أشياء كثيرة تغيّرت في معضمية الشام. كان عدد سكان المدينة قبل الثورة نحو 75 ألف نسمة، لكن كثيرا من سكانها نزحوا إلى مناطق أخرى، بسبب القصف والحصارات المتكررة، فيما وفد إليها نازحون من منطقة داريا المجاورة، ومن يوجد فيها اليوم يقع فريسة للجوع بسبب حصار خانق من النظام.
لم يعد يعيش في معضمية الشام، اليوم، سوى 45 ألف نسمة، 30 ألفا منهم من سكانها الأصليين، والباقون نزحوا إليها هربا من الموت والدمار.
ومع انطلاق الثورة السورية كان شبان البلدة في طليعة من شارك بالمظاهرات المناوئة للنظام في دمشق وريفها، وكانت المظاهرات فيها تتناغم مع جارتها داريا، حيث يخرج المتظاهرون من جامع الزيتونة لملاقاة المظاهرة القادمة من داريا في منتصف الطريق.
وقد تواصلت المظاهرات فيها رغم حملات الاعتقال والتنكيل، ورغم وجود موالين للنظام استوطنوا الأجزاء الشرقية والشمالية من المدينة، خلال السنوات والعقود الماضية، حيث تقع على مقربة منها العديد من القطع العسكرية، أهمها الفرقة الرابعة، التي تمتد على جبال المعضمية المستملكة، إضافة إلى مطار المزة العسكري ومقر فرع المخابرات الجوية.
كما تحيط بها عدة مراكز عمرانية يوالي أصحابها للنظام، وخاصة الذين وضعوا أيديهم على أراضي المدينة دون مقابل، مثل السومرية، إضافة إلى الحيين الشرقي والشمالي حول المدينة.
وشهدت معضمية الشام، التي تعرف اختصارا باسم المعضمية، عدة مجازر راح ضحيتها مئات القتلى، وكانت الوحيدة في الغوطة الغربية التي استهدفها النظام في مجزرة الكيماوي يوم 21 أغسطس/آب 2013، ما أدى إلى مقتل أكثر من ثمانين من أبنائها.
ويقدر أن أكثر من 1400 من سكانها قتلوا خلال الثورة، وفق قاعدة بيانات "شهداء الثورة" السوريّة، غير أن ناشطين يقولون إن العدد يصل إلى 3000 قتيل، فيما قتل نحو 250 من شبان البلدة خلال مشاركتهم في القتال بمدينة داريا المجاورة.
كما تشير التقديرات إلى أن نحو 60 في المائة من منازل المدينة دمرت كليا أو جزئيا، جراء القصف المتواصل خلال السنوات الأربع الماضية.
وتعيش المدينة في ظل الحصار بلا كهرباء ولا ماء ولا وقود، فيما الوضع الصحي متدهور جدا، ويمنع النظام إدخال أي نوع من الأدوية.
وخلال الحصار، توفي 11 شخصا من أبناء المدينة بسبب قلة الغذاء، وهي مسألة استفحلت في الأشهر الأخيرة، حتى أطلق على المدينة اسم "مدينة الجياع"، خاصة بعد أن استولت قوات النظام في الأشهر الماضية على المساحات الزراعية حول المدينة، ما حرم أهلها من خيرات تلك الأراضي التي كانت توفر جزءا من احتياجاتهم الغذائية، فضلا عن شح المياه، حيث يعتمد الأهالي على الصهاريج.
وفي الخامس من مايو/أيار 2011، دخل الجيش المدينة أوّل مرة، وقام بعمليات تمشيط واعتقال قبل خروجه، وفي إبريل/نيسان 2012 فرض حصاراً جزئيّاً على المدينة، مانعا دخول المواد الغذائية والطبية، لكنّه سمح بدخول وخروج الأهالي، قبل أن يطبق الحصار بشكل كامل في مارس/ آذار 2013.
وقد بدأ "الجيش الحر"، الموجود في الغوطة الغربية، بالانتشار داخل المعضمية، إثر ازدياد قمع النظام وفرضه للحصار على المدينة، حيث تشكّلت كتائب للجيش الحر من أبناء مدينة المعضمية، أخذت على عاتقها منع قوات النظام والشبيحة من اقتحامها، وتوجد في المدينة ثلاثة فصائل مسلحة، هي "لواء الفتح المبين" و"لواء الفجر" و"لواء سيف الشام"، وجميع مقاتليها من أبناء المنطقة.
يذكر أن معضمية الشام تقع في الغوطة الغربية، على بعد نحو 12 كلم غرب مركز مدينة دمشق، وأقل من ذلك عن حي المزة الدمشقي، ونحو 2 كلم فقط عن مدينة داريا، وتمتد على مساحة 4420 هكتارا، وتضم مجموعة من الجبال، مثل المعازة وحزوقة، الذي يصل ارتفاعه إلى ألف متر، وجبلي خاشين وعنت، وكلاهما يزيد ارتفاعه عن ألف متر.
وتشتهر المدينة بأفضل أنواع الزيتون الذي يحتفظ بجودته لسنوات كثيرة، وكانت من أكبر بلدات غوطة دمشق مساحة، لكنها خسرت معظم مساحتها مع بدء صدور قرارات الاستملاك عقب استيلاء "حزب البعث" على السلطة في ستينيات القرن الماضي، وحتى الثمانينيات، دون أن يحصل أهلها على أية تعويضات، ما أدى إلى نقمة دائمة على النظام.
ويقول أهالي المنطقة إن كل الأراضي التي أقيم عليها مطار المزة والفرقة الرابعة، وصولاً إلى قدسيا، تعود ملكيتها إلى عائلات المعضمية، وهو ما يعادل 80 في المائة من مساحة البلدة.
المصدر: العربي الجديد - عدنان علي
↧