في الوقت الذي يواجه فيه سكان محافظة السويداء معضلة انتشار الجريمة، واتخاذهم قرار التصدي لها ذاتياً، قامت أجهزة الأمن بتقديم عفو عام لمرتكبي الجرائم، تحت مسمى "مصالحة وطنية"، جرت نهاية هذا الأسبوع، حيث تمت تسوية أوضاع أكثر المطلوبين على خلفية أحكام جنائية. فكانت تلك المصالحة أشبه بفضيحة جديدة تضاف إلى سجل الإدارة الأمنية للنظام في السويداء. وفي سابقة تحصل للمرة الأولى في سوريا، فتح فرع "حزب البعث" أبوابه لسيل بشري من أصحاب الأحكام الجنائية الفاريين من العدالة من أجل تسوية أوضاعهم، فقدموا إلى الفرع وسط استعراض إعلامي توجته كاميرات وسائل الإعلام السوري الرسمي، فضلاً عن استعراض مسلح قام به عناصر الميليشيات الموالية للنظام، الذين أثار صوت رصاصهم المنطلق في سماء السويداء الذعر في المدينة طوال ساعات النهار. وفي الوقت الذي كان السؤال الملح يدور حول هوية المستفيدين من المصالحة، بدأت تلك القضية تتضح، السبت، حيث تشير المعلومات إلى أن المصالحة تمت بموجبها تسوية أوضاع 930 شخص، معظمهم من المهربين وتجار السلاح، ويوجد بحقهم أحكام جنائية أو مطلوبين للعدالة في سرقات، لكنهم ليسوا من مجرمي الصف الأول أو قادة في العصابات التي باتت مشهورة في السويداء. عمار السلمان، أحد نشطاء السويداء، أشار لـ"المدن"، إلى المصالحة بدأت يوم الأربعاء الماضي بتسوية أوضاع 630 شخصاً، واستكملت يوم الخميس بتسوية أوضاع 300 آخرين، يشكّل المجرمون وأصحاب الأحكام القضائية 90 في المئة منهم، بينما تقتصر بقية الأعداد على بعض الموظفين والمتخلفين عن أداء الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، حيث تمت استمالتهم لدخول "كتائب البعث" والعمل في صفوفها داخل السويداء كبديل عن خدمتهم العسكرية. ويكمن الجانب الأخطر في المصالحة بما نصت عليه من إسقاط جميع القرارات القضائية الصادرة بأصحاب الأحكام المسوّى وضعهم، بما فيها دعاوى الحق الشخصي. وهو الأمر الذي وجد فيه الأهالي احتقاراً للعدالة وحق الناس في الامتثال للقضاء لمحاسبة المجرمين. ويشير أبو أمجد، أحد سكان السويداء، إلى استغلال قيادة فرع الحزب لمناسبة المصالحة في تقوية صفوف "كتائب البعث"، من خلال استقطاب أولئك الأشخاص وضمهم إلى صفوفها، مرجحاً أن ميليشيا "كتائب البعث" ستكون خلال وقت قصير بمثابة الميليشيا الأكبر من حيث عدد العناصر المنضمين لها. بالإضافة إلى ذلك، يشير أبوالمجد، لـ"المدن"، أن أمين فرع "حزب البعث" في السويداء ياسر الشوفي، يحاول استغلال وساطة وتنظيم "البعث" لتلك المصالحة، لإظهار الحزب كراعٍ قادر على تكريس الوساطة والصلح بين الدولة والناس. بالإضافة إلى ذلك، استغل الشوفي مناسبة المصالحة لتسويق نفسه كأعلى سلطة سياسية في السويداء، كونه الأمين الجديد لفرع "حزب البعث"، خلفاً لرئيس اللجنة الأمنية وأمين الفرع السابق شبلي جنود، الذي اختفى في ظروف غامضة قبل نحو عام. وكان أول انعكاسات المصالحة قد تحقق على الفور بقيام بعض المجموعات الإجرامية على سرقة بعض السيارات في وضح النهار، واجتيازها للعديد من الحواجز الأمنية المنتشرة في المحافظة. كما زادت حالات الاشتباك بالسلاح بين العصابات، وصعود عصابات جديدة كانت قد اختفت في وقت سابق كعصابات سرقة حطب التدفئة من بساتين الفلاحين والأحراش. وشهد يوم السبت اشتباكاً في قرية بوسان، الواقعة في ريف السويداء الشرقي، بين عصابة لسرقة الحطب وبعض الفلاحين، راح ضحيته شابان قتلاً بالرصاص.
المصدر: المدن - سالم ناصيف
↧