لو ارادت شركة كبرى ان تسيطر على سوق ما ، فيه منافسين محليين يمكنها ان تقتحم هذا السوق وتوجد مكانا فيه وتعمل باسمها الصريح وتوفر السلع باسعار منافسة لا يقدر ان يعتمدها باقي التجار ، وفي هذه الحالة يمكن لهؤلاء التجار ان يتحالفوا ويتحدوا في مواجهة الشركة ويكبدوها خسائر كبيرة قد تدفع لانسحابها من السوق ..
الطريقة الثانية هي ان توجد هذه الشركة حليفا من داخل السوق ضعيفا ، منبوذا ، طموح وجشع .. وتمده بالبضائع والمال ليواجه اقوى المنافسين المحليين وتضعفهم وتتخلص منهم ويصبح حليفها هذا هو الاقوى في السوق ولكنه بطبيعة الحال لا يُسمح ان يكون اقوى من الشركة ذاتها .. وعادة ما تتخلص هذه الشركة من الحليف بعدما يصبح السوق تحت سيطرتها .. ببساطة تقطع المساعدات عنه ..
هذه الطريقة بالضبط هي التي تتبعها القوى العظمى منذ اكثر من 100 عام للسيطرة على البلدان والاسواق في العالم ..
اذا عدنا "للثورة العربية الكبرى" ذاك الجيش العربي الذي "حرر" الحجاز والاردن ودخل دمشق .. ودحر العثمانيين الاشداء .. هل فكرتم في مصيره .. اين هو ؟ .. اختفى ؟ .. اين اختفى ؟!
الانكليز اوجدو الحليف الضعيف الجشع داخل الدولة العثمانية .. وكانوا يمدونه بالمال والسلاح ليفوز في معركة ولكن دون تمكينه من الفوز بالحرب كلها .. فكان المال ( على القد ) والسلاح هو بقايا سلاح غير فتاك يكفي تماما للتقدم خطوة واحدة وينفذ ..
بالفعل انهك الانكليز الجيش العثماني من خلال دعم محدود لعميلهم "العربي" .. وحتى يضمنوا بانه لن يمتلك جيشا قويا مدربا منظما يسيطر على الامور بعد انتهاء المهمة .. حرصوا على ان يبقى افراد هذا الجيش من البدو الذين امتهنوا السلب والنهب والارتزاق .. فهم وصلوا لدمشق من اجل مال الانكليز وعندما ينضب هذا المال يترك لهم حرية السلب والنهب وهكذا بعد ان انسحب الجيش العثماني من سوريا .. قطعت عن هؤلاء المساعدات .. واختفى افراد الجيش ليعودوا الى قلب الصحراء مرة اخرى يمارس ما تعودوا عليه عبر قرون ..
اثناء الحراك السياسي "العربي" ضد الدولة العثمانية وقبل الحرب العالمية الاولى تشكل حزب سري من الضباط العرب الاكفاء اسمه "حزب العهد" على رأسه ضابط من اهم واكفء ضباط الجيش العثماني اسمه عزيز المصري .. يحظى باحترام ومحبة كل الضباط العرب
وعندما بدأت الثورة لم يدعوا احد هؤلاء الضباط للمشاركة في "الجيش العربي" فما كان من عزيز المصري الا ان سافر الى الحجاز بنفسه ليشارك في قيادة الجيش .. بالنتيجة طرد عزيز هذا من الحجاز وايضا نفي من مقر اقامته في مصر وعاش بعدها ومات في منفاه .. اسبانيا ..
لا يريد الانكليز وقتها مشاركة ضباط منظمين في جيش الحسين يريدون مرتزقة تضرب جيش اعداءهم وترهقه وتعود الى حيث كانت ..
اكثر من هذا كان الضباط العرب المنشقين عن الجيش العثماني والفارين منه يعاد تجنيدهم ليس في جيش الثورة العربية وانما في جيش "اللنبي" البريطاني الذي خرج من مصر ليحتل القدس وفلسطين !!
وحتى يضمنوا بانه لن يمتلك الشريف حسين اي قوة حتى بدعم البدو كانوا في السر يدعمون خصمه عبد العزيز ال سعود ويمدون يد المساعدة له وينغصون على الحسين "عيشته" من خلاله .. وعندما "ركب" الحسين رأسه .. ازاحوه ببساطة من خلال هذا المنافس ..
اليوم من كان يعتقد بان الغرب سيساعد في انشاء "جيش حر" قوي يستطيع السيطرة على سوريا ويثبت النظام فيها واهم .. واليوم العملية اعقد مما كانت عليه قبل 100 عام ، فتجار الوطن الجشعين عندنا اصبحو كثر كل واحد منهم لجأ الى حليف يدعمه ويرتزق على حسابه .. وهذا الحليف لن يدعم "عميله" ليبربح الحرب، بل فقط لينهك حليف الطرف الاخر من خلاله .. وتتكرر مأساة "جيش الثورة العربية" مرة بعد مرة منذ 100 عام لتحول كل صاحب قوة في ارضنا الى مرتزقة مرتهن للخارج لا يمكن ان يفوز ولا يمكن ان يسمح للاخر بان يفوز .. ويصبح الجميع في هذا الوطن خاسر .. والزعماء فيه بين عميل وخائن ..
↧