في 29 أغسطس/آب الماضي، أقر البرلمان المصري، قانون القيمة المُضافة (ضريبة مركبة تفرض على فارق سعر التكلفة وسعر البيع للسلع)، وهو ما يُمثل عبئا كبيرا على محدودي الدخل، إذ بلغت نسبة التضخم 14%، ما أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع وتكاليف المعيشة، في الوقت الذي يواجه فيه محدودو ومتوسطو الدخل غلاء متصاعدا وضرائب عديدة تستهدف المصريين المقيمين في مصر أو خارجها، منذ تولي عبدالفتاح السيسي الحكم، إذ أقر تعديلات ضريبية على قانون ضريبة الدخل، تقضي بفرض ضريبة على صافي دخل الأشخاص الطبيعيين (الأفراد) سواء داخل البلاد أو خارجها، بعد أقل من شهر على توليه منصبه وتحديداً في الأول من يوليو/تموز من عام 2014، وهو ما عده خبراء ومتخصصون علامة دالة على سياسات عهد، تضغط على فئات من المجتمع لم يعد بمقدرتها مواجهة المزيد من الغلاء والفقر.
من بين من يخشون تطبيق ضريبة القيمة المضافة في ظل ارتفاع الأسعار المبالغ فيه، الشاب المصري إسلام، والذي يبلغ من العمر 29 عاماً ويعول زوجة وطفلة صغيرة.
يعمل إسلام موظفاً في إحدى شركات المواد الغذائية ويحصل على راتب قدره 1500 جنيه (170 دولاراً وفقاً للسعر الرسمي للجنيه في مقابل الدولار)، ومنذ أشهر عدة لم يعُد راتبه يكفي احتياجات أسرته الصغيرة، ما اضطره للعمل في عمل إضافي، كموظف استقبال في معمل تحاليل في الفترة المسائية براتب 950 جنيهاً (107 دولارات)، إلا أن الأسعار ازدادت مؤخراً بشكل جنوني في ظل ثبات دخل إسلام، الذي كان يخصص 800 جنيه (90 دولاراً) في كل شهر لاحتياجات الأسرة من المواد الغذائية بما فيها اللحوم.
حالياً لم يعُد هذا المبلغ يكفي أسرة إسلام لمجرد شراء الطعام الأساسي، بدون أي نوع من اللحوم، ما اضطره لإلغاء بند التنزه من ميزانية الأسرة، كما لم يعد يستطيع شراء ملابس جديدة إلا عندما يحتاجها بشدة، لكن الأكثر قسوة هو تساؤله باستمرار عما يستطيع الاستغناء عنه في الفترة القادمة بعد الضرائب العديدة التي فرضت منذ تولي السيسي الحكم، وهو ما حصر آماله في أن يجد عملا في الخارج، “ينجو من خلاله بأسرته”، كما يقول.
أولوية تأمين الطعام ومستلزمات الأطفال
يعدّ تأمين الطعام ومستلزمات الأطفال، أولوية لدى الأسر المصرية، كما تقول نجوى (مفتشة آثار)، إذ ارتفعت أسعار حفاضات الأطفال بنسبة 20 % خلال شهرين، كما ارتفعت أسعار لبن الأطفال كذلك، ما جعل الأسرة توفر في كميات الطعام لسداد الفواتير الشهرية للكهرباء والماء التي تضاعفت هي الأخرى بشكل مبالغ فيه.
أما سيد (اسم مستعار لمحاسب في شركة مقاولات طلب عدم الكشف عن هويته)، فقد كان يتقاضى راتبا يبلغ 2350 جنيهاً (266 دولاراً)، غير أن ارتفاع أسعار السلع والخدمات في الفترة الأخيرة، لم يشغله بقدر ما أوجعه ارتفاع نفقات العلاج والدواء، إذ يعاني ابنه من حساسية في الصدر، وتنتابه نوبة كل شهر تكلف ما بين 500 جينه (56 دولاراً) إلى 800 جنيه (90 دولاراً)، من أجل نفقات الأطباء والعلاج.
مع اشتداد موجة الغلاء الأخيرة وارتفاع أسعار المأكل والمشرب والملبس، لم يستطع سيد الصمود من دون عمل إضافي، ما جعله يعمل 16 ساعة متواصلة، لكن ذلك لم يكفيه وأسرته التي أصبحت تعيش على الضروريات فقط، في ظل استغنائه وزوجته عن كل احتياجاتهم الحياتية الأساسية لأطفالهم.
“أحمل همّ أطفالي وتزايد احتياجاتهم”، يقول سيد، متابعاً: “لاأعلم كيف سأتدبر أموري بعد فترة، عندما يبلغون سن الدراسة وتكاليف التعليم، وكل أملي أن أجد عملاً براتب أفضل فقط لأستطيع أن أعيش، الغلاء قصم ظهري، في المرة الأخيرة التي جاءت النوبة لابني، لاحظت ارتفاعاً شديداً في أسعار الأدوية لدرجة أن محلول الملح الذي يستخدمه في جلسات التنفس ارتفع بنسبة 100%، فصُدمت بأن تكلفة العلاج لأسبوع واحد قفزت إلى 430 جنيهاً (48 دولاراً)، والتي كانت في أقصى حدودها تصل خلال أسبوع إلى 250 جنيهاً (28 دولاراً)”.
الغلاء يدفعهم إلى الانتحار
في 28 أغسطس/آب 2016، قال مصدر أمني في مديرية أمن محافظة بورسعيد، إن عاملاً في أحد مصانع المنطقة الحرة للاستثمار أقدم على الانتحار شنقًا داخل مسكنه بحي الضواحي، لمروره بضائقة مالية وعدم مقدرته على سداد التزاماته اليومية نتيجة ارتفاع الأسعار، وقبلها في 16 يونيو/حزيران من ذات العام، انتحر “ا.ص.م” 42 سنة، حاصل على بكالوريوس هندسة بمحل إقامته بقرية روينة مركز كفر الشيخ لسوء حالته النفسية، بسبب مروره بضائقة مالية. ووفقا لما تحدثت عنه أسرته في وسائل الإعلام المصرية، فقد انتحر بسبب سوء الحالة النفسية بسبب ضائقة مالية. وهو ما تحدث عنه عدد من الشباب الذين استطلع معد المادة آراءهم حول مشاعرهم وما يفكرون فيه في ظل موجات الغلاء المتصاعدة، والتي تضرب حياتهم.
لدى تقييمه معاناة الحالات السابقة في ظل محاولتها التكيف مع الغلاء كل بطريقته، يرى بيشوي مجدي، الباحث الاقتصادي ومدير وحدة الأبحاث الاقتصادية في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، أنه من الكارثي أن يتخذ النظام كل تلك الإجراءات الاقتصادية المُهلكة للمواطن البسيط بالتزامن مع بعضها بعضاً وفي وقت واحد، إذ يتم تطبيق ضريبة القيمة المضافة بالتزامن مع رفع قيمة بعض الخدمات العامة مثل الكهرباء ومياه الشرب، بالإضافة إلى الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه، مما يعني تزايد عدد المصريين ممن هم تحت خط الفقر، في ظل عدم اتخاذ الحكومة أية تدابير وقائية لتقليل آثار سياسيتها على محدودي الدخل.
ويضيف بيشوي بأنه على الحكومة، تخفيف وطأة الإجراءات الاقتصادية الحالية، إذ إن عدم الاكتراث لمعاناة المجتمع، سينتج غضباً واسعاً يتبعه انفجار حتمي، إذ لا تستطيع هذه الطبقات احتمال الضغوط الاقتصادية ومواجهتها بمزيد من التقشف، في ظل عدم وجود وسيلة أخرى لمواجهة الغلاء.
المصدر: العربي الجديد – أحمد عابدين