أن تتّخذ قرار الإقدام على الارتباط الزوجي في لبنان، فهذا يعني أنّك أمام خيار واحد لا ثانٍ له: قرض الزّواج. ستحاول تبسيط الأمور، اقتطاع جزء من راتبك، وآخر من راتب زوجتك، على مدار سنوات عدّيدة تُحدّد تبعاً للاتفاق. قد تطول السّنوات وتتحوّل إلى وحشٍ يلتهمك، في بيتك، الذي لن تملكه فعليّاً إلّا بعد سداد القرض. العرس بـ"الدّين" تبدو فكرة العرس واحتفال الأهل والأصدقاء بالعروسين محبّبة للوهلة الأولى. لكن عند قصد الفندق أو الصّالة التي يفكّر الزّوجين في اتخاذها مركزاً ليومٍ تاريخيّ لهما، يختلف الأمر. فرقة الزّفة، المسؤولون عن الموسيقى، الزينة، العشاء الذي يختلف سعره تبعاً لعدد الوجبات المقدّمة ونوعيتها، التّصوير وغيرها من التفاصيل الصغيرة التي لم تكن في الحسبان، تقف حاجزاً أمام العروسين، لتحوّل ثلاث ساعات أرادا تخليدها بذكرى جميلة إلى كابوس سنوات قد يلعنا فيها يوم العرس ألف مرّة. يصف شادي نفسه بالكلمات التالية: "أو بعمل الشّغلة كاملة أو ما بعملها". هكذا، قرر إقامة عرس ضخم "تحكي عنه الناس"، لكن بـ"الدّين". فإستدان قرض الزواج من البنك الذي يعمل فيه، ما ساعده على تجنب دفع الفوائد. والآن بعد خمس سنوات، ابن شادي يجبره على حمله على ظهره بسماجة، وشادي يفكّر في "العرس الضخم" الذي تكلّم عنه الناس ليومين اثنين ونسوه، وهو في فكره كلّما أقبل آخر شهر. حتميّة "قرض الإسكان" البيت ليس أرضاً وسقفاً فقط. وعلى هذا الأساس، تقدّم بعض البنوك قروضاً خاصّة بأثاث المنزل وتجهيزاته، بينما تدرجه أخرى تحت مظلّة القرض الشّخصي. وهذا يختلف تماماً عن قرض الإسكان، الذي بات مسألة شبه حتمية. الأخير يؤمن لك المسكن، والأوّل يملؤه، وليس من سيّد على الآخر، فكلاهما يتساويان في الشروط والفائدة العائدة للمصرف. يشرح مروان زيارته المصرف إثر الإعلان الذي رآه لمرّات متتالية على أرصفة الطّرق: "إحصل على قرض بالمبلغ الذي تريده، والتقسيط لمدّة أربع سنوات". لكنّه اكتشف بعد حديثه مع الموظّف، أنّ الإعلان مخصّص للقروض بالدولار، ولأن راتبه موطّن بالليرة اللبنانيّة كان هناك اختلاف في سعر الفائدة كما في فترة السّداد. ما يعني أنه سيدفع عُشر المبلغ الذي سيقترضه سنويّاً على شكل فوائد لمدّة خمس سنوات. ناهيك بالرّسوم الخاصة بالطوابع لتوقيع السّندات السنوية. فقرّر بعدها الاستدانة من متجر اختار منه أثاث بيته كاملاً، الذي بدوره يتعامل مع البنوك لسدّ الدّين، وإنّما بلا هاجس فرق العملة. قرض شهر العسل يصعب تمييز الأساسيّ من الكماليّ في يومنا هذا. فما هو أساسيّ ومستعجل لفرد، قد يكون رفاهية لآخر. وما من مستفيد سوى المصارف. فبعد "قرض التجميل" الذي يشمل تكبير الشفاه والصدر وإزالة الشعر، كما زرعه وغيره، قرض التلفون، قرض السيارة، وقرض البقرة المنتجة، الذي جاء بتعاون مع وزارة الزّراعة بهدف دعم المزارعين في المناطق الرّيفيّة وتطوير مشاريعهم الزّراعيّة، نصل إلى قرض شهر العسل. وهو قرض رفاهيّ، في وطن يحوّل أبناؤه كلّ رغبة إلى ضرورة ملحة. الطريق نحو القرض ليس سهلاً، إذ عليك تأمين نسبة 25 في المئة من مبلغ القرض في أغلب الأحيان. بوليصة التأمين إلزاميّة، كذلك وجود كفيل للمُقترض، وراتب ثابت كلّ آخر شهر. بعد توّفر الشروط المطلوبة عند سامر وليلى، اقترضا من أحد المصارف مبلغاً لقضاء شهر العسل في قبرص. على عكس كثيرين، لا يظهر الزوجان أيّ ندم على ما فعلاه، بل إنهما يجدان في القروض حلّاً للأزمة المالية عند الشباب. ويكرّران على مسامع الجميع دوماً جملة فيها شيء من عدم الثّبات: "القروض فعّالة، تحرّك العجلة الإقتصاديّة". هذه الجملة التي نحاول دائماً أن نقنع أنفسنا بها، ليس تبريراً لجشع المصارف، بل لرغبتنا باقتناء ما لا قدرة لنا عليه.
المصدر: المدن - ميريام سويدان
↧