دفع سجين 15 مليون ليرة سورية (حوالي 35 ألف دولار أمريكي) ثمنا لحريته من سجن "صيدنايا" التابع للنظام السوري، بعد أربع سنوات من الاعتقال، ذاق خلالها كل أنواع التعذيب.
واعتقل النظام السوري "سعيد أبو محمد" عام 2012 بسبب تقديمه العون لشاب أصابته قذيفة هاون في إحدى بلدات ريف دمشق، وأفرج عنه قبل أربعة أشهر فقط، بعد تقديمه للرشوة مقابل حريته.
يقول "أبو محمد" (40 عاما)، في حديث خاص لـ"عربي 21": "كانت الاحتجاجات السلمية ضد نظام الأسد قد بدأت عام 2012 في المدينة التي أتحدر منها، وكان من المعروف بين السوريين آنذاك أن النظام يواجه المظاهرات بالرصاص أو بقذائف الهاون، وفي إحدى ليالي الجمع وأثناء فض المظاهرة بدأت قذائف الهاون تنهال على أرجاء المدينة، وأثناء عودتي من العمل إلى المنزل سقطت قذيفة على بعد مائة متر من مسيري، لتصيب شابا في مقتبل العمر".
واستطرد بالقول: "كان الشاب ممدا على الأرض والدماء تغطي ملابسه، لذا هرولت تجاهه مسرعاً، فإذا به بين الحياة والموت، حيث أصابت الشظايا ظهره وأماكن متفرقة من جسده، لذا حملته على كتفي وركضت به نحو النقطة الطبية الحكومية القريبة من مكان سقوط القذيفة، وقمت بتسليمه لهم، وهنا طلبوا مني البطاقة الشخصية ومكان الإقامة وتفاصيل أخرى، فقدمتها لهم، وانصرفت".
أبو محمد، الذي كان يعمل تاجراً بالأدوات المنزلية في ريف دمشق، وليس لديه أطفال، شاهد فيما بعد صورة الشاب على مواقع التواصل متوفيا جراء القذيفة التي أطلقتها قوات النظام السوري، فشعر بالحزن الشديد على مقتل الشاب الذي تبين فيما بعد أنه طالب سنة أولى في كلية العلوم بجامعة دمشق.
يتابع "أبو محمد" أنه "بعد أسبوع ونيف من الحادثة، وأثناء تواجدي في مكان عملي، جاءت سيارتان إحداهما جيب "مفيمة" وأخرى سيارة دفع رباعي، وخرج منهما قرابة 10 عناصر من فرع الدوريات التابع للمخابرات الجوية في مطار المزة العسكري، داهموا مكان عملي، وغطوا وجهي بكيس من القماش، ووضعوا السلاسل في يدي، وضربوني ضرباً مبرحاً مرددين "عم تساعد وتمول الإرهابيين" ووجهوا لي مجموعة من الشتائم".
وأوضح "أبو محمد" أنه وجد نفسه بعد ذلك في مطار المزة العسكري، حيث أبقوه هنالك قرابة الأسبوع تعرض خلاله لمختلف أنواع وأساليب التعذيب دون أي تحقيق، ليتم تحويله فيما بعد إلى سجن صيدنايا الذي تعرض فيه أيضا للتعذيب ثلاث مرات في اليوم، دون أن يعرف في الشهر الأول ما هي التهمة الموجهة إليه.
يبين المعتقل السابق "أبو محمد": "قواي الجسدية أنهكت، وكدت أحس بروحي تفارقني من شدة أساليب التعذيب التي تعرضت لها، وفي أحد الأيام جاء السجان وطلبني عبر "الرقم" الذي يعطوننا إياه عوضاً عن الاسم، ليقوموا بعدها بسحلي إلى غرفة التحقيق وأنا "مطمش" (معصوب) العينين والسلاسل تقيد يدي، وهنا بدأ التحقيق حيث ليس بمقدور أي معتقل أن يقول "لا" على أي سؤال يردده المحقق، وهنا بدأت الاتهامات تنهال علي وهي "ممول للإرهابيين، تقديم خدمات طبية للوهابيين"، وغيرها الكثير من التهم، وكلها كان جوابها مني هو "نعم .. فعلت"".
يوضح: "بعد ذلك، رفعني السجانون عن الأرض وبقيت رؤوس أصابع قدمي ملامسة للأرض فيما يسمى بـ"الشبح"، وبدأ التحقيق يدور حول حادثة "إنقاذ الشاب من الموت"، ليتبين فيما بعد بأن اعتقالي وملاحقتي بدأت عندما قدمت البطاقة الشخصية للمركز الطبي، الذي حولها بدوره إلى المخابرات الجوية".
يتابع "أبو محمد": "لم ينج الشاب من الموت، لكنني حاولت إنقاذه. مات الشاب وأنا اعتقلت في "أبشع وأقذر" سجون العالم، إن صح تسميته بالسجن، لأن من يدخله يعلم بأنه حفرة من حفر جهنم لا نجاة منها، حيث دام اعتقالي وتعذيبي على هذه الحالة حتى مطلع عام 2016، وهنا مع الفترة الزمنية والسنون بدأت أتعرف على تفاصيل السجن من العناصر والسجانين الذين كان معظمهم من الطائفة العلوية".
يروي: "أول اتصال هاتفي نجحت في إجرائه كان مع عائلتي مدة دقيقة واحدة أخذ ثمنها السجان من زوجتي 150 ألف ليرة سورية، أي ما يقارب 350 دولارا أمريكيا، وهنا بدأ يقترح علي عروضا مغرية بأن يتم تحويلي إلى المحكمة الميدانية، وكان يطلب أرقاماً فلكية مثل 30 مليون ليرة وأكثر، ولكنني كنت أقول له بأنني لا أملك هذا الرقم، حتى وصلت معه إلى مبلغ 15 مليون ليرة أي ما يعادل 35 ألف دولار أمريكي تقريياً".
يتابع: "فعلاً قبل الضابط المسؤول في سجن صيدنايا بالمبلغ، وقام بتحويلي إلى سجن عدرا المركزي في دمشق بعد أن استلم المبلغ المتفق عليه بالكامل، لأبقى في سجن عدرا قرابة الشهرين ونصف قبل أن يتم إطلاق سراحي".
ووصف "أبو محمد" لحظة خروجه من السجن بأنها "كانت مرعبة، فكل شيء مختلف، وأبشع تلك الصور التي مرت أمام عينيه في دمشق أن النظام ما زال قائماً ودوريات المخابرات المشابهة لتلك التي اعتقلته غزت دمشق"، مشيراً إلى أنه "لم يعد يملك أي رصيد مالي، فقط ديونا متراكمة جراء المبلغ الذي دفعه حيث تجاوزت ديونه 5 ملايين ليرة، كما علم أن المخابرات التي اعتقلته عادت في وقت لاحق وسرقت كل مقتنيات محاله التجارية وحتى منزله، ولكنه أكد بأن الموقف الذي دفع كل هذه الضرائب له غير نادم عليه، وإن تكرر الموقف فلن يقف مكتوف الأيدي.
المصدر: عربي 21
↧