يضغط وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا للحفاظ على «الهدنة الهشة» وإقرار الخرائط المشتركة لمواقع «جبهة النصرة» وإدخال مساعدات إنسانية إلى حلب على أمل عقد اجتماع لوزراء خارجية «المجموعة الدولية لدعم سورية» برئاسة أميركية - روسية في نيويورك الاثنين أو الثلثاء المقبل، قبل الاجتماع الذي دعت إليه نيوزلندا الأربعاء المقبل لتوفير تقدم كاف في ملفي الهدنة والإغاثة يسمح لدي ميستورا بأن يقدم مبادئ الانتقال السياسي والدعوة إلى استئناف المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة في جنيف في بداية تشرين الأول (اكتوبر) المقبل.
بالنسبة إلى الهدنة، اتفق كيري ولافروف على تمديدها يومين إضافيين على رغم إعلان وزارة الدفاع الروسية حصول 60 خرقاً «معظمها من المعارضة» مع تركيز روسي على «أحرار الشام الإسلامية» أكبر فصيل اسلامي معارض، فيما أفادت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» بحصول 84 خرقاً في 29 منطقة. وأفادت «المرصد السوري لحقوق الانسان»، بأن «تقويمنا إيجابي للهدنة فكانت النتيجة صفر قتلى في مناطق سريان الهدنة» يومي الثلثاء والأربعاء.
لكن، وفق مسؤول غربي رفيع، لا تزال مشكلة كبيرة قائمة بين واشنطن وموسكو، إذ يضغط الجانب الروسي على نظيره الأميركي كي «يفصل الفصائل المعتدلة عن الإرهابيين»، أي ضرورة أن تنأى الفصائل المدرجة على قائمة الدعم العسكري والمالي الأميركي عن الفصائل الإسلامية في «جيش الفتح»، وخصوصاً «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة) سابقاً، في وقت تضغط واشنطن، وخصوصاً وزارة الدفاع (بنتاغون) لحصول التزام كامل بالهدنة وإدخال المساعدات قبل تشكيل «خلية التنفيذ المشتركة» الاثنين المقبل كي تقوم الطائرات الأميركية والروسية باستهداف مواقع «فتح الشام» (النصرة)، بموجب خرائط مشتركة يجري الاتفاق عليها بين جهازي الاستخبارات والجيشين في البلدين.
و «خرائط» مواقع «فتح الشام»، هي إحدى النقاط الرئيسية في الاتفاق الأميركي - الروسي المعلن الجمعة الماضي. إذ تتوقع واشنطن من موسكو أن توقف جميع الطائرات السورية من التحليق في المناطق التي توجد فيها مواقع «فتح الشام» التي ستكون من صلاحية الطائرات الأميركية - الروسية مع السماح للطيران السوري في مناطق أخرى. وطالب جميع حلفاء واشنطن بالحصول على هذه الخرائط، لكن ذلك لم يحصل على نطاق واسع بناءً على تفاهم البلدين. ووفق مصادر مطلعة فإن «الخرائط» المتفق عليها تشمل معظم مناطق محافظة إدلب وجزءاً من ريفي حلب وحماة، حيث ينتشر عناصر «جيش الفتح»، التي يتوقع أن يشملها القصف الأميركي - الروسي وحظر الطيران السوري. وأضافت المصادر أن التنفيذ العملي للاتفاق يعني خروج الطيران السوري عن معظم الأراضي السورية باستثناء مناطق «داعش» وجنوب سورية، مع أن نص الاتفاق تضمّن السماح له بقصف «مناطق محددة لا يشملها الاتفاق».
وقال مسؤول غربي آخر إن الاتفاق «أثار حفيظة النظام وحلفائه والمعارضة وحلفائها لأنه يقيد أيدي الأطراف المحلية والإقليمية ويضع الأمور في أيدي واشنطن وموسكو، ما يضع تحدياً كبيراً أمام صمود الهدنة إلى الاثنين قبل بدء التعاون العسكري الأميركي - الروسي بناء على طلب البنتاغون».
إلى جرابلس بدل إدلب
بالنسبة إلى المساعدات، كشفت اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالمساعدات الإنسانية في جنيف وجود عقبة أمام وصول المساعدات إلى الأحياء الشرقية في حلب وعقبات أمام وصول المساعدات إلى مناطق حي الوعر في حمص ومعضمية الشام وريف دمشق المحاصرة من القوات النظامية وحلفائها والفوعة وكفريا في ريف إدلب المحاصرتين من فصائل معارضة. ودعا دي ميستورا النظام السوري إلى السماح «فوراً» بتوزيع المساعدات، مؤكداً أن حتى الروس أعربوا عن «خيبة أملهم».
وتسلمت الامم المتحدة في السادس من الشهر الجاري أذونات من دمشق لتوزيع مساعدات في بلدات مضايا والزبداني والفوعة وكفريا ومعضمية الشام «لكن نحن في حاجة إلى إذن نهائي. وهذا أمر يجب أن يتم فوراً»، وفق دي ميستورا. وأضاف: «»إنه لأمر مؤسف، إننا نضيع الوقت. روسيا موافقة معنا على هذه النقطة». وهنا، علم أن ممثلين من حي الوعر طلبوا من المبعوث الدولي التدخل لإدخال الحي ضمن الهدنة والاتفاق الأميركي - الروسي بعدما «تسلمنا رسالةً من دمشق: الخروج من الوعر أو العيش مع القصف والحصار». كما حضر المستشار العسكري في مكتب دي ميستورا في دمشق أمير ندى مفاوضات أجراها ممثلون للجيشين الروسي والسوري لإخراج مقاتلين ومدنيين من معضمية الشام. وكان لافتاً، أن الوجهة التي اقترحت لهم، هي مدينة جرابلس التي سيطر عليها «الجيش الحر» مدعوماً من الجيش التركي، وليس إلى ادلب كما جرت العادة في اتفاقات التسوية في داريا وحمص والزبداني.
وأثير موضوع دخول المساعدات إلى شرق حلب حيث يقيم، وفق الأمم المتحدة، 250 ألفاً إلى 275 ألف شخص في الأحياء المحاصرة. وقال مشاركون في اجتماعات جنيف إن «اللوم وجه إلى المجلس المحلي لحلب بعدم الموافقة على استقبال القوافل من حدود تركيا». لكن دي ميستورا قال إن الأمم المتحدة ليست في حاجة إلى إذن نهائي من دمشق لتوزيع المساعدة في حلب، لأنه تم وضع نظام آخر لذلك. وعبرت نحو عشرين شاحنة مساعدات الحدود وتنتظر في «منطقة عازلة» بين تركيا وسورية. ويفترض أن يسمح النظام للأمم المتحدة بمجرد «إبلاغ» الحكومة، بوصول القوافل الإنسانية إلى حلب من طريق الكاستيلو، محور الطرق الواقع شمال المدينة، حيث نص اتفاق الهدنة على «فك اشتباك» عسكري على طول طريق الكاستيلو وإقامة «نقطة مراقبة». وتنتظر الأمم المتحدة تنفيذ فك الارتباط هذا لنقل المساعدة شرق حلب.
وأعلنت موسكو الأربعاء أن الجيش النظامي سينسحب من طريق الكاستيلو صباح الخميس، لكن ذلك لم يحصل حتى بعد ظهر أمس. وقال «المرصد» إنه تم «حل عقدة انتشار القوات الروسية على طريق الكاستيلو وإبعاد فصائل متواجدة في بداية الطريق ونهايته من الطريق بعد إعادة انتشار قوات النظام». غير أن المجلس المحلي في حلب، أبلغ الأمم المتحدة بوجود «تحفظات» على تنفيذ خطة إيصال المساعدات. وقال مسؤول في المجلس: «نثق بالأطراف المعنية من باب الهوى على الحدود (مع تركيا) إلى الكاستيلو. إذ إن وجود الطرف الروسي أو النظام على الكاستيلو غير مقبول لعدم حياديتهما، ونقترح وجود الأمم المتحدة على المعبر»، مقترحاً «تسمية الأطراف المشرفة على مراقبة عملية استلام الشاحنات من مجلس حلب وليس من الحكومة السورية»، إضافةً إلى تحفظات بالمواد التي تحملها الشاحنات وهي «لا تضم المواد المتفق عليها التي هي مواد أساسية مثل الدواء والطحين والمحروقات حيث لدينا 20 ألف طفل دون سن السنتين من أصل 325 ألف محاصر شرق حلب، ما يتطلب برنامجاً زمنياً لقوافل المساعدات». كما طالب المجلس بـ «طريق أمن يسمح بحرية الحركة للناس وحالات الإسعاف وإخلاء الجرحى ومعالجتهم» علماً أن الاتفاق الأميركي - الروسي سمح بخروج المقاتلين شرط إبلاغ الأمم المتحدة.
ويعمل كيري ولافروف لتقويم واقع الهدنة والإغاثة ومباركة الاتفاق بينهما في اجتماع وزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» في نيويورك قبل لقاء وزراء للدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن الأربعاء الذي سيقدم فيه دي ميستورا رؤيته السياسية ومبادئ الانتقال السياسي، التي تشمل التأكد من حصول «انتقال سياسي لا رجعة عنه» والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية لتكون عناوين الجولة المقبلة من المفاوضات في جنيف بداية الشهر المقبل. ويسعى فريق دي ميستورا إلى ترتيب اجتماع لممثلي «منصات المعارضة» قبل المفاوضات، لتشكيل أوسع تمثيل. كما يدرس فريق المبعوث الدولي إمكان توجيه الدعوات بطريقة مختلفة عن الجولات السابقة بحيث لا تقتصر على اعتبار وفدي الحكومة و «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة «وفدين مفاوضين»، وسط اعتقاد برفض واشنطن ولندن وباريس ودول إقليمية ذلك. ويتضمن برنامج النشاطات في نيويورك أيضاً دعوة الحكومة البريطانية لمتابعة المؤتمر الدولي للمانحين الذي عقد في لندن في شباط (فبراير) الماضي وخرج بتعهدات قدرها 12 بليون دولار لمساعدة السوريين في دول الجوار لبحث مدى الالتزام بهذه الوعود من الدول المانحة.
إبراهيم حميدي: الحياة
↧