القياس دائما ضروري لمعرفة الواقع ، ولكي نعرف كم انحط قدرنا بين الامم يجب ان ننظر الى التاريخ نظرة واسعة الى حدا ما ..
في سوريا في حقبة الدولة العثمانية وقبل ما يقارب 200 عام فقط ، كنا المواطنين رقم 1 في العالم حتى نهايات القرن الثامن عشر لان الدولة العثمانية كانت الدولة رقم واحد ، اي كمواطنين الولايات المتحدة اليوم التي كانت غارقة في ذاك الوقت في الحروب والبداءة .. ولم تكن اصبحت دولة اصلا ..
مع بدايات ضعف الدولة العثمانية اصبحنا من مواطني الدولة رقم 4 في العالم بعد بروز روسيا كدولة قوية احتلت المرتبة الثالثة بعد بريطانيا وفرنسا .. بداية القرن الثامن عشر
وبقينا ضمن الدولة العثمانية في عداد مواطني الدول العظمى حتى نهاية الحرب العالمية الاولى حيث تحالف العثمانيين مع الالمان في مواجهة الانكليز والفرنسيين بشكل اساسي وخسروا الحرب وقتها وتحالف العرب ضد دولتهم مع اعدائها .. هذا التاريخ ليس بعيدا عمره فقط 100 عام.
بعد "التحرر" و"استقلال" العرب عن الدولة العثمانية وخلال اقل من 100 عام اصبحنا في مؤخرة قائمة الدول في العالم لا بل اليوم في اخرها تماما ..
هذه المراجعة ضرورية لكي نبدأ بالتفكير حول حقيقة ما حصل وتقييم الطريق الذي مضينا فيه والتفكير في الطريق الذي يجب ان نسلكه في المستقبل.
ولا بد من ايراد بعض الملاحظات حتى لا يأخذ علي بعض القراء مالا اقصده ، اولا انا لا ادعو الى عودة الدولة العثمانية والعثمانيين لحكم سوريا ، بل للاعتراف بهذه الحقبة كجزء من تاريخنا والاستفادة من الاخطاء والتجارب التي مررنا بها في هذه الفترة الطويلة الغنية.
ثانيا ، لم نكن في ذاك السوء الذي يحاول البعض تصويره خلال فترة حكم العثمانيين ، ومقارنة مع باقي الدول في العالم في ذاك الوقت ، ربما كنا اقل الشعوب سوءا .. والذي يشاع عن سوء الاحوال في الدولة وروج له على اساس انه عموم فترة حكم الدولة العثمانية هو العشر سنوات الاخيرة من عمر الدولة بما فيها الحرب العالمية الاولى التي عانى منها ليس سكان سوريا وفقط بل كل سكان الدولة العثمانية من الروملي ( الجزء الاوربي ) الى اليمن ..
اخيرا مهما كان تقيمنا لهذه الفترة وقبولنا او عدم قبولنا موافقتنا او عدم موافقتنا .. فان ما ادعو لكي تنظرو اليه هو الانحدار في المكانة خلال هذه الفترة القصيرة نسبيا من عمر التاريخ من القمة الى القاع .. وادراك هذا الانحدار والتفكير في الاسباب الحقيقية التي اوصلتنا لما نحن عليه اليوم .. محاولة لتأسيس رؤية تشكل الطريق الذي يجب ان نسير عليه في المستقبل ..