قال لي صديقي: هذه العمليات الارهابية هي أحد انواع الجريمة , و المجرم فقط هو المسؤول عن جريمته , و هو المخصوص فقط بالعقوبة, و بالتالي لا دخل للإسلام و المسلمين بهذه العميات الارهابية ! و ما نشاهده من اتهام للإسلام و المسلمين يدخل في سياق المؤامرة على الاسلام , و هو ذريعة يستخدمها الغرب المسيحي للانقضاض على بلاد المسلمين !
قلتُ: صحيح أنّ المجرم مسؤول قانونيا عن جريمته, و بالتالي المتورطون في الاعمال الارهابية هم مجرمون ينبغي محاكمتهم. و لكن لماذا يقوم هذا الارهابي بتفجير نفسه و قتل أناس أبرياء لا يعرفهم و ليس بينه و بينهم سبب شخصيّ للعداوة, ببساطة هو يقتلهم لأنّهم كافرين أو مرتدّين ( حسب منظوره) و هو واثق من دخوله الجنّة و لقاء الحوريات عقب قتلهم و موته! لنتأمّل جيدا في كلمات و مفاهيم : كافر- مرتدّ عن الاسلام- الجنّة- الحور العين. أليستْ العقيدة الاسلامية هي المرجعيّة لهذه الكلمات و المفاهيم! و بالتالي فإنّ الانتحاري او الارهابي هو يقتل الابرياء لدوافع عقائدية دينية أساسا, و بالتالي فإنّ العقيدة التي يؤمن بها هذا الانتحاري أو الارهابي هي مسؤولة و مُدانة , و هو- من حيث كونه مؤمن بها- مسؤول و مُدان! ألا يستند هؤلاء الارهابيون في تبرير القتل على نصوص مقدٍّسة من آيات و أحاديث! هل للأحاديث و الآيات أقدام و أيادي و لسان تتكلّم من تلقاء نفسها ! هل تقوم من نفسها بتجهيز المفخخات و تفجيرها !! هناك أشخاص مؤمنون بهذه النصوص يفسّرونها بطريقة معيّنة قاصرة ينتج عنها هذا الفعل الارهابي, و بالتالي فالمسؤولية مشتركة و مركّبة كشخص و كمؤمن و كعقيدة يؤمن بها هذا الشخص.
* " الارهاب لا دين له " عبارة تتكرر كثيرا في وسائل الاعلام العربية الرسمية , و كذلك تتكرر على لسان المسلمين الأقرب الى السلم و البراءة . و هذه العبارة بمقدار ما تبدو ذات جاذبية لتقديم الاسلام بشكل حضاري, و لكنها تُخفي ورائها الكثير من الاشكالات على مبدأ التعمية ! كيف نقول عن شخص من " داعش " يفجّر نفسه متقصّدا وسط الابرياء بأنّه بلا دين! أصلا لو لم يكن مؤمنا لما قام بنحر نفسه و الآخرين , و قتل من يُسمّيهم بالكفار! فالدين – في هذه الحالة- هو علّة الارهاب هنا! هو يبايع رجل دين يُسمّيه الأمير على السمع و الطاعة, هو يموت موقنا بالجنّة, توّاقا لارتواء الشهوات و معيشة النعيم المُنتظر,, كيف نصفُ شخصا كانت آخر كلماته في الحياة : الله أكبر ..أشهد أن لا الله الا الله, ( بضعف الايمان و قلّة الدين ) . من يصفهم المجتمع بقلّة الدين من غير الممارسين للشعائر الدينية أبدا لا يفجّرون أنفسهم ! قد يرتكبون جرائما أخرى؟ نعم.. لكنهم في العموم يستمتعون بالحياة حريصون على حياتهم, مالم يكن أحدهم مصابا بالاكتئاب او أي مرض نفسيّ آخر ..و هذه الامراض ليستْ حكرا على جماهير المتدينين دون غيرهم! مع التذكير بعدم وجود إنسان لا دين له , لكون الدين هو احد ابعاد الكينونة الاجتماعية , و كون الدين هو ما يدين به الانسان بينه و بين نفسه بما يشمل الالحاد و العقائد- اللا دينية.
و أخيرا ليس كلّ الدين ارهاب ..و لكن ثمّة دين للإرهاب ! و الأصل في الدين التأكيد على أولويات الحياة و الضبط القيمي للكينونة الاجتماعية ..و ما عدا ذلك قصور في حيوية الديّن.
* ليس ثمّة وجود لإسلام مجرد , اسلام جوهراني بمعزل عن المسلمين و حركة التاريخ و المجتمع , و لكن الإسلام – كغيره من العقائد- يتحوَّى في مذاهب و مجتمعات و جماعات و أفراد و أزمنة و صيغ لا نهائية.. منها ما هو أكثر أو أقل حيويّة... تبعا لفهم و تطبيق و معايشة هذه الصيغ... و الزامها ببرهان وحدة المعايير ...و أولويات الحياة و العدل و الحرية.
من المستحيل وجود الاسلام دونما انسان و بشر ..الانسان كائن تاريخي و اجتماعي ..و بالتالي فالإسلام كائن تاريخي و اجتماعي . ...الاسلام هو المسلمون و المسلمون هم الاسلام...و يوجد أشكال و صيغ مختلفة و متعددة للإسلام تتفاوت فيما بينها من جهة الحيوية و الصلاحية ..ربطا بأولوية الحياة و العدل و الحرية.. و " داعش" ما هي الا احد أشكال الاسلام الاشد قصورا و عنصريّة ولا يجوز تعميم داعش لتشمل الاسلام كلّهُ أو المسلمين.
*يمكنك أن تُساعد الناس في سبيل الله , و يمكنك أن تسرق و تنهب الناس أيضا في سبيل الله ! لنتذكّر أن "تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام" هو أكثر من يستخدم في خُطبه و منشوراته الآيات القرآنية في مثال ناصح على اساءة استخدام الآيات القرآنية من قِبَل البشر, و لنتذكر أن "حزب الله " يعتدي على السوريين منذ سنوات باسم الله و القدس وقتال التكفيريين!! كلّ ما في الوجود عرضة لإساءة الاستخدام من قبل الانسان , و بما فيه مفاهيم من قبيل الحرية و الديمقراطية ,و كذلك مفاهيم عقائدية من قبيل " الله سبحانه و تعالى".. و كذلك مفاهيم من قبيل العلم ..مخترع البنسلين في مواجهة مخترع الأسلحة الجرثومية ..مثلا.
ما فائدة المُعتقد الديني و الايمان بالله تعالى إنّ لم يكن دافعا على تجاوز حالة القصور و العطالة و الفشل التي نعيشها كسوريين ,و المجتمعات العربية الاسلامية.. العقائد وُجدتْ لخدمة الناس ..و ينبغي اعادة تشكيل الايمان الاسلامي وفق أولويات ( الحياة و العدل و الحرية) بما يناسب حاجات المجتمع و تبصّرهم و حلّ مشاكلهم ...فالله سبحانه و تعالى غنيّ عن العالمين ..لا تسأل عن مصلحة الله ..بل اسأل عن مصلحة الخلق و البشر.
المصدر: الحوار المتمدن
↧