كلما جفّف نظام الأسد منابع الحياة، وكبّل ظروفها، ظناً منه أنها وسيلة لإخضاع سوريين مناوئين له، كلما كانت النتيجة تغلغل "داعش" في أوساطهم. فبعد أسابيع من قطع المياه في الحجر الأسود جنوب دمشق، ظن نظام الأسد أنه اقترب من إخضاع المسلحين والأهالي فيه، كانت النتيجة أن بايع كل المسلحين هناك "داعش". مثال الحجر الأسود كادت تسبقه بعض مناطق الغوطة الشرقية، لولا محاولات "جيش الإسلام" الحازمة للحفاظ على مناطق سيطرته. لكن هل من ضمانة ألا تتراخى قبضة "جيش الإسلام" بفعل الإنهاك تحت ضربات نظام الأسد، فتحل "داعش" محله؟!
الخلاصة فيما سبق أن "داعش" تحلّ مكان باقي فصائل المعارضة المسلحة على اختلاف توجهاتها، وأن الضغط المُمنهج من جانب نظام الأسد على فصائل المعارضة المسلحة وعلى الحواضن الاجتماعية التي تحتويهم، ينعكس لصالح "داعش" في معظم الأحيان، وليس لصالح النظام، كما يأمل الأخير.
يعتقد البعض أن نظام الأسد يُسعده أن تكون "داعش" الخيار البديل الوحيد له في المساحة السورية، لكن تجربة "حقل الشاعر" أخيراً، لا تُظهر أن من مصلحة النظام أن يواجه تنظيماً يتسلح مقاتلوه بعقلية متطرفة انتحارية ذات نزعة "عدمية"، وإن بصيغ دينية.
بكل الأحوال، يبدو أن نظام الأسد حسم أمره، فهو مستعد لـ "دعشنة" كل المناطق الخارجة عن سيطرته عبر القصف الممنهج والتدمير المتواصل لسبل الحياة فيها، في سبيل إخضاعها. وفي نفس الوقت، تغترف "داعش" من "إنجازات" نظام الأسد شباناً يائسين، يعتمل الحقد ورغبات الانتقام في وجدانهم، وبيئات يعتمل الفقر والجوع والحنق في أوساطها، وآبار نفطية، وحقول غازية كالمال السائب لا تجد من يحميها.
ويبقى السؤال: ما الذي سيحدث حينما يبقى في الساحة، "داعش" والنظام؟...قد تكون الإجابة حينها مؤلمة للنظام، وقد يترحم الأخير على خصومه السابقين الذين أغلق في وجوههم كل سبل الحل، وسدّ في طريقهم كل فرص النجاة. وقد يخرج من تلك البيئات التي أعمل فيها قتلاً وتنكيلاً، من يماثله شراسةً، حتى يتفوق عليه، وفي "عقر داره".
ما الحل؟...ربما الحل يبقى أن يستفيق نظام الأسد من "غيبوبة" الحل الأمني والعسكري، ويُنصت لصوت العقل، ويُدرك أن الغلبة في عالم اليوم لن تكون أبداً السبيل لإنهاء الصراع الدامي الدائر على التراب السوري، وأن عليه أن يُقر بأنه يمثل جزءاً من السوريين، وليس جمعيهم، ولا حتى غالبيتهم، وأن عليه أن يقدم تنازلات لمن يمكن أن يمثّل البقية منهم، حتى يصبح من الممكن إغلاق الطريق أمام احتمالات "دعشنة" ما بقي من الحواضن السورية المكلُومَة.
16-08-2014