كانت حلب امس تحت حرب الابادة المتواصلة، فيما تقف القوى المعنية بالأزمة السورية عاجزة او متواطئة ولا مغيث للمدينة ولثورة الشعب السوري. وتواصلت المعركة التي اشعلتها روسيا والنظام السوري وحلفاؤهما في حلب وسط ترقب لمجرياتها التي بلغت حدودا غير مسبوقة من العنف والمجازر في الساعات الأخيرة، جراء استخدام اعنف أنواع الأسلحة الجوية والبرية بهدف تعزيز الحصار على المناطق الشرقية للمدينة. ومع استخدام الطائرات للقنابل العنقودية وصواريخ ارتجاجية تسوي المباني بالأرض، قتل اكثر من 90 شخصا امس، فيما سيطر النظام والميليشيات الموالية له على مخيم حندرات شمال حلب.
وعلمت القبس من مصدر أوروبي رفيع، أن الجانب الروسي كان قد أبلغ الجانب الأميركي وبعض الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية بأن «على المدنيين الخروج من المناطق شمال وشرق حلب، وعلى المعارضة هناك الانفصال عن جبهة فتح الشام وتسليم أسلحتها، والا فان الجانب الروسي سيجبرها على ذلك خلال أسبوعين».
وأشار المصدر الى أنّ الجانب الأميركي «لم يعلّق على الأمر، ولكنّه طرح حينها موضوع الهدنة من أجل محاولة الالتفاف على التهديد الروسي، مع الإشارة الى أن وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري كان يعلم تماما بأن حظوظ نجاح الهدنة تكاد تكون ضعيفة إن لم تكن معدومة».
ولفت المصدر الى أن «طريق الكاستيلو كان يشكل محور اهتمام للجانب الروسي، الذي أكد ضرورة تأمين هذا الطريق عبر تعاون أميركي – روسي مشترك، وذلك لمنع المعارضة السورية من الحصول على أي دعم، لكن الجانب التركي رفض أن يتم نشر قوات أجنبية على معابره أو السماح لقوات أميركية – روسية مشتركة بتفتيش الشاحنات التي تدخل الى سوريا عبر أراضيه».
وفيما تلاشت الآمال في تحقيق انفراج دبلوماسي بين روسيا والولايات المتحدة، كشفت موسكو عن اعتذار أميركي للرئيس بشار الأسد عن غارة دير الزور.
ومع بداية موسم المطر أمطرت السماء لهباً على حلب، فزلزلت بنيانها فوق رؤس قاطنيها، حيث تصاعدت الحرب السورية بشكلٍ مفاجئ، وشنت مقاتلات النظام السوري وحلفائه الروس هجمات جوية شرسة على احياء المدينة الشرقية، حيث حصدت اكثر من 90 قتيلاً امس، بينهم أطفال ونساء، جراء القنابل العنقودية، وأصيب العشرات أيضا بجروح، فيما آخرون ما زالوا عالقين تحت الأنقاض. وقد سقط أكبر عدد من القتلى في منطقة أرض الحمرا شمال حلب، وفي حي الصاخور، وحي بستان القصر، حيث استهدف الطيران الروسي سوقا لبيع الخضروات.
وشمل القصف أسواقا شعبية ومخابز، في حين قال مصدر عسكري للنظام انه لا يتم استهداف المدنيين، وبين القتلى أشخاص كانوا من القلائل الذين خرجوا لشراء الغذاء وقتلوا، بينما كانوا ينتظرون دورهم أمام احد المخازن لشراء اللبن في حي بستان القصر.
وأظهر شريط فيديو مباني محترقة بعد غارة جوية على حي المواصلات، حيث هزّت التفجيرات الأرض، وانكمش الناس في منازلهم، وباتت الشوارع وعِرة وغير صالحة للسير.
وتحدث سكان وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عن «صواريخ جديدة» تسقط على حلب، وتتسبب بما يشبه «الهزة الارضية». وقال مراسل فرانس برس ان تأثيرها مدمر، إذ تتسبب بتسوية الأبنية بالأرض وبحفرة كبيرة «بعمق خمسة أمتار تقريباً» شاهدها في بعض أماكن سقوط الصواريخ.
المسعفون عاجزون
ويقول مُضر شيخو، وهو ممرّض في مشفى الدقاق بحلب: «لا تعلم إذا كنتَ ستبقى على قيد الحياة أم لا». وأدّت الغارات إلى دفن السكّان بين الركام، بينهم طفل في حيّ المرجة بحلب. فيما بات متطوعو «الخوذ البيضاء»، الدفاع المدني، مع كثافة الغارات، عاجزين عن التحرك، ولم يتبق لهم سوى سيارتين للاسعاف تجدان صعوبة في التحرك بسبب نقص المحروقات والركام المتناثر على الارض.
نقص المياه
وحولت الغارات وقف أطلاق النار إلى مجرد ذكريات باهتة. وقالت الأمم المتحدة أن القصف أثر على حياة نحو مليوني شخص، ومنع عنهم المياه، حيث باتت المدينة بأكملها من دون مياه بعد قصف النظام احدى محطات الضخ، وتعطيل الفصائل العمل في محطة اخرى انتقاما.
وأفادت هناء سنجر، ممثلة اليونيسيف بسوريا، أن الهجمات أتلفت محطات معالجة المياه، التي تمد حلب الشرقية بالمياه، مما أدى إلى توقّف ضخ المياه إلى 1.5 مليون ساكن في الجزء الغربي منها ايضاً. وأضافت أن على السكان الاعتماد على مياه الآبار، التي غالباً ما تكون ملوثة، مما يزيد من مخاطر تفشي الأمراض.
في حين قال ناشط طبي: «يبدو الأمر كما لو أن روسيا والنظام استخدما الهدنة فقط لصيانة أسلحتهم، والتخطيط للأهداف المقبلة. يبدو اليوم في حلب، وكأنه يوم القيامة».
وتحدث مراسل لوكالة فرانس برس عن أشلاء بشرية وبرك من الدم، بينما اكتظت العيادات بأعداد كبيرة من الجرحى.
حندرات
وشهد مخيم حندرات معارك كر وفر بين النظام والمعارضة التي اعلنت أنها استعادت السيطرة عليه بعد أن سيطر النظام والميليشيات الموالية له، وبدعم جوي روسي صباحاً على المخيم، وجاءت هذه السيطرة نتيجة لقصف مكثف استمر لساعات.
وتمثل السيطرة على مخيم حندرات أول تقدم بري كبير للنظام، وهو على ربوة مرتفعة تشرف على أحد الطرق الرئيسية المؤدية لحلب. وظل في قبضة مقاتلي المعارضة لسنوات.
وتشكل حلب الجبهة الابرز في النزاع السوري، وهي الاكثر تضررا منذ اندلاعه عام 2011. ومن شأن أي تغيير في ميزان القوى في المدينة أن يقلب مسار الحرب. وقال قائد جماعة عراقية مقاتلة موالية للنظام إن الهدف هو السيطرة على حلب بأكملها خلال أسبوع، في حين قال دبلوماسي غربي إن السبيل الوحيد لسيطرة النظام على المنطقة بسرعة هو تدميرها بالكامل «بطريقة فظيعة ووحشية ستترك آثارا لأجيال».
بدوره، أشار جان مارك أيرولت، وزير خارجية فرنسا إلى أنه يخشى من أن الشلل الدبلوماسي يعكس التعب المتزايد من الوحشية اليومية، التي تُمارس في سوريا. ووجّه سؤالاً: «هل سنعتاد هذا؟ دعونا لا نسمح بأن تصبح حلب غرنيكا القرن الـ21».
في اشارة إلى هجوم جوي على قرية غرنيكا الواقعة في إقليم الباسك خلال الحرب الأهلية الأسبانية في 26 أبريل 1937.
الفشل والتعنت الروسي
ومع تكثيف الغارات تلاشت الآمال في تحقيق انفراج دبلوماسي بين روسيا والولايات المتحدة، واتفق وزيرا خارجية اميركا جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف على مواصلة الحوار رغم فشل المحادثات في نيويورك، من أجل ايجاد وسيلة لاحياء الهدنة. ومن المنتظر ان يلتقي كيري في بوسطن نظراءه الايطالي والبريطاني والفرنسي والالماني، من اجل البحث في الوضع. في المقابل، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف امس أن موسكو لن تنظر بجدية في طلبات وقف أعمال الطيران الروسي والسوري بشكل أحادي الجانب. واضاف «إذا كان الأمر سيتلخص مجددا في الطلب من القوات الجوية الروسية والقوات الجوية السورية القيام بخطوات أحادية الجانب للتوقف لمدة 3 ــ 4 أيام، لإقناع المعارضة بالابتعاد عن جبهة النصرة.. فلن نأخذ هذه الأحاديث على محمل الجد». وأضاف «أنه لا مجال لاستئناف الهدنة في سوريا إلا على أساس العمل الجماعي.
(دمشق – ا ف ب – رويترز)
القبس – خاص
↧