تحت عنوان "جمال وطروب"، قدّم "مترو المدينة" سلسلة حفلات أحيتها ياسمينا فايد و ايلي رزق الله مع فرقة موسيقية مكوّنة من أربع عازفين. شكّلت هذه الحفلات عودة إلى زمن سطع فيه نجم هذا الثنائي الذي ولد بعد زواج محمد جمال من طروب في العام 1957، وتألق في حفلات "أضواء المدينة" أيام "الجمهورية العربية المتحدة". في نيسان-أبريل 1955، نشرت مجلة "السينما والعجائب" صورة لمطرب لبناني جديد يحمل اسم محمد جمال، ووصفته بـ"كوكب السينما المنتظر الذي اتفقت معه شركة سينمائية لبطولة فيلمين". بعد ثلاثة شهور، نشرت مجلة "الموعد" صورة أخرى للمطرب اللبناني برفقة شقيقته التي احترفت الغناء كذلك، وقالت في تعليقها: "تستقبل القاهرة هذا الشهر وجهين جديدين من لبنان سوف يأخذان طريقهما إلى التألّق على الشاشة السينمائية المصرية التي مضى عليها زمن طويل دون أن ترى وجوهاً لبنانية تشرق عليها، فستغادرنا المطربة فاتن جمال وشقيقها المطرب الأنيق محمد جمال للقيام بدورين هامين في فيلم ينتجه ويخرجه الأستاذ حلمي رفلة. ويؤكد الذين رأوا فاتن ومحمد جمال من رجال السينما انهما لن يعودا من القاهرة إلا بعد أن يحملا على كتفيهما أمجاداً سينمائية ضخمة". اختفى أثر فاتن جمال، وظهر شقيقها في في فيلم "الأرملة الطروب" الذي أدت بطولته ليلى فوزي مع كمال الشناوي، وفيه غنى المطرب الجديد باللهجة المصرية "آمين يا ناس"، وبالفصحى "أشرقت الأنوار"، ثمّ غاب عن الشاشة، وعاد إلى بيروت ليكمل مشواره في الإذاعة اللبنانية التي انطلق منها في العام 1954. في لبنان، التقى محمد جمال بمطربة جديدة تحمل اسم طروب، عملت سبعة شهور كمردّدة في كورس إذاعة دمشق، ثم انتقلت إلى صالة منصور الشهيرة حيث غنت منفردة العام 1956. أعجب الفنان الشاب بهذه الصبية، وأهداها لحناً سُجّل في إذاعة لبنان، وبهذه الأغنية بدأ التعاون الفني بينهما. انتقلت طروب إلى لبنان للعمل في مصيف حمانا، وتكرّر اللقاء بينها وبين محمد جمال، واتفّقا على الزواج. في هذه الفترة، وقّع المطرب والملحّن الشاب مع الإذاعة اللبنانية لإنجاز برنامج "ابو زيد الهلالي" الذي ضمّ ستّة وثلاثين لحناً، فرشّح طروب للعمل معه. تقاضى الفنان الشاب لقاء هذا العمل أجراً سمح لهما بالزواج في وقت قصير، فتمّ الزفاف في العام 1957. واستعادت طروب قصة هذا الحب في مقالة نشرت في "الكواكب" في ايلول/سبتمبر 1959، وختمت هذه القصة بقولها: "تم الزواج في آخر الأمر، وكانت سعادتي غامرة. كنت أشعر انني أسعد إنسانة في الوجود لأنني استطعت أن أتزوج الرجل الذي أحبه، وأنا الآن في قمة سعادتي، بل إن هذه السعادة تزداد يوماً بعد يوم". شكّل الزوجان ثنائياً حمل اسم "جمال وطروب"، وسافرا إلى القاهرة حيث نافسا ثنائياً آخر جاء من سوريا وعُرف باسم "ضياء وندى". قبل "جمال وطروب"، شكّل محمد سلمان و نجاح سلام ثنائياً سطع نجمه أيام "حفلات التحرير" وتألق في ليالي "اضواء المدينة"، يوم اتحدت مصر وسوريا في جمهورية واحدة. وشهدت الساحة الفنية المصرية في هذه الحقبة بزوغ "الثلاثي الطروب" الذي رعاه الموسيقي علي اسماعيل ، وبعده "الثلاثي المرح" ثمّ "ثلاثي النغم". غنى جمال وطروب في حفلات "أضواء المدينة"، واشتهرا بأغنياتهما الثنائية التي جمعت بين اللون المصري واللون "الشامي". لحّن محمد جمال هذه الأغاني التي طبع بعضاً منها على اسطوانات، ومنها "قول كمان" من كلمات سيد مرسي، "أنا درويش" من كلمات ميشال طعمة، "اطلبي واتمني" كلمات إمام الصفاوي، "نوّر يا فانوس" كلمات علي السوهاجي، "دقة قلب" كلمات أحمد اسماعيل، "وحياتك أنا قلبي على نار" كلمات جمال صالح، و"ياختي عليه" كلمات سيد بدر. حققت هذه الأغاني نجاحاً كبيراً ساهم في ظهور الثنائي مع سعاد حسني و رشدي أباظة في فيلم "هاء 3" العام 1961. ارتبط نجاح "جمال وطروب" بحفلات "أضواء المدينة"، وبات من شواهد الوحدة العربية، ويتجلّى هذا الارتباط في كلمة كتبها صالح جودت في "الكواكب" في آذار/مارس، وفيها قال معرّفاً بطروب، عند انطلاق ثنائي "جمال وطروب": "قبل أن أحدثكم عنها، أحب أن أحدثكم عن أمها وأبيها. أمها، جاءت من أب سوري كردي وأم تركية. وأبوها شركسي، ولد داخل حدود روسيا، ثم ذهب إلى تركيا وأقام في اسطنبول، ثم نزح إلى الأردن وحمل الجنسية الأردنية. أما هي، فقد نشأت أردنية، ثم دبت الفرقة بينها وبين أبيها وأمها، فنزحت بها أمها إلى سوريا، وأصبحتا سوريّتي الجنسية. وتوحّدت مصر وسوريا فأصبحت هي تحمل جنسية الجمهورية العربية المتحدة. ثم تزوجت لبنانياً، فدخلت صورتها في جواز سفره، وأصبح لها حق الانتقال بجواز سفر لبناني، من دون أن تفقد جنسية الجمهورية العربية المتحدة. ما رأيكم بهذه الغزوة؟ هذه الغزوة الجميلة اسمها أمل جركس. هذا هو اسمها الذي ولدت به. لكن لها اسماً فنياً، اتّخذته يوم غنت في الإذاعة السورية للمرة الأولى، هو طروب. وطروب تغني الآن على مسارح القاهرة مع زوجها محمد جمال، وطروب وجمال يؤلفان الثنائي الذي سمعناه وطربنا له في الأسبوع الماضي، في بيت محمد عبد الوهاب، حين أقام حفلة استقبال أنيقة للشاعر الكبير عمر ابو ريشة، سفيرنا إلى الهند. هذه الغزوة ستنجح وتلمع". نجحت هذه الغزوة، وتابع جمال وطروب مسيرتهما في الستينات، واشتهرت المغنية الشابة في ذلك الزمن بصورها المكرّرة بلباس البحر في المجلات، وأظرف ما قيل في هذا المجال تعليق لمجلة "الموعد" في صيف 1960: "أصبحت طروب تشاهد كل يوم في النهار على شاطئ البحر في بيروت، وفي الليل على المسرح في مدينة الوقار والحشمة دمشق. ولا نعرف إذا كانت المطربة الشابة ستظل تقطع الطريق بين دمشق وبيروت ذهاباً وإياباً، لكن الذي نعرفه أن عمّ طروب من الذين يعتبرون أن ذهاب السيدة إلى البحر وعرض محاسنها أمام الرجال إنّما هو عمل من رجس الشيطان، ولهذا بات من المنتظر أن تفاجأ طروب بالعمّ الفاضل وهو ينتظرها على الشاطئ ليعيدها إلى دمشق، حيث الحرّ والكسل". انفصل محمد جمال وطروب في العام 1964، وبانفصالهما انتهى عهد الثنائي الفني الذي صنع شهرتهما الأولى، وقالت المغنية اللعوب بعد ثلاث سنوات "انها طلبت الطلاق ورغبت فيه، إلا انها أصيبت بصدمة بعد أن تمّ الطلاق". تابع محمد جمال طريقه بمفرده، وتابعت طروب مشوارها بمفردها، وغنّت من ألحان أشهر ملحني جيلها في سوريا ولبنان، كما خاضت تجربة التلحين، ولحّنت عديدة أغاني تعتبر من أحلى أغانيها، وأشهرها "يا حلاق"، "عثمان آغا"، "قلّو أمان يا دكتور"، و"أبو زيد الهلالي". بعد مرور خمس سنوات على طلاقهما، عاد الثنائي واجتمع من جديد في اغنية من كلمات محمد سعد لحّنها كالعادة محمد جمال، وصدرت هذه الأغنية على أسطوانة بعنوان "التلفون"، غير أنها لم تحقق النجاح الذي عرفته أغاني "اضواء المدينة".
المصدر: المدن - محمود الزيباوي
↧