أعاد القصف الذي شنّه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على موقع للنظام السوري في دير الزور، تسليط الأضواء على التطورات في تلك الجبهة، والتي تخوض فيها أطراف متعددة معارك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). فيما لا يزال الغموض يلف الغارة الأميركية، في ظل شكوك حول أعداد القتلى المعلنة.
تطورات عديدة شهدها جبل ثردة جنوب مدينة دير الزور، والذي استهدفت قوات التحالف موقعاً للنظام فيه بـ"الخطأ"، إذ اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات النظام وعناصر "داعش" تخللها تبادل للسيطرة على الجبل الاستراتيجي، وعمليات قصف أميركية وروسية على المنطقة، قبل أن يستعيد النظام السيطرة عليه، كما أعلنت وكالة "سانا" التابعة له. وكان عناصر "داعش" قد شنوا هجوماً عنيفاً على مواقع النظام في جبل ثردة وكتيبة المدفعية قرب مطار دير الزور العسكري عصر السبت ليعلن التنظيم مع حلول المساء سيطرته الكاملة على جبل ثردة الذي يشرف على مطار دير الزور وعلى كتيبة المدفعية، قبل أن يستعيد النظام سيطرته على هذه المواقع. فيما أعلنت وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم أن الأخير أسقط طائرة حربية تابعة للنظام أمس الأحد فوق جبل ثردة، وهو ما أكده أيضاً المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي قال إن الطائرة هي من طراز "ميغ 23" وقد قتل قائدها، وهو ضابط برتبة عقيد.
فيما أثار اللغط والاتهامات التي رافقت التطورات في جبل ثردة بين كل من الولايات المتحدة وروسيا والنظام السوري، وأعداد القتلى من قوات النظام نتيجة غارات التحالف الدولي، شكوكاً عميقة في أوساط المعارضة السورية التي أعربت عن عدم اقتناعها بالروايات المقدّمة من الروس والأميركيين لما حدث. وأدت الغارات إلى مقتل نحو 90 عسكرياً سورياً، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، وأكثر من 60 عسكرياً بحسب وزارة الدفاع الروسية، فيما أفادت مصادر أخرى عن أعداد مختلفة للقتلى.
وفي هذا السياق، قال الناشط من دير الزور، رامي العساف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المنطقة شبه صحراوية ولا يمكن قتل كل هذا العدد الكبير بصاروخين، كما أن قوات النظام هناك تعمل بأسلوب المخافر، أي أنها مشتتة وليست مجمعة في مكان واحد، مشيراً إلى أن الاشتباكات في المنطقة تدور بشكل شبه يومي بين الطرفين منذ احتلال تنظيم "داعش" لدير الزور، حيث سيطر على المنطقة مرات عدة واضطر للانسحاب تحت ضغط ناري كثيف من قوات النظام.
ونقل العساف عن مصدر من المستشفى العسكري في دير الزور الواقع تحت سيطرة قوات النظام أن عدد قتلى قوات النظام في الغارات الأميركية هو 17 عسكرياً فقط. ورأى العساف أن الشرق السوري ودير الزور بالذات، منطقة مستثناة من أي هدنة، متوقعاً أن تشهد المدينة خلال الفترة المقبلة مجازر كبيرة بحق من بقي من المدنيين فيها بحجة محاربة تنظيم "داعش".
وفي هذا الإطار، طالب رئيس الائتلاف الوطني السوري، أنس العبدة، الأمم المتحدة بحماية المدنيين في دير الزور، نتيجة استهدافهم من قبل قوات النظام وتنظيم "داعش" في آن واحد. وقال العبدة خلال اجتماع مع ممثلين عن مبادرة "الملتقى التشاوري لمحافظة دير الزور"، إنهم سيبحثون رفع المعاناة عن المدنيين في جميع المناطق السورية، وستكون الأولوية لسكان دير الزور.
وكان ستة عشر مدنياً قُتلوا خلال الأيام الأخيرة جراء قصف جوي روسي بالقنابل العنقودية، على مناطق عدة في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي، بينما قُتل وجرح مدنيون بقصف لتنظيم "داعش" في ثاني أيام عيد الأضحى استهدف أحياءً سكنية خاضعة لسيطرة قوات النظام في مدينة دير الزور، فيما أعدم التنظيم "نحراً" في أول أيام عيد الأضحى، 15 شاباً في ريف دير الزور بتهمة "التجسس لصالح التحالف".
من جهته، رجح قائد ميداني في فصيل عسكري سوري معارض أن تكون المبالغة الروسية في أعداد قتلى النظام جراء الغارات الأميركية على موقع ثردة مقصودة، وذلك بهدف إحراج الجانب الأميركي، ودفعه إلى تفعيل عمليات التنسيق والتعاون العسكري بين البلدين في سورية. ورأى أن مسارعة الروس إلى رفع القضية إلى مجلس الأمن، تشير من جهة أخرى إلى أجواء عدم الثقة العميقة بين موسكو وواشنطن، وهو ما يلقي بظلال من الشك على مصير الهدنة المعلنة برمتها، ويجعل من نهايتها رسمياً مسألة وقت ليس إلا، ولو أنها عملياً باتت بلا معنى تقريباً حيث تواصل قوات النظام عملياتها العسكرية في معظم أنحاء البلاد.
ويمثل جبل ثردة نقطة استراتيجية تشرف على مطار دير الزور الذي يُعدّ شرياناً حيوياً لإمداد المدينة وقوات النظام الموجودة فيها. وقال الضابط المنشق عن النظام الرائد حسام عسكر، وهو أحد أبناء دير الزور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الموقع الذي استُهدف في الغارات الأميركية هو نقطة حراسة ودفاع عن مطار دير الزور العسكري ضد الهجمات المحتملة من جهة البادية، أي الجهة الجنوبية الغربية لمطار دير الزور العسكري، وقد استُحدث منذ حوالي عامين. وأوضح أن الهدف من استحداثه هو استخدام هذه السلسلة المطلة على المطار للرصد والمراقبة، وإبعاد فصائل المعارضة عن المنطقة التي كانت تستغلها لاستهداف الطائرات عند الإقلاع والهبوط، وأيضاً الطائرات الجاثمة، مما أدى إلى تعطيل حركة الطيران، وتدمير بعض الطائرات وبرج القيادة والسيطرة على نقاط من المطار في إحدى المرات ومستودع للذخيرة. ولفت إلى أن "السيطرة على جبل ثردة والصمود فيه أمر صعب جداً، لأنه عبارة عن أرض منبسطة مكشوفة، يمكن استهدافها بسهولة من قبل الطيران الحربي والمدفعية وراجمات الصواريخ".
وشهدت جبهات مدينة دير الزور وجبل ثردة خلال الأسابيع الماضية اشتباكات عنيفة بين عناصر "داعش" وقوات النظام، مع محاولة التنظيم التقدّم إلى داخل المدينة من محور البانوراما في الجنوب، ومن جبل ثردة، معتمداً أسلوب العمليات الانتحارية ضد مواقع قوات النظام، ولكنه لم يتمكن من تحقيق تقدم ملموس. ويسيطر التنظيم على كامل محافظة دير الزور باستثناء مطار دير الزور العسكري، وأجزاء من مدينة دير الزور، حيث مركز المحافظة.
المصدر: العربي الجديد - عدنان علي
↧