وقف رامي مراد في سوق باب سريجة بمدينة دمشق ينتظر دوره، وهو يبحث بين الخراف الواقفة أمامه عن أفضلها وأنسبها، وبعد حسبة طويلة مع اللحام استقر على سعر 80 ألف ليرة (تقريباً 400 دولاراً) للخروف الواحد.
رامي قال إنه كان يخطط لشراء خروف يخصه، ليقوم بالتضحية به في عيد الأضحى لهذا العام، لكن سعره المرتفع منعه من ذلك، وهو اليوم يضحي لأحد أقاربه المغتربين فمبلغ 400 دولار لا يشكل رقماً كبيراً لمن يقيمون خارج سوريا، لكنه مبلغ ضخم للسوريين.
ضحية بالشراكة
وأثناء انتظار رامي لدوره، اصطف عدد من الرجال توافدوا على محل الجزار بعد صلاة العيد مباشرة، فمن عادة الناس في دمشق الانتهاء من أمور الأضحية باكراً، ليتمكن الفقراء من الاستفادة من لحمها في أول يوم عيد.
يقول أحد المشترين هناك لـ"هافينغتون بوست عربي"، إنه تشارك مع أخوته ليتمكنوا من شراء الأضحية، وقرروا استخدام الجزء المخصص لهم بتحضير أكلة معروفة في دمشق باسم "الصفيحة"، وهي عبارة عن عجين ولحم تُصنع على شكل أقراص، وهي توفر عدداً كبيراً من القطع بكمية محدودة من اللحم، وبالتالي ستكون أوفر بالنسبة لهم من توزيع قطع لحم لكل عائلة من عائلات إخوته، وكي يبقى قدر كاف يوزع على المحتاجين.
ويصف الرجل الأربعيني ظروفه المادية بأنها ليست جيدة، لكنه يعرف أن ثمة آخرين لا يذوقون اللحم أبداً بسبب الغلاء الفاحش، لهذا قرر التشارك مع إخوته لتقديم هذه الضحية، مضيفاً أن سعر الكيلو للخروف قبل الذبح يتراوح بين 1600 -1700 ليرة سورية (تقريباً 30 دولاراً).
من جانبها، تؤكد الشابة ندى العاصي، موطفة بإحدى الشركات الخاصة، أنها اعتادت قبل الأحداث على تقديم الأضحية سنوياً، واستمرت بذلك في السنة الأولى من الأزمة، وفي السنة التي تلتها تشاركت مع أختها، ولكنها لاحقاً توقفت عن هذا الأمر بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الدخل، موضحة أن راتبها في السابق كان يكفيها ويمكنها من الادخار، ولكنه اليوم وبعد خمس سنوات من الحرب أصبح بالكاد يكفيها.
عيد المساكين
بعد حوالي الساعة اصطبغ لون الرصيف بالدم وتقلص عدد الخراف المكتظة، لكن صاحب المجزرة، يوضح لنا أن هذا الازدحام يمكن مشاهدته فقط في ساعات العيد الأولى، وأن الحركة تتراجع كثيراً بقية اليوم وحتى انتهاء العيد، مشيراً إلى أن الأزمة أثرت كثيراً على الوضع الاقتصادي للناس ولم يعد يضحي إلا المقتدرون.
أما متوسطو الدخل فتراجع عددهم وغاب الكثير منهم، ويضيف الجزار: "بعيداً عن الوضع الاقتصادي، فإن الحرب غيرت البلد، الكثيرون سافروا أو توفوا ولهذا تناقص عدد زبائنه".
أسماء العبدالله، ربة منزل، تمكنت هذا العام من الحصول على قطعة لحم، وتؤكد أنها أقل من تلك التي كانت تحصل عليها في السابق؛ لأن من كان يتبرع بعدة أضاحٍ بات اليوم يضحي بأضحية واحدة فقط.
تشكر أسماء الله على تمكنها من الحصول على هذه القطعة، فغالبية معارفها في الحي خسروا هذه النعمة مع تراجع عدد المضحين، وهجرة نسبة كبيرة من العائلات الغنية إلى خارج البلاد.
المصدر: هافينغتون بوست عربي - Kareem Magdy
↧