جدة: «الشرق الأوسط»
هل سبق وتساءلت: لماذا تقفل الأذن وتفتح اثناء السفر بالطائرة؟ وهل تساءلت: لماذا يحل بالأذن ألم شديد عندما لا تفتح؟ وهل تساءلت أيضاً عن سبب توتر وبكاء معظم المواليد خلال السفر بالطائرة خاصة أثناء نزولها؟
إن كل تلك التساؤلات يكمن تفسيرها في معرفة طبيعة الأذن الوسطى وتأثرها باختلاف الضغط الجوي خارجها، ولتوضيح ذلك، فإننا يجب أن نعرف أن الضغط الجوي الخارجي ينقص كلما ارتفعنا عن سطح الأرض، ويزداد كلما اقتربنا من سطح الأرض، ويزداد أكثر عندما ننزل إلى مستوى تحت سطح الأرض كما في أعماق البحار.
يقول الدكتور محمد محمود زهران، استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة، إن اعتلالات الأذن الوسطى تعتبر من أكثر المشاكل الطبية شيوعاً خلال السفر بالطائرة، ولحسن الحظ يكون معظمها مؤقتاً وبسيطاً، ونادراً ما تسبب آلاماً مبرحة أو ضعف سمع يستمر لعدة أيام بعد السفر. والأذن الوسطى هي بمثابة حويصلة هوائية داخل تجويف عظم الرأس، ولهذه الحويصلة الهوائية جدار يفصلها عن الأذن الداخلية، وجدار آخر (وهو طبلة الأذن) يفصلها عن الأذن الخارجية، وبذلك فهي مقفلة من جميع الاتجاهات، ما عدا ما يسمى بقناة استاكيوس Eustachian Tube، وهي القناة الواصلة بين الأذن الوسطى والجزء الخلفي من الأنف.
ولقناة استاكيوس دور مهم في وظائف الأذن الوسطى، حيث انها تتحكم في الضغط الجوي داخل الأذن، وهذه الوظيفة تتم عن طريق تبادل الهواء مع تجويف الأنف.
أما الدورة الطبيعية التي تتم في هذه القناة، فهي دخول الهواء من الأنف إلى الأذن الوسطى كلما نقص الضغط الجوي داخل الأذن الوسطى، ومن ثم يتم امتصاص الزائد منه عن طريق الأغشية المبطنة لجدار الأذن الوسطى وبذلك يتعادل الضغط الجوي داخل الأذن الوسطى وخارجها باستمرار.
تتصل قناة استاكيوس ببعض العضلات المسؤولة عن البلع، وبذلك فإنه من الطبيعي خلال السفر بالطائرة أن تتحرك طبلة الأذن مع البلع، وذلك عند معادلة الضغط الجوي داخل الطائرة مع الضغط الجوي داخل الأذن الوسطى، فإذا انخفض الضغط الجوي الخارجي، كما يحدث عند ارتفاع الطائرة، فإن طبلة الأذن تتحرك للخارج، ومن ثم فإن الضغط الجوي ينخفض داخل الأذن الوسطى، وذلك عن طريق امتصاص بعض الهواء بواسطة الأغشية المبطنة لها، وينتج عن ذلك معادلة الضغط الجوي داخل الأذن وخارجها فترجع طبلة الأذن إلى وضعها الطبيعي.
وبالمقابل فإن انخفاض الطائرة كما في الهبوط يتسبب في زيادة الضغط الجوي خارج الأذن، وبذلك تنضغط طبلة الأذن للداخل. وهنا يأتي دور قناة استاكيوس لمعادلة الضغط، وذلك عن طريق البلع الذي يسمح بدخول الهواء إلى تجويف الأذن الوسطى، ومن ثم معادلة الضغط الجوي خارجها، وينتج عن ذلك رجوع طبلة الأذن إلى وضعها الطبيعي.
ويجب أن نلاحظ هنا أن تحرك الطبلة، سواء للخارج كما في ارتفاع الطائرة، أو للداخل كما يحصل عند هبوط الطائرة، يتسبب في اعتلال توصيل الصوت بالصورة الطبيعية من الأذن الخارجية إلى الوسطى عن طريق طبلة الأذن، وبالتالي فإن الشخص المسافر يحس بثقل في سمعه أو حتى ألم بسيط خلال تلك المراحل، وتكون هذه الأعراض بسيطة ومؤقتة في معظم الحالات، إلا في حالة وجود قناة استاكيوس في وضع غير طبيعي لا يسمح لها بمعادلة الضغط الجوي داخل الأذن وخارجها، فهنا تكون الأعراض أشد وقد تتسبب في ترشيح سائل دموي خلف طبلة الأذن أو حتى ثقب طبلة الأذن.
وتوجد أسباب عديدة تقلل من كفاءة عمل قناة استاكيوس، ومن أهمها وأكثرها شيوعاً، نزلات البرد والأنفلونزا، كون الأغشية المبطنة لقناة استاكيوس متصلة بتلك المبطنة لجدار الأنف ومن ثم فهي تتأثر بنفس المرض.
أما الأسباب الأخرى الممكنة التي تقلل من كفاءة عمل قناة استاكيوس، فهي الحساسية الأنفية والتهابات الأنف والجيوب الأنفية الحادة المزمنة.
ومما سبق، نرى أن انسداد الأنف نتيجة هذه الأمراض ينتج عنه انسداد وثقل بالأذن، نتيجة انسداد قناة استاكيوس، بسبب تورم وانتفاخ الأغشية المبطنة لقناة استاكيوس.
أما لماذا يتأثر حديثو الولادة والأطفال عموماً أكثر من البالغين، فهو لكون قناة استاكيوس أقل نمواً ونضجاً عندهم عن الكبار من حيث الكفاءة، وبذلك فهم يتأثرون أسرع من غيرهم بتغيرات الضغط الجوي داخل الأذن وخارجها عند السفر بالطائرة.
الدكتور محمد محمود زهران، استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة
↧