لم يكن الخروج من داريا إلى إدلب سهلاً، بالنسبة إلى هؤلاء الذين صمدوا طويلاً في منطقتهم وسط النار والجوع. بعد حصار دام أربع سنوات بالتزامن مع صمت دوليّ، شهد يوم 26 أغسطس/آب 2016 نزوح هؤلاء السوريين الذين شعروا بالخذلان.
عشرات العائلات خرجت من داريا مرغمة، فاستقبلها أهالي إدلب معبّرين عن مشاعر تعاطف وإخاء. وراحوا يقدّمون للنازحين الوافدين ما يحتاجونه، ولا سيما السكن. ويشير الصحافي علاء الدين فطراوي من محافظة إدلب، إلى أنّ "منظمة عطاء للإغاثة والتنمية وفّرت 75 شقة في قرية عطاء للعائلات، مع سلال غذائية تكفي لثلاثة أشهر"، مضيفاً أنّ "جمعيات عدّة قدّمت كذلك مساعدات لهؤلاء، منها بنفسج والسلام". يضيف أنّ "الدفعات التالية من أهالي داريا النازحين استقرّت في قرى إدلب مثل جرجناز وسرمدا وغيرهما".
محمد الديراني من النازحين المهجّرين من داريا، يشعر بالغربة. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "من الطبيعي الشعور بالغربة على الرغم من استقبال أهالي إدلب لنا، وعلى الرغم من خروجنا من حصار. لكنّ المعطيات التي لا تُنبئ بعودتنا في المدى القريب، تزيد من شعورنا بتلك الغربة".
إلى ذلك، يُعدّ الأطفال الفئة الأكثر تضرراً من الحصار الخانق الذي كان، مع تدهور مسجّل في حالتهم الصحية الجسدية وكذلك ما عانوه من أزمات نفسية. وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد أكّدت في تقرير أصدرته في يونيو/ حزيران الماضي، أنّ فريقها المشارك في أوّل قافلتين للمساعدات الإنسانية بعد حصار السنوات الأربع، شهد واقع الخوف والصدمات داخل داريا بالتزامن مع أمل وقوة سُجّلا بين الأطفال.
ويفيد نازحون بأنّ وضع الأطفال تغيّر إلى الأفضل بعد بلوغ إدلب، بعضهم لم لا يسبق لهم أن عرفوا طعم الفواكه أو البسكويت. ويشيرون إلى أنّ العمل قائم على توفير احتياجات الأطفال على الرغم من سوء الوضع السكني. ولعلّ الاحتضان الشعبي للنازحين وأطفالهم هو الذي يخفّف من المأساة.
أبو محمود من مدينة سرمين، يعرّف عن نفسه بلقبه مفضلاً عدم الكشف عن هويّته، ويقول لـ "العربي الجديد": "لديّ بيت بنيته لابني، قدّمته لأهلنا الوافدين من داريا. لو كنت أملك شيئاً آخر، لكنت قدّمته من دون تردد". بالنسبة إليه، فإنّ "أهالي داريا في عيوننا، وهم إخوة نتمنى من الله أن يساعدنا على تقديم ما يلزم للتخفيف عنهم".
تجدر الإشارة إلى أنّ الجامعة العربية دانت الأحد الماضي، مسألة تفريغ المدن من سكّانها الأصليين وإجبارهم على مغادرتها تحت التهديد، ورأت في ذلك مخالفة للقانون الدولي الإنساني.
أحمد سيسي شاب عشريني من نازحي داريا، مصاب بالفخذ والبطن. يخبر "العربي الجديد" أنّ "الخروج من داريا كان في رحلة طويلة، شعرت خلالها بالتعب". فهو تحمّل صعوبة تلك الرحلة "إلى حين وصوله إلى قلعة المضيق. هناك، سقطت أرضاً بعدما أصبت بدوار. وضعوني في سيارة إسعاف وأجريت لي الإسعافات اللازمة، لنصل الى إدلب بعد خمس ساعات". يضيف سيسي أنّ "اليومَين الأوّلَين في إدلب، كانا من أصعب الأيام. لم أكن قادراً على تناول الطعام ولا الشراب، وكنت أنظر إلى ما حولي بدهشة. لكنّ حالي تحسّنت في اليومين الماضيين، وبدأت أتأقلم مع الوضع الجديد بسبب حسن معاملة الناس لنا".
لا يفكّر سيسي في المستقبل. كلّ ما يشغله حالياً هو حاجته إلى العلاج الذي قد يستغرق نحو أربعة أشهر. فهو في حاجة إلى الخضوع إلى أكثر من عملية جراحية. ويشير في سياق متّصل، إلى أنّ "الإصابات نُقلت إلى مستشفى باب الهوى، أما الحالات التي تحتاج إلى عمليات جراحية فوجهتها إلى المستشفيات التركية. ومن المتوقّع أن يكون ذلك خلال فترة عيد الأضحى، نظراً لفتح الحكومة التركية حدودها في ذلك الحين".
خوف من البراميل
"أطفال داريا يخافون من البراميل والطائرات"، بحسب ما يقول فطراوي. يضيف: "لذا، عمدت منظمة عطاء للإغاثة والتنمية إلى تنظيم نشاطات لهم مذ وصلوا إلى محافظة إدلب، في محاولة لدعمهم نفسياً". ويتابع: "أما بالنسبة إلى معالجة الوضع الصحي الجسدي للأطفال أو نازحي داريا عموماً، فقد استنفرت كل الفرق الطبية في إدلب، فيما نُقلت الحالات الحرجة إلى تركيا للعلاج".
المصدر: العربي الجديد - رنا جاموس
↧