وضعت الولايات المتحدة وروسيا السوريين أمام خيارين لا ثالث لهما: الهدنة أو التقسيم. وبات الاتفاق الذي توصل له وزيرا الخارجية، جون كيري وسيرغي لافروف، بعد أكثر من خمسين اجتماعاً كأنه خلاصة نهائية، لا قبلها ولا بعدها.
حتى الآن، تبدو الهدنة صامدةً على نحوٍ نسبي، بما يفوق حسابات حتى الأطراف التي سعت إليها، وذلك عائدٌ، في صورةٍ أساسيةٍ، إلى الضغط الكبير الذي مارسته موسكو وواشنطن على النظام والمعارضة، من أجل ضبط النفس، ووقف الأعمال الحربية.
مصلحة أميركا من الهدنة أقلّ مردوداً مما تطمح إليه روسيا، وقبل كل شيء، تريد واشنطن من اتفاق اللحظة الأخيرة في عمر إدارة باراك أوباما أن تبرّئ ذمتها من وزر التقاعس والتواطؤ حيال الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام السوري خمس سنوات، وعدم قيامها بأي رد فعلٍ من أجل مساعدة شعبٍ أعزل يتعرّض للإبادة والتجويع والتهجير من وطنه، ليس على يد نظام مجرم فقط، بل بمشاركة إيران وروسيا ومليشيات طائفيةٍ لبنانيةٍ وعراقية وأفغانية وباكستانية.
والأمر الثاني الذي تراهن عليه واشنطن، كمكسب من الاتفاق، ضرب جبهة النصرة التي تعتبرها تنظيم القاعدة، ولا يفيد في ذلك تغيير اسمها، أو حتى جلدها.
من منظور موسكو، فتح الاتفاق الباب لرفع العقوبات الغربية عن روسيا، ولحلٍّ في أوكرانيا، وهذا ما كانت روسيا تصرّ عليه في الكواليس، وهو يعد أحد الأسباب التي جعلتها تندفع بقوة نحو الملعب السوري، وتدرك روسيا أن تفاوضها مع الولايات المتحدة وأوروبا، بخصوص شبه جزيرة القرم وأوكرانيا والدرع الصاروخي، مختلف كليا عنه في حال لم تجهز هذه الحملة العسكرية التي حققت نجاحات كبيرة، منها على وجه الخصوص منع نظام الأسد من السقوط، وتوجيه ضربة جسيمة للمعارضة السورية المسلحة التي بات ظهرها إلى الحائط، الأمر الذي جعل خياراتها محدودةً، وهامش المناورة أمامها شبه معدوم.
ويفيد هنا التوقف أمام جملة وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، الشهيرة "ما لم يؤخذ بحد السيف لن يعطى على طبقٍ فوق طاولة المفاوضات"، وهو يقصد بذلك رحيل بشار الأسد الذي تتمسّك به المعارضة شرطاً أساسياً لأي حل. وستكون هذه النقطة، كما جرت العادة، الأولى على جدول مباحثات الطرفين، وسيتم البدء منها في أول جولة تفاوض مرتقبة في مطلع الشهر المقبل. وهناك معلومات متداولة في الكواليس تقول إن الملاحق السرية في الاتفاق الأميركي الروسي تعطي له الحق في الترشح من جديد، وكذلك الإبقاء على رؤساء الفروع الأمنية الذين ارتكبوا مجازر بحق الأبرياء، وتقع عليهم مسؤوليات قتل قرابة نصف مليون، وتهجير ثلثي الشعب السوري، وتدمير أكثر من خمسين في المائة من سورية.
الهدنة هي الفرصة الأخيرة. هذا ما ردّده كيري ولافروف، ما يعني أن فشلها سوف يقود إلى ما هو أسوأ. وهذا ما أفصح عنه الوزير الأميركي، حين طرح عليه سؤالٌ حول البديل عن الاتفاق، واعتبر أنّ من دونه "كان العنف سيزيد بدرجةٍ كبيرة، وكان سوريون كثيرون سيذبحون، أو يضطرون للفرار من بلدهم. كانت حلب ستتعرّض لاجتياح بالكامل. وكان الروس والأسد سيواصلون قصفاً عشوائياً عدة أيام، فيما نحن نجلس هناك، ولا نفعل شيئاً". واستنتج من ذلك "أنّ الاتفاق فرصة أخيرة للإبقاء على سورية موحدة".
سيقود تفاقم الوضع إلى هذا الحد حكماً إلى الخيار المشؤوم، أي التقسيم. وهذا أمر يطمح إليه النظام والإيرانيون الذين ارتكبوا مجازر، ومارسوا سياسات التجويع، من أجل تهجير مناطق كاملة من سكانها الأصليين، بهدف إقامة ما تسمى "سورية المفيدة" التي هي كناية عن كانتون النظام برعاية طهران.
لا خيارات أمام السوريين. هدنة كاذبة أو طربوش أميركي روسي للتقسيم
بشير البكر: العربي الجديد
↧