لم تكن النهايات كما توقعها شباب الثورة فجر إنطلاقها , عندما توقعوا نهاية دراماتيكية للنظام تشبه ما حصل في مصر . وتونس أو حتى كما حصل في ليبيا التي إنتهى النظام فيها بعد أشهر قليلة.
ست سنوات من الشد والجذب الكر والفر مئات المجازر وبمختلف الأشكال والألوان وبكل صنوف أسلحة الموت المسموحة والمحرمة.
ملايين اللاجئين ومئات المدن المدمرة , تجسيد فعلي لشعار الأسد أو نحرق البلد , نعم النهايات لم تحكمها البدايات لم تبق بيد من أطلقها لا شباب الثورة بكل أطيافها وأهدافها ولا نظام الأسد بكل عنجهيته وإجرامه .
انتقل الملف من يد ليد , حتى أمسكه الروس بقوة ليثبتوا ويصبحوا أصحاب القرار .
كل ما يجري الآن هو صدى للخطة الروسية التي ربما أصبحت الوحيدة على طاولة المجتمع الدولي بقواه الدولية والإقليمية .
بعد التقهقر الأمريكي والإنكفاء الإيراني ولو ظاهرياً والتقوقع الاقليمي , كذلك كان للإنقلاب الفاشل في تركيا وقع الزلزال على المنطقة , والذي بدأت إرتداداته تظهر بالتقارب الروسي التركي والغزل التركي للأطراف الإقليمية , ومن ثم التدخل التركي في الشمال على حساب داعش والأكراد , الذين وجدوا أنفسهم في حيرة من موقف داعمهم الأساسي في المنطقة الذي يعيش لحظاته الأخيرة على وقع الانتخابات غير المحسومة والغريبة التوجهات , خاصة فيما يخص مرشح الحزب الجمهوري الذي لم تثبت بوصلة التصريحات عنده على إتجاه معين.
في خضم هذا الصراع الحاصل والأقرب لأجواء الحرب الباردة , وجد الروس أنفسهم في موقع قوة في سوريا لذلك فقد بدأوا التصرف بهوية الدولة المنتدبة أو المستعمرة , فقد صادرت جميع القرارات وجعلتها في يدها حتى بدا بشار الأسد ونظامه وكما أراد الاعلام الروسي تصويره عبر تسريب لقاءاته مع الروس على أنه تابع صغير لهم بإمكانهم إتخاذ القرار عنه وأنهم اللاعب الحقيقي على طاولة لعبة الأمم وأن نظام الأسد لا يعدو شريكهم الصغير.
السياسة الروسية ومنذ البداية اعتمدت على محورين
مع دول العالم وخاصة الدول المهتمة بالشأن السوري , خاصة الأمريكان كان واضحاً أنها مصرة على بقاء الأسد متذرعة بعدم وجود البديل الجاهز وبأن سقوطه سوف يدفع بالمنطقة لفوضى أكبر وسيترك سوريا لقمة سائغة للإرهاب .في محاولة لتصوير الثورة السورية بانها مجموعات راديكالية تبحث عن تحويل سوريا لأفغانستان أخرى (عقدة أفغانستان لازالت تطارد الروس) على شكل إمارات ودول على شاكلة تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام(النصرة )وحاولت تقديم نظام الأسد على أنه شريك في الحرب على الإرهاب .
احتاج الروس لسنتين وعدة مؤتمرات واجتماعات في مختلف المحافل الدولية لإقناع العالم بخطتهم , ومع تحفظ بعض الدول عندها أدرج الروس مقولة الإرهاب أولاً في إشارة أن هناك ما هو ثانياً , والإيحاء بأن مصير الأسد هو هذا الثانياً وبذلك تضمن موافقة الدول المترددة وذات الموقف الأكثر تشدداً اتجاه الأسد ونظامه , وبذلك تكون قد أكملت المشهد الدولي لتلتفت للمشهد الداخلي.
في المشهد الداخلي
منذ البداية اتبع الروس سياستهم التي اتبعوها في حروبهم خاصة في الشيشان من حرب دعائية وبروبيغاندا إعلامية ضد الثورة وتصويرها بمختلف صور الارهاب والخيانة والوحشية , ومن ثم تطبيق سياسة تخفيف السائر في المدن البعيدة مثل دير الزور ودرعا حين تراجع النظام إلى مناطقه الأمنية واستخدم القوة المفرطة من اجل تقليل جبهات القتال وبذات الوقت تقليل خسائره البشرية واللوجستية وكذلك خسائره الإعلامية , ونجح بذلك نوعاً ما , مع إشغال الفصائل بصراعات جانبية وبالتالي التأثير على قوتها العسكرية وإضعاف قبولها لدى حاضنتها الإجتماعية .
في مناطق أخرى مثل ريف دمشق اتبع سياسة المربعات ومن ثم القضم التدريجي , حيث عمل على دفع قوات المعارضة للتجمع في مناطق محدودة جغرافياً مثل داريا والقابون والمعضمية وغيرها من المناطق ومن ثم قصفها بمختلف أصناف الأسلحة واستخدام القوة المفرطة اتجاهها , حتى يتم القضاء عليها نهائياً أو دفعها للاستسلام تحت الضغط والخوف على الحاضنة الشعبية خاصة ان معظم المقاتلين هم من ابناء هذه المدن وهم برفقة اهاليهم وعائلاتهم , وبذلك يتم قضم تلك المناطق بالموازاة مع سياسة المصالحات التي نجحت أيضاً في بعض مناطق ريف دمشق مثل التل وبرزة وبعض مناطق الغوطة الشرقية والغربية حيث عمل بعض انصار النظام على دفع السكان على القبول بتلك تحت ذريعة عدم تدمير المنطقة والحفاظ على الممتلكات والأرواح.
مع النجاح بسياسة القضم هذه يكون النظام قد نجح في تأمين محيط العاصمة وبالتالي الانتقال للجزء الثاني من الخطة .
وهو إقناع العالم بأن الفصائل المقاتلة هي قوى راديكالية متطرفة حيث كان النظام يصر في كل هدنة أو لإفراغ منطقة على أن يتجه المقاتلون شمالاً إلى ادلب وما حولها من أجل تصوير تلك الفصائل على أنها جبهة فتح الشام(النصرة) والتي صنفها الروس ولاحقاً الأمريكان على أنها إرهابية في حين يصر الروس على إدراج فصائل أخرى مثل أحرار الشام وجيش الإسلام .
تجميع الفصائل في الشمال مع التدخل التركي لتأمين الحدود وبالتالي السيطرة عليها , وتقنين الدعم والتحرك وبذلك تتحول الثورة إلى حرب ضد الإرهاب حيث تجبر تلك الفصائل على مقاتلة تنظيم الدولة وربما الذهاب لهدن مع النظام خاصة في حلب , التي خسر فيها النظام وحلفائه كثيراً ,وباعتبار تلك الفصائل جميعها منظمات إرهابية ومعاملتها على هذا النحو عن طريق استهدافها وتصويرها كجماعة أبو سياف الفلبينية أو طالبان الأفغانية.
بهذه الطريقة يكون الروس قد فرضوا رؤيتهم للحل في سوريا , كما حققوا شعار نظام الاسد من قبل وهو (الاسد أو نحرق البلد )وكذلك ضمنوا اجتماع العالم على الثورة السورية لاجهاضها.
فهل يستطيع الروس تغيير حقائق التاريخ بأنه لم تفشل ثورة شعب آمن بها ودفع من أجلها الكثير من الدم والمال والآلام , أم أن المتغيرات الدولية فرضت نفسها , يبقى الجواب مبهماً بانتظار ستة أشهر المخاض .
حيث يستعجل الروس فرض حلهم ورؤيتهم قبل مجيء إدارة أمريكية لا تُعرف توجهاتها ولا رؤيتها لما يجري في سوريا
في حين أن ما يجري على الارض يسابق الزمن لإفراغ العاصمة وتأمين محيطها وفرض الأمر الواقع في طاولة المفاوضات القادمة.
الروس ربما أتقنوا لعبة الأمم , مستغلين مغادرة الأمريكان للطاولة ولو لفترة قصيرة لكن في مثل هذه الحالة قد تقلب الطاولة في لحظة ما ويجد الجميع نفسه عند نقطة البداية.
فراس علاوي
المصدر: العربي الجديد
↧