غادر الفلسطيني وسام قسّوم، في الأربعينيات من العمر، بلدة دير حنا الواقعة في مدينة سخنين داخل الخط الأخضر إلى رومانيا في مايو/أيار 2015 برفقة زوجته وأولاده الثلاثة لحضور حفل تخرج شقيق زوجته من كلية الطب، ثم ما إن انتهى الحفل حتى سافروا إلى تركيا، ومن ثم إلى سوريا، بعدما كانوا قد تواصلوا مع أحد أفراد تنظيم "الدولة الإسلامية" في الجانب السوري.
يصف الإعلامي من بلدة دير حنا عادل طربيه، وسام وزوجته بالمتدينين، ويقول لـ"المدن"، إن الزوج يعمل نجاراً. وبعد فترة قصيرة من اختفاء العائلة، تمكن محمد سالم، والد الزوجة، من التواصل عن طريق المراسَلة الإلكترونية مع العائلة، وقام بالإلحاح عليهم منذ ذلك الحين لمغادرة سوريا والعودة إلى بلدتهم، وقد تمكّن في نهاية المطاف من إقناعهم.
ويشير طربيه، إلى أنه ضمن جهود حثيثة بذلها والد الزوجة، توجّه إلى الحدود التركية-السورية قبل يومين لاستقبال العائلة، إلا أن السلطات التركية قامت باعتقال العائلة فور دخولها إلى الأراضي التركية، حيث فتحت تحقيقاً معهم، فيما تدخّلت السفارة الإسرائيلية بشكل رسمي في القضية، وشرعت بإجراءات إتمام أوراق العائلة لإعادتها.
وتعدّ هذه المرة هي الأولى التي تنضم فيها عائلة فلسطينية من عرب 48، بأكملها، من خارج سوريا أو العراق، إلى التنظيم المتطرف. وحاولت "المدن" التواصل مع والد وسام، علي قسوم، إلا أنه رفض الإدلاء بأي تصريحات، مكتفياً بالقول إن غموضاً ما يزال يشوب القضية، وأن كثيراً من التفاصيل والأسئلة بحاجة إلى إجابات، لا يملكها.
قصة عائلة قسّوم ليست الوحيدة في سخنين؛ بحسب المعلومات التي حصلت عليها "المدن" من مصادر محلية، فان شاباً آخر في الأربعينيات من العمر كان قد ذهب قبل أكثر من 3 سنوات للقتال مع التنظيم في سوريا، وهو يتواصل هذه الأيام مع عائلته عبر الانترنت، ويبعث لهم بصوره بين الفينة والأخرى. كما تحتجز السلطات الإسرائيلية 3 أشخاص آخرين من سخنين، بحجة كتاباتهم وتصريحاتهم المؤيدة لفكر "داعش"، وفقاً للمصادر.
الكاتب والمتابع لشأن فلسطينيي الخط الأخضر سهيل كيوان، قال لـ"المدن" إن أهل سخنين في حالة استغراب واستهجان من القصة، لاسيما "وأننا نتحدث عن عائلة مكونة من 5 أفراد وليس مجرد شباب يذهبون إلى سوريا أو العراق فُرادى كما جرت عليه العادة".
واعتبر كيوان أنه من حق عائلة قسّوم، قانونياً، أن تعود إلى بلدها مهما كانت قضيتهم، ولا يجوز سحب الجنسية الإسرائيلية منها لمجرد أنها خرجت لجهة تصفها إسرائيل "معادية"، مشيراً إلى أن السلطات الإسرائيلية لها إجراءاتها، وبإمكانها أن تعتقلهم وتحقق معهم وتحاكمهم إن أرادت، ولكن ليس غير ذلك.
من جهة ثانية، كشف المتخصص في الجماعات الإسلامية حسن أبوهنية، لـ"المدن"، أن نحو 200 فلسطيني من الخط الأخضر غادروا إلى سوريا والعراق للقتال، ومعظمهم اختاروا القتال إلى جانب تنظيم "داعش". وأشار إلى مقتل نحو 50 منهم خلال المعارك، ونحو 40 فقط يقاتلون إلى جانب جماعات مسلحة أخرى.
وبين أبوهنية أن ذروة توجه المقاتلين الفلسطينيين إلى سوريا تجسدت في أواخر عام 2011، وخلال 2012، نظراً لسهولة عبور الحدود التركية آنذاك مقارنة مع هذه الفترة، ومع تطور الأحداث توزّع المقاتلون على الجماعات المقاتلة في سوريا.
وحول طريقة ذهاب فلسطينيي الداخل للقتال في سوريا أو العراق، رأى أبو هنية أن 90 في المئة كانوا يذهبون جواً إلى تركيا، ثم براً عبر الحدود إلى سوريا، وأما النسبة المتبقية فكانت تدخل إلى سوريا أو العراق من خلال ثغرات حدودية مع الأردن.
وكانت الطريقة سهلة للتعرف على أعداد وأسماء الفلسطينيين الذين يقاتلون في صفوف "داعش" قبل الحرب الدولية على التنظيم، حيث كان بالإمكان من خلال صفحة "بلاد الشام" على مواقع داعش الالكترونية، التعرف على المقاتلين من فلسطين ولبنان والأردن، ولكن بعد التدخل الدولي أصبح من الصعوبة بمكان معرفةُ أرقام دقيقة، سوى الاكتفاء بمعلومات استقصائية شخصية أكثر منها عامة، كما يقول أبوهنية.
في المقابل، يرى الكاتب كيوان أن هنالك تضخيماً إسرائيلياً بخصوص أعداد الفلسطينيين المنضمين للتنظيم، بل إن تل أبيب باتت تستخدم الأمر في إطار الترهيب والتضخيم، كما لو أنها "ظاهرة" في صفوفهم. ويؤكد أن إسرائيل تعتقل العديد من الفلسطينيين وتحاسبهم على النوايا والكتابة على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، وليس بناء على الانضمام فعلياً لهذا التنظيم، معتبراً أن هنالك "قلة لا تذكر" مستعدة الآن للقتال إلى جانب "داعش"، وخاصة "بعد إدراك الوسط العربي في إسرائيل أن داعش ليست حركة تحرر وإنما مخترقة من قبل أنظمة مخابرات دولية".
وبينما لم تتضح إجراءات عودة عائلة قسّوم بعد وما يمكن أن تواجهه من تحقيقات، تعدّ قصة الشاب الفلسطيني يوسف نصرالله، الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، والبالغ من العمر 22 عاماً، من الأمثلة البارزة في هذا السياق. وكان نصرالله قد غادر متوجهاً إلى سوريا في شهر نيسان/أبريل 2014، لتتمكن قوات الأمن السورية من اعتقاله، حيث قضى 8 شهور لدى أجهزة الأمن، لتنتهي قصّته أخيراً بعد تدخل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس، بحسب ما ذكر والد الشاب آنذاك، وتم تسليمه في عمّان لعائلته، قبل أن يلقي جهاز الشاباك القبض عليه للتحقيق معه.
أدهم مناصرة: المدن
↧