراهقات في مثل سن ولدي، قصصهن مذهلة للغاية، مليئة بالصمود والقدرة على التكيف والأمل والتصميم رغم الصعوبات التي لا تصدق في خسارة كل شيء، هؤلاء الفتيات لديهن عزيمة وتصميم على وقف دوامة الضحية هذه والاستعداد لمستقبل جيد.
وعندما قمنا بزيارة مخيمي الزعتري والأزرق، التقى داريوس بأطفال من عمره يتوقون لتلقي التعليم والتمتع بالفرص التي يُعَدُّ محظوظاً بما فيه الكفاية ليحصل عليها.
وهنا، يذهب الصبية والفتيات إلى المدرسة 4 ساعات في النهار في أوقات متقطّعة، ولا يحظى هؤلاء الأطفال بذلك النوع من وسائل التسلية المنتظم الذي يحظى به أطفالنا.
لم يشهد مخيم الأزرق وصول الكهرباء سوى مؤخراً، وهنا يستطيع بعض ساكنيه مشاهدة التلفاز، لكن خدمة الانترنت مقتصرة على بعض المراكز المجتمعية في المخيمات. هذا ليس الجيل المدمن على الأجهزة الذكية الذي تعودناه.
لقد كان داريوس مذهولاً بقدرة محمد والآخرين الذين التقاهم على تقديم أفضل ما لديهم، بل أذهله حماسهم حول كل ما يتعلمونه هنا في مخيمات الأردن، فهذا المكان بالنسبة لهم هو نقطة الانطلاق لتحقيق أحلامهم في العالم.
أما بالنسبة لداريوس، فإن ما اختبره هنا بصورة مباشرة سيكون له دور، دون أدنى شك، في صياغة مستقبله.
فقد منحه ذلك مشاهدة مبكرة لعواقب الحرب والإنسانية العميقة التي يتمتع بها المحاصرون داخل مناطق الحروب، بالإضافة إلى مشاهدته بعض أكبر التحديات التي نعيشها في زمننا هذا؛ مثل مساعدة الناس البالغ عددهم 65 مليون شخص، أولئك الذين أُرغموا على الخروج من منازلهم في مختلف أنحاء العالم.
ترجمة ريما قداد-
السوري الجديد
↧