بمجرد أن تتجول في مدينة عين العرب (كوباني) التي تدمّر أكثر من 75 في المئة من بناها التحتية، فإنك لا بد أن تصادف بين بقايا حارة وأخرى خيماً بجانب أكوامٍ منهارة كانت بيوتاً تأوي من بات في الخيم يوماً م، في ظل موجة البرد التي تجتاح المدينة، إضافة إلى وجود مخيمين بالقرب من المدينة يعيش فيهما حوالي 125 عائلة من أصحاب البيوت المدمرة.
وبالرغم من المطالبات المتكررة من قبل الإدارة الذاتية التي أعلنها حزب الإتحاد الديمقراطي في شمال سوريا لأهالي مدينة عين العرب (كوباني) بالعودة إلى منازلهم، إلا أن معظمهم لا يزالون في تركيا والعراق والمدن الأخرى داخل سوريا.
ويعود تأخر عودة أهالي كوباني إلى منازلهم لأسباب عديدة، ولعل أبرزها فشل مخطط الإعمار الذي أعلنته الإدارة الذاتية، بل وزادت من الطين بلة حيث اقتطعت أجزاء كبيرة من المدينة كمتحف حربي شاهد على معاركهم ضد تنظيم "داعش"، والذي أعلن في مؤتمرٍ أُقيم في مدينة ديار بكر التركية.
وبحسب البيان الختامي الصادر عن المؤتمر تضمنت الاقتراحات تشكيل منسقية لإعمار كوباني مؤلفة من 15 شخصاً من مختلف المناطق، إضافة إلى بناء مستشفى مجهز تجهيزاً كاملاً، وإزالة جميع بقايا المتفجرات، وهدم الأبنية المتصدعة والمتضررة، وبناء المدينة بمشاركة جماعية.
وأشار البيان إلى أن أهالي كوباني وافقوا على تحويل قسم من المدينة إلى متحف، وتطرق اليان إلى تأسيس جمعية (وقف) إعمار كوباني، تعمل تحت إشراف الإدارة الذاتية، ومنسقية إعمار كوباني، مبينا أن "الجمعية ستعمل على تنظيم وجمع المساعدات التي تقدم من الخارج وكذلك صرف تلك المبالغ وفق الحاجة".
ولكن بعد مرور عامين على خروج تنظيم "داعش" من مدينة كوباني، لا تزال تلك الوعود حبراً على ورق، وقد شبهها كثيرون من معارضي الإدارة الذاتية بالفضفاضة، حيث لم تبن حتى الأن سوى ست مشاريع سكنية مخصصة لعائلات "الشهداء"، إضافة لبعض الخدمات العامة>
وحول تأخر المشاريع التي أطلقتها الإدارة الذاتية في كوباني، تهرب أعضاء من الإدارة عن الإجابة.
ومن جانبهم، حاول نشطاء ومثقفون كرد التمهيد لإعادة إعمار المدينة وفق خطة إعادة إعمار سوريا بشكل عام، واستطاعت هؤلاء إجراء إحصاء دقيق لكل ما تم تدميره في المدينة وريفها، إضافة توثيق الأدوات التي تم سرقتها والمزروعات والأشجار التي تم خلعها، ولكن هذه المجموعة اصطدمت بحزب الاتحاد الديمقراطي الذي منع أي عمل لا يكون للحزب سلطة عليا فيه؟
وقال "مسلم طالاس"، وهو دكتور جامعي في الاقتصاد في جامعة ماردين، وأحد النشطاء في إعادة الإعمار، لـ "كلنا شركاء": "أنشأنا منظمة تقنية تطوعية بغرض جمع البيانات عن مستوى الخسائر التي تعرضت لها كوباني، ووضع تصورات عن خيارات إعادة الاعمار، من حيث وضع استراتيجية عامة لإعادة الإعمار اقتصادياً وهندسيا، وفي إطارها تصور مشروعات ذات جدوى اقتصادية وهندسية. ومن ثم عرض تلك المشروعات على جهات يتوقع أن تدعمها مالياً وجهات يتوقع أن تتولى التنفيذ".
وأكد "طالاس" أن بداية العمل الصحيح لمثل تلك المنظمة هي امتلاك البيانات الصحيحة عن حقيقة الواقع على الأرض.
حزب الاتحاد الديمقراطي كانت العائق الذي لم يستطع النشطاء اجتيازه، إذ قال "طالاس": "للأسف لم نستطع الحصول على تلك البيانات بسبب سلبية الإدارة الذاتية تجاه السماح بمد شبكة مسح ميداني من خلال فتح مكتب في كوباني. الادارة الذاتية كانت تطالب كل الكوادر الالتحاق بمؤسساتها، وطبعاً نحن لم نكن في ذلك الوارد، على الأقل بسبب الطبيعة الخاصة للمنظمة التي كنا نطمح بتأسيسيها".
وأردف "حاولنا الاستعاضة عن ذلك بجمع البيانات باستخدام أسلوب العينة، وبعد إجراء اختبار تجريبي وتحليل بيانات العينة تبين أنها لا تفي بالغرض من حيث دقتها وتعبيرها عن الواقع. طبعا هناك جهات تواصلت معنا وأبدت رغبتها في التعاون معنا، لكننا لم نصل للمرحلة التي يمكن أن نستفيد فيها من العون المعروض من تلك الجهات، ورغبة منا في أنا لا نحمل أنفسنا مسؤولية أخلاقية، فالظروف لا تسمح لنا تحملها، جمدنا عملنا. باعتبار أنه عدم القدرة على جمع البيانات على الأرض يعني شلل بقية مسارات العمل".
ونوه "طالاس" إلى أن عملية إعادة إعمار كوباني تحتاج إلى حوالي 6 مليارات دولار، مشيراً إلى أن "إعادة الإعمار كمشروع يبدو أنها لم تبدأ، وإن كانت هناك محاولات فردية هنا وهناك، وهناك بعض عمليات نقل المخلفات. ومؤتمر من نوع مؤتمر ديار بكر يمكن أن يكون مساعدة من نوع ما للمدينة، لكن ليس بمقدور مثل ذلك المؤتمر توفير التكاليف المالية الضخمة والإمكانات الفنية لعملية إعادة الإعمار التي تبلغ تكاليفها مليارات الدولارات. يضاف إلى ذلك أن الوضع في المدينة في المدى المنظور لا ينفصل عن الوضع في سوريا، لذلك لا يمكن أن تبدأ عملية إعادة إعمار حقيقية إلا بعد توقف الحرب، وفي سياق إعادة أعمار سوريا ككل".
من جانبه قال "خالد"، وهو صاحب بيت تدمر نتيجة المعارك في كوباني، لـ "كلنا شركاء": "إن مشروع إعادة الإعمار بقي فارغ المضمون، فإلى الآن لم يتم تعويض أصحاب البيوت المدمرة، ولم تبنى لهم أية بيوت جديدة".
وأضاف "بهذه الإمكانيات لن يستطيعوا بناء منزل واحد. الرخصة تكلف 50 ألف ليرة سورية للـ 100متر، وتكلفة الـ 200 متر تحتاج إلى 100 ألف ليرة سورية".
وتساءل "خالد" في ختام حديث "أين هي منسقية إعادة الإعمار وعودها للأهلي، فالناس فقدت الأمل وبدأت تعيد إعمار منازلها من أموالها الخاصة".
كدر أحمد: كلنا شركاء
↧