

القامشلي- (أ ف ب) -
في حي الوسطى ذات الغالبية المسيحية في مدينة القامشلي السورية، تغيب أجراس وأشجار عيد الميلاد التي طالما زينت شوارعه في هذا الوقت من العام، وبدلاً منها تنتشر القوات الأمنية أمام مداخل الحي المغلقة خشية من أي هجمات جهادية.
وأغلقت "قوات الحماية السريانية" (السوتورو) شوارع الحي الذي استهدفته عدة تفجيرات ومنعت السيارات من الدخول سوى من مدخل واحد.
ويبدو مطعم دومينو الذي طالته الأضرار جراء تفجير استهدف الحي في أيار/ مايو شبه خال من الزينة والزبائن على غير العادة في هذا الوقت من العام.
ويقول مالك المطعم، نضال زهاوي في أثناء ارتشافه القهوة في مطعمه "تعرض الحي لأول هجوم إرهابي ليلة رأس السنة العام الماضي (&8230;) عادة ما يتم استهداف الحي خلال الاعياد والناس باتت تخاف الذهاب الى المطاعم".
ويضيف بحسرة "لا أرى الناس هذا العام، ولا أريد ان ازين وحدي فليس هناك اي حماس او بهجة للعيد".
وعشية الاحتفال في عيد رأس السنة في 31 كانون الاول/ ديسمبر الماضي، قتل 16 شخصا جراء ثلاثة تفجيرات، تبناها تنظيم الدولة الاسلامية واستهدفت مطاعم، اثنان منها في حي الوسطى.
ومنذ ذلك الحين تشدد قوات “السوتورو” اجراءاتها الامنية، الا ان ذلك لم يمنع اعتداءات الجهاديين. واستهدف احد التفجيرات الانتحارية في 19 حزيران/يونيو الحي اثناء احياء ذكرى مجزرة السريان على يد العثمانيين.
لا بهجة ولا كرنفالات
وتطوق قوات “السوتورو”، الموالية للنظام السوري، حاليا كنائس الحي ووضعت كاميرات مراقبة في شوارعه.
وفي مقر قوات السوتورو المحاط بسواتر ترابية وحيث علقت صور الرئيس بشار الاسد على الجدران، يؤكد احد المسؤولين الامنيين منع الاحتفالات بالميلاد ورأس السنة خشية من الاعتداءات.
ويقول المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، "تم منع اقامة الكرنفالات والتجمعات الاحتفالية العام الحالي بقرار من الكنيسة".
ويضيف اثناء جلوسه امام المدفئة في مكتبه، "وظيفتنا حماية الكنائس والأحياء المسيحية بالتنسيق مع كل القوى الموجودة في المنطقة وبينها الحكومة السورية وقوات الأسايش (قوات الامن الكردية)".
ويتقاسم الاكراد وقوات النظام السيطرة على مدينة القامشلي منذ تزايد نفوذ الاكراد مع اتساع رقعة النزاع في سوريا في العام 2012.
ويشرح المسؤول الامني "اتخذنا اجراءات العام الحالي لحماية المناطق المسيحية من اغلاق للشوارع المؤدية للحي ووضع كاميرات مراقبة ودوريات مكثفة في الحي وحول الكنائس&8243;.
ولم تمنع الاجراءات الامنية بعض سكان حي الوسطى من تزيين منازلهم.
وبدت زينة الميلاد واضحة خارج الحي وتحديدا في سوق مدينة القامشلي حيث زينت بعض المحال واجهاتها بعبارات ترحب بالميلاد والعام الجديد، واخرى وضعت الاجراس ودمى لبابا نويل بلباسه الأحمر ولحيته البيضاء.
ويقول كوستان سركون (35 عاما)، صاحب محال بيع مستلزمات أعياد الميلاد، "اجواء الميلاد باردة هذا العام، التفجيرات والشهداء أثروا على العيد".
ويضيف "السكان سيحتفلون داخل منازلهم، ومن زين منزله قام بذلك ليفرح الاطفال".
وعدا عن الخوف المسيطر على سكان القامشلي وحي الوسطى تحديدا، تحيي عائلات قتلى تفجيرات راس السنة هذا الاسبوع ذكرى مرور عام على مقتل احبائها.
وفي كنيسة السيدة العذراء في حي الوسطى، حيث وضعت شجرة ميلاد بيضاء اللون زينت باجراس حمراء وبيضاء، يقول القس عبد المسيح يوسف "يسيطر جو من الحزن (&8230;) تألمنا بسبب التفجيرات ليلة رأس السنة الماضية حين سقط لنا شهداء من خيرة شباب البلد".
ويضيف "لن يكون هناك كرنفالات (&8230;) قررنا ان تقتصر الاحتفالات على الطقوس الدينية في الكنائس&8243;، الاسبوع المقبل في الذكرى السنوية للقتلى.
ويمثل السريان الطائفة المسيحية الاكبر في القامشلي مقارنة مع الاشوريين والارمن.
تتذكر ميلندا كلو (23 عاما) بحسرة كيف كانت احتفالات الميلاد ورأس السنة في القامشلي. وتقول الشابة التي تتحضر للسفر والانضمام الى عائلتها في استراليا "لا تشبه الاجواء اليوم السنوات السابقة حتى ان كافة اصدقائنا الذين كنا نحتفل معهم سافروا".
المصدر: القدس العربي
قال مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) جون برينان إن سقوط شرق حلب في أيدي قوات النظام السوري لن يضع حدا للعنف في البلاد، وحث حكومة بلاده على عدم الرد بالمثل على هجمات إلكترونية روسية تعرضت لها.
وقال برينان الجمعة إن "سقوط حلب بالنسبة لي ليس علامة على أنه ستكون لهذا الصراع في سوريا نهاية، لأنني مقتنع بأن الكثير من أولئك المعارضين الذين يحاولون استعادة بلدهم من أجل عائلاتهم وجيرانهم وأطفالهم سيواصلون القتال".
من جهة أخرى حذر برينان الحكومة الأميركية من الرد بالمثل على هجمات إلكترونية روسية تعرضت لها الولايات المتحدة أثناء انتخابات الرئاسة.
وأبلغ برينان محطة الإذاعة الوطنية العامة في مقابلة أذيعت الجمعة "لا أعتقد أن من الصواب أن نلجأ لبعض الأساليب والتقنيات التي يستخدمها أعداؤنا ضدنا. أعتقد أننا نحتاج لأن نتذكر ما نقاتل من أجله".
وشدد على أن "التورط في أعمال غش يستخدمها بعض معارضي وخصوم الولايات المتحدة هو تصرف لا يليق بعظمة هذا البلد".
واتهم مسؤولون أميركيون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالإشراف على قرصنة إلكترونية عبر الإنترنت نفذتها وكالات المخابرات الروسية أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية في إطار مساع لمساعدة الجمهوري دونالد ترمب، ونفى مسؤولون روس تلك الاتهامات.
ودعا أعضاء جمهوريون وديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي إلى تشكيل لجنة خاصة من الحزبين للتحقيق في الهجمات عبر الإنترنت ضد الولايات المتحدة من دول أجنبية مع التركيز على جهود روسيا المزعومة للتأثير على انتخابات الرئاسة الأميركية.
المصدر: الجزيرة نتقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنها تريد تسريع عملية ترحيل اللاجئين التونسيين الذين رفضت طلبات لجوئهم إلى ألمانيا، مضيفة أنه من الممكن الآن الشعور بالارتياح لزوال الخطر لكن "التهديد الإرهابي" لا يزال قائما.
وأضافت ميركل أنها أجرت الجمعة مكالمة هاتفية مع الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بشأن ملف ترحيل التونسيين المرفوضة طلبات لجوئهم. جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقدته المستشارة بعد مقتل أنيس عامري المشتبه به في تنفيذ هجوم برلين، في إطلاق نار مع الشرطة الإيطالية بساعة مبكرة اليوم الجمعة في ضاحية بمدينة ميلانو.
وأقرت ميركل أن حالة عامري تطرح "سلسلة تساؤلات" وخصوصا أنه كان معروفا لدى الشرطة منذ وقت طويل، موضحة أنها طلبت من وزيريْ الداخلية والعدل ومن السلطات الأمنية بشكل عام تحليل القضية، وتسليمها خلاصات بهدف أخذ كل العبر السياسية والتشريعية الممكنة.
وتعتزم المستشارة المضي قدما في ترحيل طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم، على غرار المشتبه به في هجوم برلين حيث كان طلبه رفض في يونيو/حزيران لكن تونس رفضت طوال أشهر الاعتراف بأنه تونسي.
وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد أعلن مسؤوليته عن هجوم برلين قائلا إن "منفذ عملية الدهس في مدينة برلين الألمانية هو أحد جنودها، ونفذ العملية استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف الدولي".
وعثر صباح الثلاثاء الماضي على هوية عامري في الشاحنة التي نفذت الهجوم، كما عثر على سائقها البولندي مقتولا، لكن مذكرة البحث لم تصدر إلا ليل الأربعاء، مما أفسح المجال أمامه للفرار.
وذكرت التقارير أن عامري أمضى عدة سنوات في إيطاليا قبل أن ينتقل إلى ألمانيا في يوليو/تموز 2015، وظل ملاحقا منذ أن فر بعد هجوم الاثنين الماضي في برلين.
وكان عامري مصنفا لدى السلطات الأمنية في ألمانيا على أنه خطير أمنيا، ولم تتمكن السلطات من ترحيله بسبب عدم حيازته لجواز سفر.
وفي تداعيات الهجوم، أظهر استطلاع رأي ينشر غدا السبت أن شعبية اليمين الشعبوي الألماني ارتفعت أكثر من 15% من نوايا التصويت، ووفق الاستطلاع -الذي أنجزه معهد إنسا- فإن حزب بديل لألمانيا حصل على 15,5% من نوايا التصويت بالانتخابات التشريعية لعام 2017، أي بزيادة 2,5 نقطة عن الأسبوع الماضي.
المصدر: الجزيرة نتيعاني آلاف المهجرين من مدينة حلب إلى ريفي حلب وإدلب من نقص حاد في الغذاء ووسائل التدفئة، وسط مناشدات من قبل مديري المخيمات لسد حاجات النازحين المتزايدة، بينما يحتفل جيش النظام بسيطرته على مدينة حلب بعد إفراغ جزئها الشرقي من سكانه.
ومن أحد مخيمات المهجرين في ريف حلب الشمالي، قال مراسل الجزيرة أمير العباد إن العاصفة الثلجية المستمرة منذ يومين انتهت لكن درجة الحرارة ما زالت متدنية جدا حيث يغطي الطين أرضية المخيم الذي تتوزع خيامه بين أشجار الزيتون.
وأضاف أن المساحة الممتدة من نهر الفرات إلى بلدة إعزاز على الشريط الحدودي تؤوي نحو 250 ألف شخص في خيام مكتظة، وهم لا يملكون من وسائل التدفئة سوى ملابسهم وبعض الأدوات البدائية، بينما تسعى الجمعيات الإغاثية لتقديم ما يسد رمقهم من الطعام.
وبدوره، قال مراسل الجزيرة أدهم أبو الحسام من أحد مخيمات بريف إدلب إن الوضع هناك ليس أقل سوءا من مخيمات شمال حلب، حيث توجد نحو تسعين عائلة في المخيم المؤقت الذي أقيم على وجه السرعة لاستقبال المهجرين من شرق حلب ومن بلدة خان الشيح في ريف دمشق.
وفي وقت سابق، أفاد المراسل بأن خمسين خيمة على الأقل انهارت في مخيمات خربة الجوز والزوف بريف إدلب الغربي جراء تراكم الثلوج.
ومن مخيم كيليس بجنوب تركيا، قال مدير مخيمات الريف الشمالي لحلب عمر زيدان للجزيرة إن المخيمات تعاني من نقص في كافة وسائل التدفئة والمواد الغذائية، مناشدا "من بقي عنده شيء من الضمير" أن ينقذ الشعب السوري.
من جانب آخر، احتفل مؤيدو النظام السوري باستعادة حلب بإطلاق كثيف للنار وخرجوا في مواكب بالسيارات، ورفعوا الأعلام السورية وصور الرئيس بشار الأسد. وأعلن التلفزيون الرسمي الليلة الماضية أن آخر مجموعة من مقاتلي المعارضة وأسرهم غادروا حلب بموجب اتفاق يمنح جيش النظام وحلفاءه السيطرة الكاملة على المدينة، كما اعتبر جيش النظام في بيان أن "هذا الانتصار يشكل تحولا إستراتيجيا ومنعطفا في الحرب على الإرهاب".
ومن جانبها، قالت الأمم المتحدة إن 35 ألفا تم إجلاؤهم من الأحياء المحاصرة نحو ريف حلب الغربي خلال أسبوع، كما خرج 1250 شخصا من قريتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام في ريف إدلب إلى منطقة جبرين بغرب حلب، وفقا للاتفاق.
تطورات عسكرية عسكريا، ذكر تلفزيون النظام الرسمي أن مقاتلي المعارضة أطلقوا صاروخا من منطقة الراشدين باتجاه حي الحمدانية بمدينة حلب، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين بجروح.
وقال ناشطون إن قوات النظام السوري استهدفت اليوم الجمعة بالرشاشات الثقيلة قريتي كفير زيت ودير مقرن بوادي بردى في ريف دمشق الغربي، مما أسفر عن جرح عدد من الأشخاص.
وكانت مصادر قالت للجزيرة إن المعارضة المسلحة تمكنت من صد هجوم لقوات النظام على محوري قرية بسيمة ونبع الفيجة في وادي بردى بريف دمشق الغربي. وأضافت أن طائرات حربية سورية استهدفت أحياء سكنية في قرى وبلدات وادي بردى بالبراميل المتفجرة، مما أوقع أضرارا مادية كبيرة.
كما أفاد ناشطون بأن طائرات روسية شنت اليوم الجمعة غارات بصواريخ فراغية على جسرين وزملكا في غوطة دمشق الشرقية مخلفة جرحى. وفي نفس الوقت، أغارت طائرات النظام السوري على مدينة خان شيخون وبلدات في ريف إدلب، وفق المصدر نفسه.
وفي ريف حمص الشرقي، واصل تنظيم الدولة الإسلامية هجوما بدأه قبل أيام، وأسفرت أحدث الاشتباكات عن قتلى من التنظيم ومن قوات النظام السوري.
المصدر: الجزيرة نتزمن التطبيقات المفتوحة باب "داعش" الخلفي تفجير الأقليات المسلمة حواضن القلق
أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن هجوم الشاحنة الدامي التي هاجمت سوقا تقليدية لأعياد الميلاد في برلين. وقد سبق للتنظيم أن تبنى هجمات سابقة في أوروبا، منها هجوم الشاحنة الدامي في نيس الفرنسية مطلع صيف 2016 الذي كان ثلث ضحاياه من المسلمين. والسؤال هو إن كان على العالم التسليم بمصداقية إعلانات التبني هذه التي تعقب الاعتداءات الدامية؟ قد تبدو بصمة "داعش" حاضرة للوهلة الأولى فيما جرى في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، لكن من المجازفة الأخذ بروايتها الجاهزة وكأنها خططت مباشرة لهذه الهجمات التي استهدفت ضحاياها في مواقع رخوة للغاية وباستعمال أدوات بدائية غير متوقعة. زمن التطبيقات المفتوحة يتجلى العامل الفردي في الموجة الجديدة من الاعتداءات التي شهدتها أوروبا عبر سنة 2016، فقد قام أفراد باختيار أهداف موجعة للفتك بالبشر على طريقة الذئاب المنفردة، وفي بعض الحالات لم تعمل المتفجرات البدائية أو كانت قطعة السلاح المستعملة معطوبة مثل واقعة القطار السريع بين أمستردام وباريس في صيف 2015.ربما استجاب هؤلاء بالفعل لنداءات عامة أو توجيهات محددة أطلقتها "داعش"، واستلهموا تطبيقات مفتوحة لا تتطلب أسلحة أو أدوات قتالية، بل تكفي معها فأس وسكين، أو شاحنة تمضي مسرعة على عجلات، وخيارات أخرى عصية على الحصر. إنه زمن التطبيقات المفتوحة التي يجري تمريرها عبر مجتمعات العولمة، فهناك تطبيقات ثورية وجماهيرية، وأخرى للعمل المدني الضاغط، ولتنفيذ هجمات دامية بالشاحنات أيضا.لقد تضخمت ظاهرة الهجمات العشوائية في الزمن الجديد، دون أن يقضي ذلك بأنها مؤشر على تفاقم نزعات الشر لدى البشر، فواقع الحال أن هذه النزعات حازت أدوات فعل وتأثير لم تكن متاحة لنسخ سابقة مثل جماعات الإرهاب الأحمر والفاشي مثلا قبل عقود خلت.
كما تحوز الهجمات الجديدة فرصة أعمق لإيلام المجتمعات المستهدفة عبر توثيق الفظائع بالصور والمشاهد المغموسة بالدم، وغالبا ما يتطوع الجمهور للقيام بمهمة التلصص على آلام الضحايا بصور ومقاطع وتغطيات البث المباشر في الشبكات الاجتماعية. تؤدي المواكبة المرئية إلى تضخم الوعي بالفواجع والفظائع على نحو لم يتحقق في ألمانيا مثلا لأعمال قتل اقترفتها جماعة "الجيش الأحمر" المعروفة باسم "بادر - ماينهوف" في القرن الماضي. باب "داعش" الخلفي فتحت "داعش" بابا خلفيا في المجتمعات الأوروبية وغيرها يغوي أشخاصا من خلفيات مضطربة أو متشنجة، أو ممن شهدوا في حياتهم صدمات وهزات. ينفلت بعض هؤلاء من الهوامش ليباشروا عبر مسارات التشدد فعل الانقضاض الانتقامي على المجتمع أو الانخراط في حياة بديلة تقترحها عليهم وعود الهوس الديني والسلوكي المنغلقة على ذاتها أو حتى المنظمات المتطرفة والعنيفة. لا يتطلب الأمر اليوم تجنيد الأفراد بطرق تقليدية معهودة في التنظيمات السرية والعصابات المسلحة، فهناك من تجتذبهم دعاية "داعش" المباشرة أو غير المباشرة التي تتمدد بلغات أوروبية.إنها تقوم على نظام رمزي خاص بها مع تفسيرات مستقلة للعالم والتطورات، علاوة على تشبعها بإيحاءات مؤهلة لاستمالة قطاعات من الشبان والشابات.لا ينفي هذا وجود شبكات تجنيد مباشرة على الأرض ترتبط بـ"داعش" وأخواتها، خاصة عبر الالتحاق بميدانها في سوريا، لكن الدعاية والتأثيرات تتمدد في الواقع الأوروبي عبر مسالك شتى مستفيدة من التناقضات المجتمعية القائمة في المقام الأول. أدركت "داعش" وأخواتها فرصة الاصطياد المتاحة في الهوامش الاجتماعية وعوالم الجريمة المنظمة وخريجي السجون، والمزايا التي يتيحها استغلال التناقضات في المجتمعات المحلية، ففتحت بذلك بابا خلفيا لينفلت منه الذين ضاقت عليهم مجتمعاتهم الأوروبية بما رحبت.إنه باب مخصص للقانطين من واقعهم، وللحالمين بالالتحاق بوعود الفردوس الأرضي في كنف "داعش" أو بوعود الفردوس الأخروي عبر النحر والانتحار، أو التفجير أو الدهس. إنه جيل أوروبي تحاصره خيارات أخرى للفرار من ضغوط الواقع، كالاستغراق في المخدرات وتعاطي الخمور والاستسلام للمؤثرات العقلية وغواية الانتحار، علاوة على خيارات الالتحاق بجماعات هامشية وحركات فوضوية أو المكوث الزاهد في جبال الهند أو حتى التطوع في جيش الاحتلال الإسرائيلي ومليشيا أوكرانية وروسية. وبالنسبة لبعض الشبان والشابات فإن خيارات كهذه تفتقر إلى رشفة البطولة وشرف الموقف المتخيل كالذي تغوي به دعاية "داعش". لا تبدو الحالة عابرة، ففي مجتمعات أوروبا يفوق منسوب المنتحرين ضحايا حوادث السير مثلا، وتتخذ الظاهرة منحى مذهلا في فرنسا حيث يقضي الانتحار على عشرة آلاف شخص سنويا (وفق الاتحاد الوطني الفرنسي للوقاية من الانتحار)، وقد حاول أضعاف هؤلاء إنهاء حياتهم أو راودتهم الفكرة دون التجرؤ على الامتثال لها. تأتي "داعش" وأخواتها لتفتح لهؤلاء طريق الخلاص المعبد بالشعارات المجيدة، مع جاهزية مذهلة للخضوع لمؤثرات الهيمنة على الوعي في مجتمع يختزن تناقضات الحداثة وما بعد الحداثة. ثم يتم تحضير الاعتداءات على المجتمع والدولة بصفة فعل انتقامي وتسديد للثأر، وتعبيرا عن الرضوخ لقيمة أعلى تم تعظيمها في الوعي الفردي على أي قيمة أخرى حتى ولو كانت قيمة الحياة والانتماء المجتمعي وآفاق النجاح في الحياة. مع هذا النمط من غسيل الأدمغة أو الجاهزية للرضوخ؛ تنحت دعاية "داعش" أفكارا ملهمة للراغبين بالخروج من المشهد المجتمعي، ويجري هذا بصفة انسيابية دون الحاجة إلى إدارة تقليدية لمنحى التوحش. فالنقلة النوعية التي ترافقت مع "داعش" تقوم على تمرير الفحوى بطريقة مُعولمة، عبر نشر التطبيق أو دليل الاستخدام الفردي عبر العالم بلغات شتى مع تكييف يراعي الخصوصيات المحلية أيضا، بما في ذلك فنون الدهس الجماعي للبشر في الأماكن العامة.
إنها حالة تطورية عن نموذج "القاعدة" السابق، فلا حاجة معه لفروع تعلن ولاءها للمركز، بل يباشر الأفراد ذلك حتى لو فاحت رائحة الخمر من أفواههم، أو لعلهم يعبرون عن نزعات انتقامية شخصية نحو المجتمع المستهدف كما في جريمة الملهى الليلي في أورلاندو في الولايات المتحدة مطلع صيف 2016. ما يتم الإقرار به على نحو متزايد أن حالات التجنيد الأوروبية لصالح التشدد المسلح تتم غالبا بمعزل عن المساجد والأوساط المتدينة، فهي تلتقط العناصر من السجون ومؤسسات التعليم والأحياء المهمشة وعالم الإجرام. وسيُطلب من هؤلاء في لحظة معينة رفع راية سوداء يمكن تنزيلها من الشبكة، أو التلويح بمصحف لم يحسنوا تلاوته، أو إطلاق تكبيرات لم يستعملوها في الصلاة أساسا، بما يمنح عنهم انطباعا زائفا لا يمت بصلة إلى خلفياتهم الحقيقية. تجري عمليات التجنيد وغسيل أدمغة الشبان والمراهقين بوسائل مبتكرة ومن خلال مداخل متعددة، بصفة مباشرة وغير مباشرة، بما فيها عبر الشبكة ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الأجهزة الذكية علاوة على ألعاب إلكترونية تقوم على تمجيد القوة ومن شأنها تهيئة أذهان الشبان لممارسة القتل والفتك والاشتباك في واقع افتراضي، فيتم التقاط بعض البارعين فيها لتجريب أحلامهم الافتراضية في الواقع. إنها مجتمعات موازية ينخرط فيها أفراد المجتمع المرئي ويديرون عبرها أنماطا مزدوجة أو متعددة الأبعاد من الحياة والسلوك التواصلي المتحرر من التزامات الواقع، وبأسماء وصفات غير متطابقة مع حياتهم الواقعية. تفجير الأقليات المسلمة لا تتوقف التفاعلات عند هذا الحد، فقد ألحقت سلسلة الهجمات التي ضربت العمق الأوروبي أضرارا جسيمة بالوجود المسلم الهش في القارة غربا وشرقا. فعندما تتعامل عصابات مسلحة مع تجمعات مسلمة هشة مثل حي مولنبيك في بروكسيل أو سان دوني في باريس كفناء خلفي للتجنيد ضد المجتمع العريض؛ فإن سلوكها هذا يخاطر بتطويق الأقليات المسلمة وعزلها وحتى تفجيرها، بمعنى تقويض تجاربها الذاتية وتمزيق أواصرها مع النسيج المجتمعي المتنوع واستنفار أدوات الدولة في مواجهة أجيالها الصاعدة. سيساهم هذا أيضا في تمكين تيارات التشنج والعنصرية والكراهية من الصعود على أكتاف مجتمعات يجتاحها الخوف فتحصد الأصوات في الجولات الانتخابية. وإن اعتمدت الحالة الاعتيادية لسلوك جماعات التشدد المسلح، على تفخيخ شخص مثلا وإرساله إلى موقع التفجير بعد إخضاع وعيه أو غسل دماغه؛ فإن المساعي الجارية في أوروبا ومناطق انتشار الأقليات المسلمة بشكل عام تقوم على المجازفة بتفخيخ الوجود المسلم الهش وصولا إلى فرض الحصار عليه وسد نوافذ الأمل في وجه أجياله الصاعدة. ولا تمل دعاية "داعش" من تعظيم المفاصلة بين الأقليات المسلمة ومجتمعاتها العريضة المتنوعة، مع تشديد النكير على التعايش الإيجابي للمسلمين في بيئاتهم الأوروبية. تتفاعل هذه الدعاية مع واقع حافل بالفجوات؛ ففي الحالة الفرنسية مثلا تتجلى في الأساس تناقضات واضحة إلى حد شعور بعض الأوساط المجتمعية المسلمة أنها مستثناة من مكاسب "قيم الجمهورية"، والشكاوى في هذا الحقل مزمنة ومشفوعة بجهود توثيقية متعددة. وخلف هذا الواقع تكمن عوامل ضاغطة على فرص الأجيال الجديدة متصلة بقصة تشكل مكونات تحمل خلفية هجرة، علاوة على استعلاء نبرة "خطاب الجمهورية" الذي لا يعترف بأقليات أو خصوصيات ثقافية تعددية ضمن فضاء الدولة الفرنسية. حواضن القلق تتولى بعض تفاصيل الواقع إذكاء حواضن القلق التي تغذي القابلية للالتحاق بالإرهاب، عبر إنتاج شروط الحنق أو تحفيزها، علاوة على علاقة جدلية بين دعاية التشدد الميداني التي ترفع لافتات إسلامية مزيفة من جانب؛ وحمى الإسلاموفوبيا والعنصرية الانتقائية ضد المسلمين من جانب آخر، فكلاهما يمد الآخر بمقومات الاستمرار والتمدد.
ما لم تفحصه النخب الأوروبية بجرأة حتى الآن، هو تأثير الوعي المتزايد في زمن العولمة والتشبيك بفظائع تجري في رقاع أخرى من العالم، خاصة عندما يعتبر الشبان الحانقون أن السياسات الخارجية لدولهم الأوروبية ضالعة في ما يجري بشكل أو بآخر، أو متواطئة معه بدرجة ما، وهذه مسألة تطرقت إليها وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم بعد هجمات باريس في خريف 2015. ورغم كل ما يجري؛ فإن أوروبا لا تُبدي حتى الآن اكتراثا بمراجعة سياساتها الخارجية. ومن المألوف منذ خمس عشرة سنة، أي منذ هجمات سبتمبر/أيلول/ 2001، أن يتفاقم منطق المعالجة الأمنية لكن مع تحصين السياسات الخارجية والعسكرية من النقد والمراجعة رغم تأثيراتها المؤكدة في إنتاج حرائق عابرة للحدود وإذكاء الغضب في ثنايا مجتمعية وإن بصفة غير مباشرة. زيادة على ذلك؛ تصعد في بلدان أوروبية طائفة من السياسيين الانتهازيين لا تمانع في استغلال آلام ضحايا الاعتداءات في المنافسة الانتخابية، وقد يجري تعميم المسؤولية على المكون المسلم العريض بما يفقده شعور الأمان المستقبلي ويحاصر التدين المعتدل. لقد أطلقت شاحنة برلين تراشقات مدفوعة بأطماع انتخابية، أقدم خلالها حزب أقصى اليمين "البديل لأجل ألمانيا" على تحميل المستشارة ميركل مسؤولية مباشرة عن الهجوم بصفتها من استدعت اللاجئين! أما رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيتسو الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حاليا فأعلن صبيحة اعتداء الشاحنة أنه لن يسمح بقيام مجتمع مسلم متماسك في بلاده. إن استجابة أمم أوروبا لتحدي الهجمات بتمكين دعاة التشنج السياسي من الصعود إلى الحكم وبإذكاء خطاب التشويه والتفرقة في السياسة والمجتمع والإعلام؛ من شأنها أن تُفاقم مظاهر الإقصاء والتهميش وتوسيع الفجوات الكامنة في المجتمعات. بهذا ستجد مزيد من الفئات ذاتها خارج الرواق الموصد بإحكام أو أسفل سقف زجاجي سميك يحول دون صعود فئات معينة بسهولة إلى مواقع مجتمعية متقدمة. ستتفاعل لدى هؤلاء المهمشين تحديدا قابليات الانزعاج والغضب والاضطراب، وقد يجد أفراد منهم خلاصهم في أبواب خلفية مفتوحة على عوالم الجريمة والمخدرات والفرق المهووسة، أو في باب فتحته "داعش" ذاتها للقانطين من واقعهم والحالمين بالفردوس الأرضي والخلاص الأخروي.
المصدر: الجزيرة نت