تأتي زيارة ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة، ولقاؤه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء الثلاثاء، بعدما كان مقرراً يوم الخميس، في وقت يبدو فيه أن العلاقات السعودية-الأميركية تدخل مرحلة التعافي، ومحاولات بناء الثقة من جديد، وتجاوز التأثيرات السلبية لحقبة الرئيس السابق باراك أوباما.
وكما تأثرت العلاقات السعودية-الأميركية سلباً بالاتفاق النووي الإيراني، وإقرار قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" (جاستا) الأميركي، يبدو أن مواجهة الإرهاب في اليمن، والملف الاقتصادي، سيكونان المدخل الأبرز لتعزيز التعاون بين الطرفين خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى تطورات الملف العراقي، وتهيئة الأوضاع لمرحلة ما بعد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق، مع ترجيح أن يكون الملف السوري، بناءً على "قنبلة" المناطق الآمنة التي اقترحها ترامب، قد احتل مساحة واسعة من اللقاء الذي عقد في البيت الأبيض، تلاه غداء عمل.
وكان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قد التقى نظيره الأميركي، ريكس تيلرسون، في العاصمة الأميركية واشنطن الاثنين. وأكد نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، أن "الحرب في اليمن، والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين السعودية وأميركا" خصوصاً في ما يتعلق برؤية 2030 السعودية، على رأس القضايا التي ناقشها الطرفان. وتولي الإدارة الأميركية أهمية مضاعفة لليمن، لمواجهة الإرهاب من جهة، والتمدد الإيراني من جهة أخرى.
وكان التوتر الأميركي-الإيراني مع تولي دونالد ترامب السلطة في البيت الأبيض، قد بدأ في ممرات الملاحة البحرية المحاذية لليمن، إذ تعرضت فرقاطة سعودية لهجوم، اتهمت الرياض مليشيات الحوثي، وإيران من ورائها، بالوقوف خلفه.
واستنكرت الولايات المتحدة الحادث بشدة، واتهمت إيران بالوقوف خلفه أيضاً، في الوقت الذي أكد فيه البنتاغون أن العملية كانت تستهدف الوجود الأميركي قرب السواحل اليمنية، وأن الحوثيين اعتقدوا أن الفرقاطة أميركية.
وبدأت أولى مواجهات ترامب العسكرية ضد الإرهاب في اليمن أيضاً، عندما شنّت قوات أميركية هجوماً خاطفاً (إنزال عسكري) في 29 يناير/كانون الثاني، بعد أقل من أسبوعين من تولي ترامب السلطة، العملية التي أسفرت عن اغتيال "قادة" في تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، إضافة إلى مقتل جندي أميركي، ومدنيين، بحسب البنتاغون. وصعّدت الإدارة الأميركية عملياتها في اليمن، ووسعت استهداف مشتبه بانتمائهم لتنظيم "القاعدة" خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ويرى مراقبون أنه على عكس إدارة أوباما، الحريصة على نجاح الاتفاق النووي مع طهران، ترغب الإدارة الأميركية الجديدة في التصعيد معها، في ظل الانتقادات المتكررة للاتفاق من الرئيس الأميركي وأقطاب إدارته، ومحاولة دفع إيران لانتهاكه. وكانت إدارة أوباما، قد تجاهلت بصورة مستمرة التمدد الإيراني في المنطقة، الأمر الذي توليه الرياض أولوية قصوى. في الوقت الذي تُظهر فيه إدارة ترامب اهتماماً أكبر بمواجهة نفوذ إيران في المنطقة، ولا سيما في اليمن.
ومن شأن الاهتمام الأميركي المتزايد باليمن، أن يخفف الضغوط الدولية على السعودية لإنهاء الحرب هناك بسبب تزايد أعداد الضحايا المدنيين للقصف، إضافة إلى المجاعة وسوء الأوضاع الصحية اللذين يؤثران في أغلبية السكان، في وقت ما زالت فيه المليشيات الانقلابية التابعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، تسيطر على مواقعها في الشمال اليمني، ولا سيما العاصمة صنعاء، منذ سبتمبر/أيلول 2014.
وكانت الإدارة الأميركية السابقة قد نشطت من خلال وزير خارجيتها، جون كيري، في محاولة لإيجاد حل سياسي في اليمن، يعيد ترتيب الأوضاع السياسية والعسكرية في البلاد، ويوقف الحرب بصورة عاجلة، المحاولات التي باءت بالفشل بعد مفاوضات ماراثونية احتضنتها الكويت، العام الماضي. ولا يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية مهتمة بالإسراع بإنهاء الحرب في اليمن، ما يتيح للرياض فرصة أوسع لمواجهة مليشيات الحوثي المدعومة من طهران.
التعاون الاقتصادي وجاستا
أدى إقرار قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" أو "جاستا" والذي يسمح للمحاكم الأميركية بمحاكمة دول وجهات متورطة في دعم أو تسهيل عمليات إرهابية على الأراضي الأميركية، إلى تأزم العلاقات السعودية-الأميركية العام الماضي. ويهدف القانون بصورة رئيسية لنزع "الحصانة السيادية" عن الدول أمام القضاء الأميركي، الخطوة التي ستسمح لعائلات ضحايا أحداث سبتمبر/أيلول 2001 برفع دعاوى قضائية ضد السعودية، والتي أشارت الصفحات المفرج عنها العام الماضي، من تحقيقات أحداث سبتمبر/أيلول، براءتها من أي صلة بالأحداث.
مع إقرار "جاستا"، بدأت السعودية بمراجعة استثماراتها في الولايات المتحدة، وعبّر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير آنذاك عن عزم السعودية سحب استثماراتها في حال إقرار القانون بسبب ارتفاع المخاطر. اليوم، ومع زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة، واجتماعته مع ترامب، وفي ظل عزم السعودية على طرح جزء من شركة أرامكو في الأسواق العالمية كجزء من خطتها لتنويع مصادر الدخل (رؤية 2030) يبدو التعاون الاقتصادي مع أميركا مهدداً، حال فشل إدارة ترامب في تعديل قانون "جاستا" وتجاوز آثاره السلبية. وتحرص الحكومة السعودية على الاستفادة من الشركات الأميركية لأقصى حد، في دعم خطة تنويع مصادر الدخل المحلية (رؤية 2030).
وكان الكونغرس الأميركي قد أكد قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، عزمه تعديل "جاستا" من جديد، بعد أن تم التصويت على تجاوز فيتو أوباما، في مجلسي الشيوخ والنواب. واعتبر بعض نواب الكونغرس أن القانون "يهدد المصالح الأميركية في العالم". ومن المتوقع أن يضغط ترامب على الكونغرس، المهيمن عليه من حزبه الجمهوري، لإجراء تعديلات على القانون، قد تجدد ثقة السعودية بالأسواق الأميركية. وتُقدّر الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة بحوالي 700 مليار دولار. وكان وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، قد أكد قبل أسابيع احتمال طرح الاكتتاب الأولي لشركة أرامكو في عدة أسواق عالمية، منها السوق الأميركية، الخطوة التي يشكك مراقبون في الإقدام عليها، بحال عدم تعديل قانون "جاستا".
واستحوذت شركة أرامكو العام الماضي على مصفاة "بورت آرثر" في ولاية تكساس، والتي تعتبر أكبر مصفاة في أميركا الشمالية، بالشراكة مع شركة شل الهولندية. وكانت مصادر "رويترز" قد أكدت يوم الثلاثاء أن أرامكو اختارت شركة "إف تي آي" الأميركية مستشاراً إعلامياً عالمياً لطرحها الأولي في الأسواق العالمية، والمتوقع في 2018، والذي يصفه مراقبون بالطرح الأكبر في تاريخ الأسواق العالمية. ومن المتوقع أن يولي ترامب، أولوية قصوى للاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة، أملاً في خلق المزيد من الوظائف للأميركيين، ودعم الأسواق المالية والاقتصاد الأميركي بشكل عام. ما يعني رغبته بتعزيز التعاون الاقتصادي مع السعودية، الخطوة التي من المستبعد أن تتم من دون مراجعة قانون "جاستا".
جديد في العراق؟
من غير الواضح ما إذا كان التنسيق السعودي-الأميركي سيصل إلى مستويات جديدة في ما يخص الملف العراقي، إلا أن الانفتاح السعودي المفاجئ على العراق، تزامناً مع تولي ترامب السلطة، يوحي بذلك. وكان الجبير قام بزيارة تاريخية إلى بغداد، هي الأولى لوزير خارجية سعودي منذ 1990، بعد أيام قليلة من زيارة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس للعراق الشهر الماضي. وأكدت دوائر أميركية أن زيارة وزير الخارجية السعودي جاءت بتنسيق مع الولايات المتحدة.
ومن غير الواضح إن كان التنسيق السعودي-الأميركي يهدف لتحجيم الحضور الإيراني في العراق، أو ترتيب الأوضاع في المناطق السنّية في مرحلة ما بعد "داعش"-تحرير الموصل، وهو ما يرجحه مراقبون عراقيون. وعبّر مسؤولون إيرانيون عن استيائهم من الانفتاح السعودي على بغداد. واعتبر المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، نوذر شفيعي، في حديث لوكالة "مهر" الإيرانية الاثنين، أن العلاقات الإيرانية-العراقية "مبنية على تفاهمات تم إنشاؤها منذ سقوط نظام صدام حسين، ولا يمكن للسعودية ضربها وإزاحة العراق عن المحور الإيراني". واعتبر شفيعي أن زيارة الجبير بغداد "جاءت في سياق محاولة إبعاد العراق عن إيران".
ويطمح الطرفان، الأميركي والسعودي، لزيادة التنسيق بينهما في ملفي مواجهة إيران، والإرهاب. وكان ماتيس، قد تحدث مرتين على الأقل مع ولي ولي العهد السعودي، منذ تولي الأول منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي، ما يوحي بأهمية السعودية في رؤية الإدارة الأميركية الجديدة للمنطقة.
المصدر: العربي الجديد - بدر الراشد
↧