قررت الحكومة التركية دمج مئات الآلاف من الطلاب السوريين في المدارس التركية بشكل تدريجي في خطة تهدف إلى دمج جميع الطلاب من بداية المرحلة الابتدائية وحتى نهاية المرحلة الثانوية خلال الأعوام الثلاثة القادمة. طبعاً لن أتكلم عن طمس الهوية السورية, فقد تبين لي من خلال السنوات الست في الثورة السورية المباركة أن هويتنا السورية كانت أساساً مطموسة منذ عهد المعلم الأول حافظ الأسد الذي استطاع على مدى سنوات حكمه تشويه منظومة العقل السوري وأورث لخلفه طريقة التحضير والخلطة السرية لهذا الأمر, وهذا ما اتضح جلياً في ما بعد وخصوصاُ في التعاطي مع أعظم ثورة في التاريخ الحديث, فكل منا استل سلاحاً ان لم يكن مذخراً بالرصاص والقذائف, كان مذخراً بالتخوين والتلفيق والتحريض, وعوضاً أن نكرس رأينا ومبادئنا للتحضير من أجل مستقبل سورية ومستقبل أجيالها, قمنا بالتخطيط لما احترفنا به على مدى سنوات طويلة ألا وهو الإجهاز على ما تبقى من البنية الاجتماعية السورية.
فبينما كان وطننا السوري يعاني من حرب استمرت لعدة سنوات بين شعب أراد الحرية والكرامة وبين نظام مجرم باع نفسه للشيطان, وبينما سياسات الدول العالمية تعمل لمصالحها وتوافقت فيما بينها سراً على تقويض الثورة وحصارها تمهيداً للقضاء عليها, كنا نحن أيضاً في بلاد اللجوء نعمل داخل حرب خفية لا تقل شراسة لم يتضرر منها إلا بضعة ملايين من السوريين فقط, ودائماً الأطفال السوريين هم الخاسر الأول والأخير في الداخل والخارج, وهذا ما حدث في بلد مثل تركيا يحتوي فيه أكثر من أربعة ملايين لاجئ سوري وهذا الرقم كان بالنسبة لبعض السوريين المتمرسين هدفاً لا يمكن مقاومته وخصوصاُ الغالبية التي ترزح تحت ضغوط معيشية سيئة للغاية فقد كان غاية في السهولة اللعب باسمهم في الجمعيات الاغاثية من أجل بعض المكتسبات الرخيصة, وكان من السهل اشاعة البلبلة والتحريض داخلهم من أجل منافسات غير شريفة بين هيئات العلم والمدارس التي كانت تهتم لأعداد الطلاب فيها أكثر من اهتمامها بالتعليم نفسه الأمر الذي جعل الحكومة التركية مؤخراً تتخذ اجراءات صارمة بإغلاق العديد من المدارس المؤقتة والسيطرة على باقي المدارس , وطبعاً البيادق التي لعبت الحركات الأخيرة لهذا الأمر وللأسف هم هيئات وكوادر تعليم وجميعهم قاموا أو شاركوا بشكل مقصود أو غير مقصود بتخريب المستقبل التعليمي للأطفال السوريين والأكثر من هذا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي قامت ببث الفتنة بين أهالي الطلاب وبين كوادر التعليم وساهمت بنسف مستقبل الطلاب السوريين بهدف عمل بلبلة وتحريض قد يستفيد منها القائمين على هذه الصفحات فيما بعد.
.
وأيضاً لن أتكلم عن ما سيعانيه الطلاب السوريين في الدمج مع المدارس التركية من فوراق طبقية أو اهتمام و رعاية, فقد كنا في ظل حكم البعث نعاني الأمر ذاته في كل المدارس السورية حيث لم يكن هناك مكاناً للمتفوقين والمجتهدين مع ابن المدير أو مع ابن المسؤول أو مع ابن التاجر, لكن السؤال الذي يخطر على بالي دائماً هل سيكون الطلاب السوريين سواسية في التعامل مع الطلاب الأتراك..؟ وهل سيقبل الكثير من الأتراك بهذا الدمج مع أطفالهم وخصوصاُ أن معظمهم لا يتعاملون مع السوريين إلا في الأمور المادية من صاحب المنزل إلى المتجر علماً أن ايجار المنزل قد ازداد إلى الضعف منذ أن بدأ اللاجئين السوريين يتوافدون على تركيا وخصوصاُ على المدن الكبرى .
الأمر الذي جعل السوريين من أصحاب الدخل المحدود جداً لا يستطيعون توفير قرشاً واحداً بل تزداد ديونهم يوماً بعد يوم في مصاريف وفواتير لا يمكن تحملها مع دخل ضئيل جداً لا يتناسب وحجم المعيشة, والسؤال الآخر, كم المدة التي سيستغرقها الطلاب السوريين لتأسيس تعليمهم في المناهج التركية وكم سيكون التضارب والتناقض الاجتماعي بين الأصل السوري والجديد التركي واقعاً على هذا الطالب السوري الذي ذاق الأمرين منذ كان في سورية داخل الحرب والحصار إلى أن وصل إلى تركيا..؟
.
هذا الطالب الذي رفض تمجيد صنم حافظ الأسد هل سيقوم الآن بتمجيد صنم أتاتورك.. وباسم الحرب هذه المرة..؟!! أسوأ مافي الأمر سيعانيه الطلاب الذين لم يستطيعوا استخراج هوية مؤقتة / الكيملك / بسبب توقيفها من الحكومة التركية أو بسبب التكاليف العالية جداً على السوريين ليحصلوا على إقامة, فهؤلاء الطلاب لن تقبل بهم المدارس التركية ولا تسمح للمدراس المؤقتة بتسجيل قيودهم في النظام التعليمي التركي, وهذا يعني أن لا مستقبل تعليمي لهم.
.
قائمة طويلة تقف ضد تعليم الطلاب السوريين في تركيا, و ربما تكون الحكومة التركية قد رأت أنه من الأفضل للطلاب السوريين أن يندمجوا مع المدارس التركية فالرؤيا السياسية بالنسبة للأوضاع في سورية لا زالت ضبابية ولا الحكومة المؤقتة تدعم مستقبل التعليم بالنسبة للسوريين ولا دول تجاهر بوقوفها بجانب الشعب السوري تمد يد العون ليتجاوز الطالب السوري محنته ويتجه نحو مستقبل آمن, ولا نحن نعمل داخل الهدف التعليمي للطلاب بقدر ما نعمل سكاكينا على بعضنا البعض,
.
لقد وضعنا الطالب السوري بين سندان التفتت والتشرذم السوري الحاصل وبين مطرقة الواقع التعليمي الجديد في المدراس التركية, وحده الطالب السوري في هذا الطريق ووحده سيثبت امكانيته من بعد كل ما عاناه
↧