نشر موقع سوريتي مقال للدكتور حمزة رستناوي بعنوان: هل يتعارض الاسلام مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟ و ذلك على الرابط
http://www.souriyati.com/2016/09/03/60845.html
و سيكون مقالي هذا في الردّ على المقال المذكور أعلاه. عندما يطرح الدكتور حمزة رستناوي والعديد من المفكرين و المصلحين طروحاتهم في الإصلاح وربط الإسلام بمعايير حقوق الانسان العالمية, هذا يعني أننا نريد أن نعيش في عالم يشترك بنفس القيم والمعايير الإنسانية التي تربطه ببعضه البعض سواء كان على مستوى حياة افراد او جماعات ودول, وهذا يُعلي من مهمة تقرب البشرية لبعضها البعض وتغيير عالمنا للأفضل بهذه المعايير التي نسعى لكي تكون مشتركة, ومن باب التعاون على الخير في هذه القيم,
.
حيث نُقارن هنا بين مجتمعات وشعوب أفرزت الاعلان العالمي لحقوق الانسان من خلال تجارب مريرة وحروب وصراعات وثورات سياسية وفكرية وعلمية واقتصادية, الى ان وصلت لهذا الإعلان, و بين مجتمعاتنا الشرقية التي مازالت قاصرة ومتخبطة ويائسة في تحقيقه سواء عند الأشخاص بسلوكياتهم وايمانهم او في الجماعات وتشكيل دساتير وقوانين الدول التي تحافظ وتٌكرس لهذه الحقوق.
.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه الحقوق الإنسانية يجب ان يتقدم الفرد والمجتمعات ويتعامل معها كقانون عالمي في الوجود, ام هي يجب ان تتجلى في الطبيعة الإنسانية عند أي فرد وفاعليته الاجتماعية , سواء ضمن انتمائه للجماعة او خارج حدود الجماعة وتشكيل الدولة! كلاهما مرتبط ببعض لأن الانسان جزء من المجتمع ويحتاج للدولة لتنظيم اموره وحقوقه, ولكن لن ينضج المجتمع وتبنى الدولة بدون فاعلية الانسان او الافراد والجماعات بهذا الاتجاه, ومن هنا الشعوب الواعية والناضجة بحقوقها ووعيها تصنع أنظمتها وتقود نفسها لتحسين أوضاعها وعلاقتها بالعالم والشعوب الأخرى,
.
أي ان قصور مجتمعاتنا هو قصور في الافراد بهذا المنحى والاتجاه, وقصور الافراد له أسباب عديدة ومنها : الدين الذي نٌناقش به هنا, وهذا امر بغاية الأهمية كون مجتمعاتنا الشرقية معظم افرادها مؤمنين, و الدين لديهم أحد اهم العوامل في حياتهم الشخصية والاجتماعية , وحتى في بناء دساتير الدول وقوانينها تأخذ الشريعة حيّز مهم في حياة هذه الشعوب والدول بالأخص الاسلامية, وينبغي علينا ان نطرح سؤالا آخر على القارئ وأنفسنا, السؤال هو هل تستطيع الأديان ومنها الاسلام بما جاء به من نصوص مختلفة, ومقارنتها مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان ان تٌنهض بالطبيعة الإنسانية لدى الافراد و الجماعات؟!
.
لقد ورد جواب الدكتور حمزة رستناوي على هذا التساؤل الذي عنون به مقاله, بأن الامر يتعلق بالفهم الحيوي للإسلام من قبل الشخص والجماعة وأنه لا يمكننا إعطاء إجابة واضحة سواء كان بالنفي او الإيجاب, لأنه يتوقف على طبيعة الايمان الاسلامي الذي نعتقد به, فلا يوجد شكل واحد وصيغة واحدة أو تفسير واحد للإسلام, بل هناك اشكال متعددة في الاسلام متفاوتة الحيوية والصلاحية, و يمكن تجاوز هذا القصور الممكن والظرفي والاضطراري والمتوقع و الحاضر في اعتقادات وسلوكيات المؤمنين. إن توجيه ذهن القارئ عند حمزة رستناوي في طرحه هو بقاء الشخص ضمن النص والعقيدة وتأويله على احتمالات وتفاسير مختلفة, تكون متقاربة وتقرب الفرد لقوانين حقوق الانسان العالمية, وقد أورد الرستناوي في مقاله بعض الأمور بالمقارنة بين الإعلان العالمي لحقوق الانسان مع العديد من الإشكاليات التي تتعارض معه فيما جاء به الدين الإسلامي.
.
نعود الى البداية في الاستقراء الذي أورده حمزة رستناوي , لا يمكننا الايجاب بالنفي او الايجاب عن هذا السؤال؟ أعرف على الأغلب ان حمزة رستناوي بانه مفكر ولديه منطق حيوي في الحياة يبنى عليه قراءاته في الكثير من الأمور التي تساعده لفهم نفسه , والحياة واعلاء من شأن الواقع ووجهات نظره حول الاشياء؟ بالنسبة لي, هل الإسلام واي دين يتعارض مع حقوق الانسان؟ لن أقول هنا لا يمكنني الاجابة بالنفي او الايجاب على هذا التساؤل؟ إن ظهور الطبيعة الإنسانية لدى الشخص يجب أن يكون ظهورا كاملا بكل القيم التي ذكرت في الإعلان العالمي لحقوق الانسان؟ أي إنّ الطبيعة الإنسانية يجب ان تكون ظاهرة في المساواة والحرية والعدالة وغيرها من المواد التي ذكرت. لأنه عندما تظهر طبيعة الانسان بالحرية, و هي أهم شيء في هذا, ستتبعها كل الأمور الأخرى بدون أي استثناء ,لان الحرية هي وجود, والوجود هو حرية كما عبر عنها جان بول سارتر والعديد من الفلاسفة والمفكرين؟ والانسان الذي تظهر طبيعته الإنسانية بالحرية وغيرها , هذا يعني ان له مواقف وجودية؟ ومواقف الوجودية كما ذكرت يجب ان تتناسق مع هذا الإعلان الذي ذكرنا يساعد البشرية بربطها وتقاسمها بأطر مشتركة , وهنا نحن نناقش مسألة الإسلام أي الله والإسلام والفرد في وجوده والعالم؟
.
لا أبغي أن أوجه ذهن القارئ والفرد على الإسلام ونصوصه ولا حتى الى ميثاق الأمم المتحدة في حقوق الانسان العالمية؟ بل سأوجهه لنظرته لنفسه والكون والله؟ لأحاول ان انهض من طبيعته الإنسانية بمواقف وجودية من غير ازدواجية تشوبها معايير النصوص والعقائد الدينية المختلفة, وبمعزل عن الأحوال تساعد على نشوئها لدى الفرد ومواقفه. لقد اعتبر العلماء والقدماء أن وراء هذا الكون آلهة تحرّك كل شيء بطريقة منظمة ومرتبة وخلاقة, وأعتبر أخرين أن الطاقة هي التي تحافظ على سير هذا الكون, والطاقة تتغير من شكل إلى أخر ,ولا تفنى وتٌخلق من العدم, حسب النظريات الفيزيائية. اعتبر العلماء والعظماء والمفكرين عبر العصور أن الدين والعلم ,كلاهما طريق للوصول إلى الحقيقة او فهم الذات وفهم الأشياء , وهذا الفهم عند الافراد يساعد في تجلي الطبيعة الإنسانية التي تحدثت عنها في النص أعلاه. إن الدين هو شيء موجود بين أيدينا ويتعامل معه أي انسان بالعقل للوصول, فالمؤمن يؤمن بالله لكي يتعقل, ويتعقل لكي يؤمن" لفهم الاله او الحقيقة او لفهم نفسه, ليكون ذو شأن وجودي وفاعل في مجتمعه, ومواقف تحمل قيم جيدة كقيم حقوق الانسان العالمية. في المنطق والعلم ايضاً لكل شيء صورة ومادة؟ والمادة والصورة لا ينفصلان عن بعضهما البعض؟ لا يوجد مادة من غير صورة ولا صورة من غير مادة فهذا امر حتمي, ونحن هنا اما أن نحصر اذهاننا وتصوراتنا عن الأشياء في صورة الشيء الذي موجود امامنا بالتجريد الفكري والسفسطائي ونتجاهل المادة التي تكون هي مبعث روح حية؟ او طاقة؟ وسينتهي بنا المطاف في هذا الخلال في التركيز على الصورة دون المادة؟ الى امور ونتائج وعلم في طروحات يؤدي بنا الى يقين غير صحيح ونظرة سليمة؟ سواء كانت نظرة الفرد اتجاه الاله او اتجاه نفسه, واتجاه الأشياء الأخرى.
.
النص الديني هو صورة تعبر عن الله ومشيئته لحياة المؤمن, على أنها وحي و أوامر الهية ونواهي, وهي متناقضة في العديد من النواحي والأماكن, و لكن في نفس الرسالة وبنفس الوقت, ذكرتُ أن هذا الكون وهذه الخليقة ورائها إله ينظم ويرتب هذا الوجود والانسان جزء من الوجود وهو أعظم خليقة عند الله, ان حديثنا عن الله هو حديثنا عن الله والانسان لان الانسان أعظم خليقة؟ وان الله لا يمكننا ان نحده بنص او عقيدة او دين وتأويلاته, فهذا يعني بناء على العلاقة بين الانسان والله لا يمكننا ايضاً ان نحد الانسان لأنه أعظم خليقة تريد ان ترتب نفسها على صورة خالقها بالطاقة وعدم المحدودية والضوابط. أي اننا هنا نستخلص ان الوجود الفكري يربط الانسان بعقله وروحه ووجوده كذلك بالنصوص وتأويلاتها والأديان سواء في نظرة تقليدية او نظرة إصلاحية تقترب من الإعلان العالمي لحقوق الانسان هو وجود لا يساعد في معظم الأحيان على نهوض الطبيعة الإنسانية بروح خالقها وفهم الانسان ذاته ونفسه التي يجب أن تحمل قيم ثابتة وجودية, لا تتناقض بين معيار ومعيار اخر, او قيمة وقيمة أخرى. وفي ضوء هذا الطرح, إن الدين ونصوصه بتأويلاتها لا يعبر عن الله بالشكل الصحيح والسليم, وقد يكون هو أحد الطرق؟ وان انغلاق الانسان على النصوص والعقائد والمصلحين ستشكل فهم صورة غير سليمة وخاطئة ومتخبطة؟ أي ان صورة الله في نفس المؤمن والفرد يجب ان تنهض به بطريقة منظمة ومرتبه تحمل قيم جمالية في الحرية والعدالة والاخاء والمساواة, كالتي يعبر بها الله عن نفسه من خلال هذا الكون, كوننا نتحد هنا عن حقيقة وجود إله وراء هذا الكون
.
هنا يسعني ان أقول ان الدين في الإسلام واليهودية والمسيحية هو ضد حقوق الانسان لأنه يحمل أوجه مختلفة وتناقضات وازدواجية في الكثير من الأمور التي جاء بها؟ والذي يتبع هذا الدين سيكون مرة مع حقوق ومرة مع حقوق أخرى؟ لأنه يبني على النصوص والقراءات لها؟ التي ستبقى تشكل به خلل في الازدواجية والمعايير اتجاه نفيه واتجاه الاشياء؟ كيف ستُحل مشاكل الانسان الحالي في مجتمعاتنا الشرقية وواقعنا الحالي المنقسم على طوائف ومذاهب وعقائد واديان كلها تنتمي لنفس الله أي الاله الابراهيمي, بما يعيق بروز الطبيعة الإنسانية بهذه القيم التي لا يحدها دين او عقيدة او مذهب, و بما يحقق تلاشي الطائفية والطبقية ويسود الافراد معاني روحية وقيم عن الحرية والعدالة والمساوة بشكل فاعل في حياتهم ومجتمعاتهم؟ لا بد من طرح فكري وروحي يقرب لنا هذا الامر في اذهاننا؟ ويجعلنا نشترك بهذه المعايير من قيم حقوق الانسان بطبيعتنا التي من ضمنها الروح او الايمان بالحرية الوجودية وغيرها من القيم السامية. ونحن هنا في الاله الابراهيمي المشترك به كل الأديان ومكونات هذا المجتمع؟ نحن نعرف ان الله شيء غير منظور لا يمكننا رؤيته بل هو روح. العلم يقول ان التوصل لجوهر الاشياء يساعدنا بأن نعرف أكثر هذا الشيء؟ هل الله لديه جوهر في الديانات الابراهيمية؟! نعم جوهره هو المقدس المطلق في صلب هذه الديانات الذي هو يسوع المسيح مثلا ؟ نتعرف عليه من خلال الايمان بالعقل انه جوهر الله. لا بد ان ننطلق من الذي بيد أيدينا بطرح لنقرب الانسان للوصول لطبيعته الإنسانية. و تبقى النصوص الدينية هي استقراء ذاتي للفهم ولا يبنى عليها, لأنها كما ذكرت لن تستطيع ان تنشأ انسان سليم, والمعجزات والكثير من الأمور التي لا يمكننا البناء عليها تعتمد على الايمان أكثر من العقل.
ان الله هدفه من خلق الانسان ليس ليؤسس اديان, بل ليؤسس انسان فاعل بقيم الحرية والوجود في ترتيب و تنظيم حياة الشخص والمجتمعات بتصورهم عن الله وبناء مجتمعاتهم. نحن هنا كم اصابتنا بالمرض والحقد والطائفية وأوقعت الحروب بيننا هذه الأديان والعقائد التي لا يمكننا ان نقول انها مع حقوق الانسان بل ضده حسب وجهة نظري بهذا الاستقراء, و هذه الأديان ساعدت على نشوء انسان بلا وعي بحريته ومصيره ووجوده وحقوقه بطروحاتها التقليدية, او التي تنطلق بتأويلات جديدة أخرى لا تساعد على نهوض الانسان بخالقه. كيف لنا ان نطرح بان يتجاوب الإسلام مع معايير وقيم الحقوق الإنسانية العالمية, وما زلنا في منطقتنا الشرقية مختلفين على هذه المعايير بين الأديان ومكونات أخرى, وحتى بين فرق ومذاهب من نفس الدين. كان بنا الأحرى والاجدر ان نقدم طرحا يجمع مكونات الأديان ضمن تصورهم للإله الابراهيمي لمعايير جامعة, وهذا ما اجده ما يتطلبه واقعنا ,ويفكك العديد من المشاكل التي ارهقتنا وارهقت مجتمعاتنا
المصدر: خاص بسوريتي
↧