![]()
استكمل حزب الله المرحلة الثالثة من معركة جرود عرسال، الأحد في 23 تموز، معلناً جرود فليطة منطقة خالية من العمليات العسكرية بعد السيطرة عليها بالكامل، متقدماً أكثر باتجاه جرود عرسال. ووفق ما يؤكد الحزب، فإنه تمكّن من السيطرة على 70% من الجرود العرسالية، واستطاع السيطرة على مواقع وتلال هامّة فيها، كانت تستخدمها النصرة لشنّ عملياتها وللانتقال بين الجرود المترابطة والمترامية. وقد تمكن الحزب من فصل عرسال عن جرودها، بالإضافة إلى السيطرة على وادي العويني، الذي يعتبر موقعاً أساسياً لمسلّحي النصرة، وكان يعتبر منطلقاً لأهم الممرات في عمق الجرود، وبأنه أبرز خطوط امدادها.
وفي الوقت الذي أحرز الحزب فيه هذا التقدّم باعتراف خصومه، إلا أن المعركة لم تنته بعد بالنسبة إليه. فهو يستعد لشنّ عملية جديدة على وادي الخيل، المعقل الرئيسي للجبهة ومقرها الرئيسي، ومقر أميرها أبو مالك التلي، ويحوي غرفة عملياتها. ولا تخفي مصادر متابعة أن هذه المعركة ستكون صعبة جداً أيضاً، لأن النصرة ستنظر اليها بأنها معركة حياة أو موت. وهذا ما قد يرجّح أن تكون النصر أعدت كمائن أو فخخت العديد من الطرقات والمواقع المحيطة بهذا الوادي والمؤدية إليه. وبالإضافة إلى وادي الخيل، تسيطر النصرة على نحو 30% من مساحة جرود عرسال، وانتشارها يصل إلى التلال المقابلة لوادي حميد والملاهي، أي خارج نطاق الحزام الأمني الذي فرضه الجيش حول بلدة عرسال.
وبمجرد سيطرة عناصر الحزب على وادي العويني، وعلى التلال المحيطة، لاسيما مرتفع اللزابة ومرتفع شعبة النحلة، ومواقع أخرى مشرفة على جوانب واسعة من الجرود، وأصبح قادراً على قطع أي تحركات لمسلحي النصرة بالنار، فإنه عمل على شق صفوف النصرة إلى شقين، شرقي وآخر غربي. وهذا يعني ضرب قوتها وعزلها في المواقع المتمركزة فيها عن خطوط إمداد ومعابر رئيسية. والهدف من ذلك، بالنسبة إلى الحزب، هو الضغط على النصرة إلى أقصى الحدود لاجبارها على المغادرة والإنسحاب، ولعدم الاضطرار إلى الحسم العسكري في المناطق والمواقع المتبقية، لأن المعركة ستكون صعبة، وسيضطر الحزب فيها إلى تكبد خسائر فادحة. أما في حال عدم اقتناع النصرة بوجوب المغادرة، فإن الحزب سيستكمل عملياته مهما كلّف الأمر.
وتشير مصادر متابعة إلى أن هيئة علماء القلمون عادت وفعّلت وساطتها مع النصرة وطالبتها بوجوب المغادرة إلى إدلب، لتجنّب مزيد من الخسائر وتخفيف الضغط عن اللاجئين السوريين في مخيمات عرسال. وتلفت المصادر إلى أن الوساطة ستستمر لساعات، فيما يؤكد حزب الله أنه غير معني بها، وهو يريد تحقيق مسألة واحدة فقط، أي خروج المسلّحين نهائياً. وتلفت مصادر متابعة لـ"المدن" إلى أن عدداً من مسلّحي النصرة انسحبوا باتجاه الجرود الشرقية لعرسال، بهدف الانتقال إلى الداخل السوري، فيما لا يزال الانقسام قائماً بين العناصر الذين لا يزالون موجودين في جرود عرسال، حول وجهة الانسحاب. إذ إن أبو مالك التلي يرفض الذهاب بسبب خلافات مع القادة الأساسيين للجبهة هناك، وهو حاول التواصل مع جهات معينة للخروج إلى تركيا. لكن أنقرة رفضت ذلك.
وفي ما يتعلق بإعلان سرايا أهل الشام عن وقفها كل عمليات القتال في جرود عرسال، وتوجه عناصرها إلى وادي حميد والملاهي، فتشير المصادر إلى أن هؤلاء سيعودون في مرحلة لاحقة إلى الداخل السوري، مرجحة أن عودتهم قد تحصل وفق بنود المفاوضات السابقة التي عقدت بينهم وبين الحزب وفشلت، والتي كانت تقضي بعودتهم إلى 5 قرى في القلمون بعد القائهم سلاحهم. وفي حال حصل هذا التوافق، فإن وجهة هؤلاء ستكون باتجاه عسال الورد ورأس المعرة، على أن تلي ذلك عملية اعادة مزيد من اللاجئين من عرسال إلى هاتين البلدتين.
لكن السؤال الأساسي يبقى عن سبب عدم دخول حزب الله في أي معركة ضد تنظيم داعش، الذي يتمركز في الجرود الشمالية لعرسال وصولاً إلى جرود رأس بعلبك والفاكهة والقاع، ويبلغ عدد مقاتليه نحو 600 عنصر. وهنا، لا يبدو أن ثمة جواباً واضحاً لذلك، فيما هناك من يرجّح أن التنظيم قد يلجأ إلى الانسحاب بعد مفاوضات غير مباشرة ستحصل معه، وبعد رؤيته لنتائج التي سيحققها حزب الله ضد النصرة.
المرحلة الثالثة في معركة الجرود.. هي الأقسى
يشير سياق المعارك في جرود عرسال، على مدى يومين، إلى صعوبة المعركة. الطرفان يعترفان أنها لن تكون نزهة، أو قصيرة الأمد، بل تحتاج إلى مزيد من الخسائر والمعارك الضارية. كما أنها ستمرّ في فترات هدنة متقطّعة، على غرار ما حصل في اليومين الأولين. لكن المفاوضات قد تكون تراجعت إلى حدّ كبير، ليس بسبب اغتيال المفاوض أحمد الفليطي الملقّب بالزعيم فحسب، بل لأسباب أخرى أيضاً. أهمها أن حزب الله لم يعد يرضى بالتفاوض كرمى لدماء مقاتليه. ويقول مصدر قريب من الحزب إنه بعد سقوط 17 مقاتلاً للحزب، فإن المفاوضات مرفوضة، وخيار الحسم العسكري متّخذ مهما طال زمن المعركة، إلا في حال قرر المسلّحون المغادرة نهائياً.
وتشير المصادر إلى أن المرحلة الثالثة من المعركة، التي بدأت فصولها فجر الأحد، في 23 تموز، قد تكون أقسى من اليومين السابقين لجملة أسباب. أولها تتعلق بأهداف الحزب. وثانيها ما حكي عن انسحاب مقاتلين من النصرة ومن سرايا أهل الشام ودخولهم إلى مخيمي الملاهي ووادي حميد. وما قد يحمل ذلك من مخاطر إذا أراد هؤلاء فتح جبهة المخيمات، بالإضافة إلى توجه بعض المسلحين في الجرود إلى مناداة المدنيين القاطنين في مخيمات جردية خارج نطاق البلدة، وبعيداً من الطوق الأمني، عبر مكبرات الصوت، لمؤازرتهم عسكرياً والمشاركة في القتال.
بالنسبة إلى المسلّحين الذين انسحبوا من المعركة ودخلوا إلى المخيمات، يؤكد حزب الله أن ذلك حصل بالتنسيق معه، وقد سمح لمئتي مسلّح من سرايا أهل الشام بالإنسحاب إلى مخيمي الملاهي ووادي حميد، حيث تقطن عائلاتهم، وبذلك سيكونون خاضعين لسيطرة الجيش اللبناني. بالتالي، سيمنعهم من القيام بأي فعل، في ظل التخوف من امكانية نقل المعركة إلى نقاط قريبة من عرسال، وما يعنيه ذلك من استدراج للجيش إلى هذه المعركة. ووفق ما تشير مصادر متابعة، فإن انسحاب هؤلاء جاء بعد اتصالات غير مباشرة حصلت مع الحزب والجيش، على قاعدة مكوثهم في منطقة آمنة، وفتح طريق لهم باتجاه الأراضي السورية. لكن هذا ما لم يحصل بعد، بسبب تعثّر بعض شروط المفاوضات.
وتؤكد المصادر أن مسار المرحلة الثالثة من المعركة سيكون تصاعدياً، وسيرتكز على كثافة نيران هائلة بشكل يتخطى اليومين السابقين، وستهدف إلى السيطرة على وادي العويني ووادي الخيل في الجرود الجنوبية لبلدة عرسال. وهذه المناطق تعتبر مناطق أساسية ووجودية بالنسبة إلى الفصائل، وكان حزب الله قد سعى، السبت في 22 تموز، إلى السيطرة عليها، لكن تم صدّ الهجوم. وهذا الهجوم سيستند إلى دعم كثيف من قبل الجيش السوري الذي سيرسل مزيداً من التعزيزات من جرود فليطة باتجاه تلك المنطقة. وتكرر المصادر أن هذه المعركة ستكون قاسية جداً، لافتة إلى إمكانية دخول الجيش اللبناني على خطّ دعمها عبر تكثيف عمليات القصف، لاسيما إذا حاولت بعض المجموعات التسلل باتجاه البلدة.
من جهة أخرى، لا تخفي مصادر في الجرود صعوبة الوضع، مؤكدة أن حزب الله استطاع تحقيق تقدّم في اليومين الماضيين، لكن المعركة لم تنته، وفق ما تعتبر الفصائل. ويؤكد المتحدث العسكري بإسم سرايا أهل الشام عمر الشيخ لـ"المدن" أن السرايا أعلنت عن وقف لإطلاق النار تمهيداً لبدء مفاوضات تهدف إلى الخروج من الجرود والانتقال إلى المناطق المحررة في الداخل السوري. لكنه يرفض الإفصاح عن أي تفاصيل أخرى، تتعلق بشروط التفاوض أو الوضع الميداني.
من الواضح أن حزب الله مصرّ على استكمال المسار العسكري للمعركة، وهو لن يرضى إلا بالتفاوض تحت النار، على غرار ما حصل مع المسلحين الذين لجأوا إلى مخيمي الملاهي ووادي حميد. وتشير مصادر متابعة إلى أن الأمور ستذهب بالنتيجة نحو التفاوض بهدف الانسحاب والدخول إلى الأراضي السورية. وقد بدأ عدد من الوسطاء والمعنيين العمل لانجاز هذا الأمر.
نقلا عن موقع المدن