![]()
لا شك أن لمعركة جرود عرسال التي أطلقها حزب الله أكثر من هدف سياسي، عدا عن الأهداف العسكرية التي يريد الحزب تحقيقها. بداية فإن هذه المعركة تأتي في لحظة دولية مفصلية، لاسيما بعد الإتفاق الروسي- الأميركي المبدئي بشأن الوضع في سوريا بشكل عام والجبهة الجنوبية وإعلانها منطقة آمنة بشكل خاص. هناك اجماع في أوساط المراقبين أن طهران تبدو منزعجة من إتفاق الجنوب، لأنها لم تكن شريكة فيه، رغم وجود حرص دولي، وفق أوساط متابعة، على مراعاة دور طهران في سوريا وفي محاربة الإرهاب بناءً على دعم الموقف الروسي للنشاط الإيراني.
تعلم إيران وحزب الله أن إتفاق الجنوب يهدف إلى تعزيز أمن إسرائيل وخدمة مصالحها الإستراتيجية. لذلك، فإن أحد الشروط الإسرائيلية التي طبّقت تلخّصت بإبعاد طهران وحلفائها نحو ثلاثين كيلومتراً عن الحدود الجنوبية. وكان معروفاً أن طهران لن تسكت عن ذلك، وهي ستزيد من تمسّكها بنفوذها في سوريا. وهذا ما أرادت تكريسه من خلال فتح معركة الجرود، التي لطالما أكد حزب الله أهمية إنهائها لاعلانها منطقة آمنة، وتحقيق الأهداف التي دخل إلى سوريا من أجلها، وهي حماية الأراضي اللبنانية من أي عمليات إرهابية وطرد المسلحين عن الحدود إلى الداخل السوري. والهدف الأبعد من ذلك سيكون العمل على إعادة اللاجئين إلى هذه المنطقة التي ستصبح آمنة، وهذا يعني وقف أي عمليات جوية للطائرات فيها. وهذا ما سيفيد حزب الله بمسألتين أساسيتين، الأولى أن اللاجئين سيعودون تحت سيطرته فيما ستبقى مساحات واسعة منها مراكز لتخزين أسلحته من جهة، كما أن منع أي حركة للطيران الحربي فوقها يعني أن الحزب سيكون قادراً على نقل قوافل السلاح من سوريا إلى لبنان.
لكن عملياً، وفي نظرة جغرافية لوقائع الأمور على الأرض، يظهر أن إيران تريد تحصين مناطق نفوذها في سوريا، وزيادة حزام الأمان حولها. منطقة النفوذ هذه أصبحت واضحة ومعززة أخيراً بعد فتح المعابر بين سوريا والعراق، ما بين قاعدتين أميركيتين تعتزم واشنطن تثبيتهما في الشرق السوري، وهما التنف والزكف. ما بين هاتين القاعدتين، كانت القوات الإيرانية والقوات المتحالفة معها تعمل عسكرياً ليل نهار لوصل العراق وسوريا ببعضهما، وتعبيد الطريق الذي يصل طهران ببيروت. وربطاً بالمعارك الدائرة في دير الزور، والمساعي الإيرانية للسيطرة هناك بعد طرد تنظيم داعش، تصبح المنطقة مرسومة بشكل أوضح من العراق إلى البادية السورية، التي تؤمن النفوذ الإيراني في العمق السوري من خلال متفرعين أساسيين. الأول باتجاه تدمر وريف حمص ربطاً بدير الزور، وآخر باتجاه دمشق وريفها مع القلمون والجرود التي فتحت معركة تحريرها. بذلك، تكون إيران قدّ رسمت حدود دويلتها السورية وكرّست نفسها بفعل الواقع الميداني والجغرافي قوة أساسية لا يمكن تخطيها.
أمام هذه التطورات، ثمة من يعتبر أن إنزعاج إيران من إتفاق الجنوب السوري ما لبث أن تبدد لسبيين أساسيين. الأول هو أنها استشعرت وكأن هناك غطاءً دولياً للتوسع أكثر في مناطق أخرى، والإعتراف بنفوذها هناك، بمعزل عن كل المواقف الإعلامية والعلنية. والثاني، فإن أكثر ما يهم إيران في هذه المرحلة ليس إسرائيل وموقفها، بقدر ما يهمّها غياب أي دور لدول الخليج في سوريا، وتحديداً المملكة العربية السعودية.
هذه جملة أهداف تريد إيران تحقيقها بعيد فتح معركة الجرود، والتي تتجلى بأنه لم يخرج أي موقف دولي يعارض ذلك. وهذا دليل على أن الحزب وإيران حصلا على غطاء لخوض هذه المعركة. والهدف الأكبر الذي يريد حزب الله ومن خلفه إيران تحقيقه، هو أن المعركة فتحت قبل يوم من زيارة الرئيس سعد الحريري إلى واشنطن للقاء الرئيس دونالد ترامب، مع الإشارة إلى أن ملف العقوبات على حزب الله سيكون محوراً رئيسياً في هذه الزيارة. بالتالي، فإن الرسالة الفعلية التي يريد الحزب إيصالها إلى الأميركيين هي أنه يحارب الإرهاب ولا يجب فرض عقوبات عليه واتهامه بالإرهاب، لاسيما التنظيمات التي تريد واشنطن محاربتها، أي داعش والنصرة.
يعرف حزب الله أنه لا يمكن لأحد أن يعارض معركته هذه، لأن لا أحد قادراً أو يريد أن تبقى جبهة النصرة مسيطرة على الجرود. بالتالي، هو يعرف جيداً الإستثمار في اللحظات الدولية والإقليمية المفصلية، من أجل نسج إنتصاراته وكيفية استثمارها. واللافت أن التوقيت هذه المرّة يأتي على الساعة الأميركية، التي اختارت وقف كل أشكال الدعم لفصائل المعارضة السورية.
بقلم منير الربيع موقع المدن