مع دخول الصراع في سوريا عامه السابع، صنفت الأمم المتحدة النزاع كـ"أسوأ كارثة من صنع الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية". كيف آلت الأمور إلى ما آلت إليه؟ ومن يدفع الثمن؟ وما هي آفاق الحل السياسي؟
دخل النزاع السوري الذي صنفته الأمم المتحدة كـ"أسوأ كارثة من صنع الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية"، عامه السابع اليوم الأربعاء (15 آذار/مارس 2017) في وقت لا تزال جهود تطبيق وقف شامل لإطلاق النار أو التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب المدمرة، متعثرا.
"أجمل ذكريات الثورة هي انطلاقتها"
وبعد مرور ست سنوات على انطلاق احتجاجات غير مسبوقة ضد النظام السوري واجهتها قواته بالقمع، قبل أن تتحول إلى نزاع مسلح من أكثر الحروب الطاحنة في القرن الواحد والعشرين، يعرب مدنيون معارضون للنظام عن خيبة أملهم مما آلت إليه الأوضاع اليوم.
Syrien Banias Proteste Demonstrationen (dapd)
وفي محافظة إدلب (شمال غرب) الواقعة تحت سيطرة فصائل معارضة وجهادية، يتذكر لاعب كرة القدم في نادي سراقب عبد الله الحسين (32 عاما) لفرانس برس "أجمل ذكريات الثورة وهي انطلاقتها"، مضيفاً "لم أكن أنا أو غيري نتوقع أن تصل الحال إلى هنا عندما خرجنا في التظاهرات". ويوضح أنهم توقعوا حينها أن ينتهي كل شيء خلال سنة كأبعد حد لا أن يتحول الأمر إلى "قتل واعتقال وتدمير"، مؤكداً أن "الشعب لم يعد يهمه أن تنتهي الحرب بحل سلمي أم عسكري، المهم أن تنتهي فقط".
حرب متعددة الأطراف
وطوال ست سنوات، تحول النزاع في سوريا إلى حرب متعددة الأطراف من قوات النظام والمسلحين الموالين لها وبينهم إيرانيون ولبنانيون وعراقيون إلى الفصائل المعارضة والإسلامية المدعومة من تركيا ودول الخليج، وصولاً إلى الأكراد الذين يحلمون باستقلال ذاتي، وأخيراً الجهاديين وعلى رأسهم تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف باعتداءاته الوحشية.
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس أن "الإدارة الدولية تريد إنهاء الحرب والشعب يبحث عن حل، إلا أن الحروب في الداخل ستبقى مستمرة ولن تعود سوريا كما كانت في المدى القريب". ويعود ذلك بحسب قوله إلى "ضخامة الدمار وكل الدماء التي نزفت في سوريا فضلاً عن الانقسامات داخل المجتمع السوري". ويرى أن "الثورة تحولت إلى حرب وخلقت مجموعات مسلحة"، مضيفاً "عندما تتحول مطالب الشعب السوري بالديمقراطية والحرية إلى حرب دينية وعرقية نكون أمام طريق طويل للحل".
سوريا بأسرها تحولت إلى "غرفة تعذيب"
وخلال ست سنوات من النزاع، أحصى المرصد مقتل أكثر من 320 إلف شخص في سوريا. وشردت الحرب السورية أكثر من نصف سكان البلاد داخل البلاد وخارجها. فقد فرّ حوالى 4,9 ملايين من البلاد وخصوصاً إلى الدول المجاورة، حيث يعيش نحو تسعين في المئة منهم تحت عتبة الفقر، بحسب الأمم المتحدة. واعتبر المفوض السامي لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة زيد رعد الحسين الثلاثاء أن سوريا بأسرها تحولت إلى "غرفة تعذيب"، إلى "مكان للرعب الوحشي وعدم الإنصاف المطلق". ورأى في النزاع السوري "أسوأ كارثة من صنع الإنسان يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية".
وكشفت دراسة جديدة لباحثين بينهم أعضاء في "الجمعية الطبية السورية الأميركية" أن العام 2016 كان "الأخطر" على العاملين في القطاع الصحي في سوريا. وبحسب الدراسة، فان 814 من أفراد الطواقم الطبية، قتلوا منذ بدء النزاع. وأشارت إلى استهداف المنشآت الطبية "على نطاق غير مسبوق من قبل النظام السوري وحلفائه"، لافتة أيضا إلى سجن المئات أو تعذيبهم. وفي تعليق أرفق بالدراسة، تعترف منظمة الصحة العالمية أن الحرب في سوريا هي حالياً "أكبر أزمة إنسانية". وأطلقت منظمتا العفو الدولية و"هانديكاب انترناشونال" الأربعاء حملتين منفصلتين من أجل "وقف المجزرة" في البلاد.
الجهود الدبلوماسية: خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء
وفي ظل الأزمة المستمرة، تتواصل الجهود السياسية والدبلوماسية بهدف التوصل الى تسوية سياسية تنهي النزاع الدامي. وفي أستانا، تعقد جولة ثالثة من المحادثات وسط استمرار غياب فصائل المعارضة في اليوم الثاني من الاجتماع، احتجاجاً على استمرار خرق وقف إطلاق النار، الساري على الجبهات الرئيسية في سوريا منذ 30 كانون الأول/ديسمبر. ويقلص غياب الفصائل المعارضة إمكانية تثبيت وقف إطلاق النار أو تحقيق أي تقدم لتسوية النزاع. وندد رئيس وفد الحكومة السورية، مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، الثلاثاء بقرار الفصائل، مشدداً في الوقت ذاته على إمكانية تحقيق تقدم.
وتستبق محادثات أستانا جولة خامسة من مفاوضات السلام حول سوريا والتي حددت الأمم المتحدة موعدها في 23 من الشهر الحالي. وانتهت جولة المفاوضات الأخيرة بين الحكومة والمعارضة في جنيف بالتوصل إلى جدول أعمال يتضمن "أربعة عناوين" رئيسية هي الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب. وقال الموفد الروسي إلى أستانا الكسندر لافرينتيف أن تلك المحادثات تهدف إلى "تسهيل" مهمة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا في مفاوضات جنيف.
وعلى مدى ست سنوات من الحرب الدامية، فشلت حتى الآن مبادرات عدة في التوصل الى حل للنزاع واصطدمت خصوصا بتعنت طرفي النزاع، بين إصرار المعارضة على بحث الانتقال السياسي من دون دور للرئيس السوري بشار الأسد وإصرار النظام على "أولوية" مكافحة الإرهاب.
في انتظار ترامب!
وتأتي هذه الجهود الدبلوماسية بعد تطورات ميدانية ودبلوماسية أبرزها الخسائر الميدانية التي منيت بها المعارضة خلال الأشهر الأخيرة لا سيما في مدينة حلب، والتقارب الجديد بين تركيا وروسيا، فضلا عن وصول الجمهوري دونالد ترامب الى الحكم في واشنطن وعدم وضوح موقفه من الأزمة السورية.
خ.س/ و.ب (أ ف ب)
المصدر: دويتشه فيله
↧