في الرابع عشر من آب/أغسطس زار جوان يوفاي، العميد البحري ببحرية جيش التحرير الشعبي الصيني، العاصمة السورية دمشق، حيث تم اصطحابه في جولةٍ حول المدينة تحت حراسةٍ مشددة. تورد تقارير أن زيارة جوان تضمنت لقاءاتٍ مع قادة عسكريين كبار وضباط روس، بالإضافة إلى تعهداتٍ بأن الجيش الصيني سوف يوفر تدريبًا طبيًا للأطقم الطبية السورية. السؤال هو ما الذي دفع الصين إلى زيادة انخراطها الآن؟
أسفر القمع الصيني في شينجيانغ، عن سعي بعض "الأويغور" المسلمين إلى الهرب منها، وبعضهم وجد طريقه إلى تركيا ومنها إلى سوريا للقتال
في مقالٍ بمجلة ناشونال إنترست الأمريكية، يشرح مايكل كلارك، الأستاذ المساعد بكلية الأمن القومي بالجامعة الوطنية الأسترالية، ورافايلو بانتوتشي، مدير دراسات الأمن العالمي بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، الدوافع التي أدت إلى ذلك.
تتناقض زيارة جوان مع النهج الصيني السابق خلال الأزمة السورية. بينما كانت الصين إحدى القوى الدولية القليلة التي أبقت على سفارة في دمشق طوال الأزمة الحالية، إلا أن انخراط الصين كان محدودًا إلى حدٍ كبير، وتركز بالأساس على محاولاتٍ من وزارة الشؤون الخارجية الصينية لإقحام نفسها في مفاوضات السلام وتعبيراتٍ متفرقة عن القلق بشأن ظهور مواطنين لها على ساحة المعركة (سواء كرهائن أو مقاتلين). ارتكز ذلك النهج على عدة دوافع، من بينها مبدأ "عدم التدخل" الصيني، والنفور مما تراه الصين كتغييرٍ للنظام يقوده الغرب على هيئة تدخلٍ إنساني، ورغبة صينية في عزل مصالحها الاقتصادية المتنامية في الشرق الأوسط عن التبعات المستمرة للربيع العربي.
يرى الكاتبان أن ذلك النهج قد يكون في طريقه إلى التغير. بدأت الصين المشاركة في العديد من المناقشات الدولية حول مكافحة الإرهاب، وداعش على وجه الخصوص. اشتركت الصين في المنتدى الدولي لمكافحة الإرهاب واستضافت جلساتٍ حول استخدام الإرهابيين للإنترنت، بينما انخرطت في مناقشاتٍ بالداخل حول زيادة المساهمة في جهود مكافحة الإرهاب، كما سعت أيضًا إلى إنشاء قواعد بالخارج في جيبوتي. في أفغانستان المجاورة، أقامت الصين تحالفًا إقليميًا بين أفغانستان وطاجيكستان وباكستان والصين لمناقشة وتنسيق المعركة ضد الجماعات الإرهابية والمسلحة في المنطقة. تلقي جميع تلك التحركات الضوء على الدرجة التي تخرج بها الصين ببطء أجهزتها الأمنية إلى العالم في وضعٍ أكثر شراسة عما قبل. في ذلك الضوء، تعد زيارة جوان إلى الصين قطعة أخرى من الأحجية، والأكثر طموحًا من عدة زوايا حتى الآن بالنسبة إلى قوةٍ فضلت تاريخيًا لعب دورٍ أكثر تحفظًا في معالجة الأسئلة العسكرية الصعبة.
بالنظر إلى السياق السوري تحديدًا، يتابع المقال، هناك سببان رئيسيان لقرار الصين لعب دورٍ أكثر مباشرة فيما يتعلق بانخراطها في سوريا. الأول هو تخوف الصين من تواصل مسلحي الأويغور من إقليم شينجيانغ المضطرب مع المشاركين في النزاع السوري، بينما الآخر هو رغبتها في استقرارٍ جيوستراتيجي في الشرق الأوسط بينما تسعى إلى تحقيق استراتيجية "حزام واحد طريق واحد" الخاصة بها.
فيما يتعلق بالسبب الأول فإن وجود الحزب الإسلامي التركستاني على أرض المعركة في سوريا له أهميةٌ خاصة. يعتبر الحزب الإسلامي التركستاني خليفة لحركة شرق تركستان الإسلامية، وهي حركة حملتها الصين مسؤولية العنف المرتبط بشينجيانغ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ادعت الصين أن القاعدة "مولت ودعمت" حركة شرق تركستان الإسلامية مباشرةً، وبينما كان حجم دعم القاعدة المباشر للحركة محل جدل على نطاقٍ واسع، إلا أن العلاقة بينها وبين القاعدة قد ازدادت قوة منذ ذلك الحين، مع ضم الحزب الإسلامي التركستاني المزيد من المقاتلين الأويغور بدايةً من عام 2009 وإشادة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بمساهمات الأويغور في الجهاد العلمي في رسالةٍ صدرت مؤخرًا.
أسفر القمع الصيني في شينجيانغ، خاصةً بعد أعمال الشغب والعنف العرقية في العاصمة أورومكي في يوليو 2009، في تكون ما أطلق عليه الإعلام الرسمي الصيني "خط سكة حديد تحت أرضي" من الأويغور الساعين إلى الهرب من المنطقة. بعض هؤلاء وجدوا طريقهم في النهاية إلى تركيا ومن ثم إلى سوريا للقتال مع الحزب الإسلامي التركستاني والجماعات الجهادية الأخرى.
بحلول عام 2015 كان الحزب الإسلامي التركستاني قد أسس وجودًا موثقًا على ساحة المعركة في سوريا، مع إصدار المنظمة لعددٍ من مقاطع الفيديو تحوي تفاصيل دورها القتالي إلى جانب جبهة النصرة، والتي كانت حتى وقتٍ قريب الفرع السوري لتنظيم القاعدة (لا يحارب الحزب الإسلامي التركستاني إلى جانب داعش، حيث أصدرت قيادته بياناتٍ تدين فيها أفعال التنظيم). يُظهر الحزب الإسلامي التركستاني أكثر فأكثر أنه قوة فعالة، حيث اشترك في عدة معارك كبرى (من بينها كسر حصار حلب) ويستعرض مهارته وعدته وعتاده.
تاريخيًا، لم يكن للصين الكثير من المصالح الاقتصادية في سوريا، الدولة التي كانت قبل الحرب الأهلية أكثر ارتباطًا اقتصاديًا بمنطقتها وإيران وروسيا. مؤخرًا، استمرت الصين في لعب دورٍ من الدرجة الثانية. بينما انضم عدد من مواطنيها إلى داعش، وتعرض آخرون للخطف والقتل من قِبل التنظيم، وتهديده لها في بعض بياناته، إلا أنها لا تبدو محل اهتمامٍ كبير للتنظيم.
بكين قد تكون توصلت الآن إلى استنتاج أن دعم الأسد والانحياز إلى روسيا هو أكثر الخيارات قابلية للتطبيق لمحاربة نمو الحزب الإسلامي التركستاني
على الجانب غير الداعشي الذي يقاتل النظام، تبدو الأعداد التي تقاتل إلى جانب الحزب الإسلامي التركستاني كبيرة، بينما تستمر قيادة المنظمة ونواتها في القتال في أفغانستان. حسب السلطات القيرغيزية، قد يكون ذلك الارتباط قد نما لينتج عنه الهجوم الذي وقع في أواخر أغسطس على السفارة الصينية في بيشكك.
وبالتالي فإن ذلك التهديد من الحزب الإسلامي التركستاني تحديدًا يصبح مصدر قلق أكبر بكثير لبكين. لكن من غير الواضح من الذي يركز على محاربة المنظمة على الأرض في سوريا. تركز القوى الغربية التي تحارب في سوريا على داعش بينما لا تمنح الكثير من الاهتمام للفصائل التي تحارب نظام الأسد، مثل الحزب الإسلامي التركستاني. أثار قرب تركيا التاريخي من قضية الأويغور قلق بكين؛ حيث إن الأويغور هم شعب ثقافته ولغته قريبة للغاية من الثقافة واللغة التركيتين، وعادةً ما تكون أعلام ورموز الأويغور حاضرة في تظاهرات حزب العدالة والتنمية. عبر أردوغان ذاته عن دعمه لقضية الأويغور، ووصف النشاط الصيني على الأرض، في عام 2009، بأنه "نوعٌ من المذبحة".
منذ عام 2012، تم اكتشاف سفر أفراد من الأويغور بجوازات سفر تركية مزورة في بلدان عبور مثل ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند، ما أثار أسئلة بشأن وجود تواطؤٍ تركي. تظهر وثائق مسربة لداعش تدفق مستمر للأفراد من خلال كوالالمبور، إلى جانب مسارات جنوب شرق آسيوية أخرى إلى تركيا.
فيما يتعلق بالسبب الثاني، فإن بكين تواجه عدة تحديات في الشرق الأوسط الحالي لاستراتيجية "حزام واحد طريق واحد" الخاصة بها. باختصار، "حزام واحد طريق واحد" هو محاولة بكين لتسهيل التواصل الاقتصادي الأوروآسيوي من خلال إنشاء شبكة من البنية التحتية والطرق التجارية التي تربط الصين بجنوب ووسط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. تظهر أجزاء رئيسية من المشروع، مثل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني البالغ تكلفته 45 مليار دولار وخط القطار فائق السرعة بين ييوو وطهران، حسب جيمس دورسي، "الجانب السياسي وراء مبادرة حزام واحد طريق واحد. يعتقد شي جين بينغ أنه يمكنه تحقيق هيمنة صينية من خلال الاستثمار والبنية التحتية المتصلة فيما بينها".
لكن التفكك الحالي للشرق الأوسط كنتيجةٍ للأزمة السورية يشكل عقبة رئيسية أمام قدرة الصين على تحويل تلك الرؤية إلى واقع. في ذلك السياق، ترى الصين أن نهج الولايات المتحدة تجاه سوريا تدفعه رغبة واشنطن في استخدام الحرب الأهلية كمبرر لإسقاط نظام الأسد من أجل إضعاف قوة إيران ونفوذها المتناميين في الشرق الأوسط. في المقابل، كانت روسيا حازمة في التزامها باستئصال ما تسميه التهديد "الإرهابي" هناك دعمًا للنظام في دمشق، وقد أُبهرت بكين بالأثر الذي حققته التحركات الروسية الحازمة والذي فشلت أعوام من الاستنزاف في ساحة المعركة في تحقيقه.
لذا فإن بكين قد تكون توصلت الآن إلى استنتاج أن دعم الأسد والانحياز إلى روسيا هو أكثر الخيارات قابلية للتطبيق لمحاربة نمو الحزب الإسلامي التركستاني على نحوٍ فعال. يمكن أيضًا رؤية زيادة انخراطها في سوريا من خلال التعاون العسكري المتبادل في السياق الأكبر لرغبة جيش التحرير الشعبي في تطوير خبرته بالخارج، في مجالاتٍ تتراوح ما بين حفظ السلام ومهمات مكافحة القرصنة إلى مكافحة الإرهاب.
جادل ديفيد شمبو ببلاغة في 2013 بأن الصين تظل "قوة جزئية"، تجعل دبلوماسيتها "ما هي ضده معروفًا، لكن نادرًا ما تفصح عما تؤيده"، وأن ذلك جعل سياستها الخارجية في مناطق عديدة من العالم "مترددة ومتجنبة للمخاطر وضيقة المصلحة الذاتية". تتغير تلك الحسابات الآن تحت ضغط التطورات في الشرق الأوسط وأفغانستان التي تهدد مباشرةً المصالح الصينية الأساسية وتنتقل كالخلايا السرطانية لتصل إلى التهديد الإرهابي الذي قالت الصين طويلًا إنه يقلقها. رد الفعل الصيني متوقعٌ نسبيًا، وهو دفعة أمنية إلى الخارج. لكن السؤال الذي يظل يطرح نفسه هو إلى أي مدى ترغب الصين في الغوص في مياهٍ مضطربة من أجل الدفاع عن مصالحها.
ترجمة عبدالرحمن رضوان: صوت الترا
↧