الفساد السياسي هو من يمهد الأرضية لبقاء الدواعش في البلاد
فواد الكنجي
في وقت الذي كان الشعب العراقي ينتظر يوم تحرير أراضي الوطن من قبضة الإرهابيين لدولة الإسلام التكفيرية (داعش) وأذيالهم الذين ما زالوا يجثمون على صدر الوطن باحتلاله مدينة موصل وسهل نينوى وبعض القصبات من المدن العراقية، ويعبث بحقوق المواطنين والوطن وينشروا الفساد والطغيان ويجرفوا معالم الحضارة والثقافة الإنسانية والتآخي منها، ليتم عودة ملاين النازحين والمهجرين من هذه المدن والقصبات، وليتم إعادة الأعمار والبناء، وفي لحظة التي كانت القطعات العسكرية لجيش العراقي على أهبة الاستعداد و الشروع لبداية التحرير أراضي الوطن من قبضة ما يسمى بـ(الدولة الاسلامية) والقضاء على زمر الإرهابيين الدواعش وأذيالهم، بعد ان اكتسبت قوات الجيش العراقي الفتي قوة دافعة منذ تحرير مدينة تكريت ومدينة الانبار واستعادة الفلوجة وقاعدة (القيارة) الجوية التي تقع جنوب مدينة موصل بحوالي 60 كيلو متر، والتي تمثل نقطة محورية للهجوم ودخول المدينة لتحريرها، لأهمية موقعها الاستراتيجي وقربها من المدينة وكون مهام دخول المدينة يتطلب إلى غارات جوية ومعلومات من المخابرات وعمليات إمداد وتموين ودعما هندسيا قريب عن المدينة، ولكون مهام المكلف لقطعاتنا العسكري يتطلب إلى إسناد سياسي والى تفاهمات سياسية بشأن الهجوم وإدارة مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم دولة الإسلام داعش، و في هذا الوقت الحرج نلاحظ بان الرياح السياسية اتجهت بغير ما كان الشعب يتوقعه، حيث يتم وفي هذا الوقت بالذات، استدعاء وزير الدفاع (خالد العبيدي) لاستجوابه إمام البرلمان العراقي والذي بدوره قلب طاولة على رؤوس مستدعيه متهما رئيس البرلمان( سليم الجبوري) وعدد من النواب بالفساد وذلك بمحاولة لابتزازه على ملفات فساد تتعلق بعقود استيراد الأسلحة، وتزويد الجيش العراقي بالمؤن، فتوجيه هذا الاتهام إلى هؤلاء يعد أمره في غاية الخطورة قد يودي بمجلس النواب إلى الانهيار بسبب تهم الفساد التي لطالما اتهم بها الكثير من النواب وكان سببا لمهاجمة واقتحام الجماهير العراقية المتظاهرة مبنى البرلمان نهاية نيسان الماضي 2016.
ليتطور هذا الملف الحساس بعد إن تم إحالته إلى هيئة النزاهة للمباشرة بالتحقيق بقضية وزير الدفاع (خالد العبيدي) الى السلطة القضائية بعد انجازها تدوين إفاداته وأفادت رئيس مجلس النواب (سليم الجبوري) والنائبين (محمد الكربولي) و (طالب المعماري) والنائب السابق (حيدر الملا) و (هيثم شغاتي)، و أوصت بإجراء تحريات موسعة والاستعانة بخبراء لتحليل التسجيلات وتفحص المعطيات التي زودهم إياها وزير الدفاع (خالد العبيدي)، كاشفة عن توصلها الى تصور أولي بأن هناك ما يدعو إلى الشك والريبة في تصرفات بعض ممن وردت أسماؤهم في التحقيق، حيث تبين بان هناك وقائع منسوبة إلى البعض منهم لا تتلاءم مع قواعد السلوك المهني والوظيفي و تنطوي على استغلال للنفوذ والمنصب الوظيفي بغيةَ الإثراء على المال العام مما يستوجب إجراء تحريات موسعة والتحقيق مع المذكورة أسماؤهم من جانب الهيئة ألتحقيقيه القضائية المختصة للوقوف والتثبت مما ذكر في التحقيق .
ولحالة التي افرزها هذا الاتهام من قبل وزير الدفاع بحق بعض أعضاء البرلمان جعل الكثير من الكتل السياسية تخشى من تحول اتهامات (خالد العبيدي) ضد خصومه لتملص من استجوابات وتلافيها في المستقبل، فيما إذ فكر أي كتلة استجواب الوزير المعني مجددا، والذي سيحاول لا محال إلى خلط الأوراق وإبعاد الأنظار عنه، حيث اعتبر بعض نواب بان الضجة التي أحدثها وزير الدفاع في مجلس النواب، تمثل تهربا من الإجابة على أسئلة الاستجواب، بعد أن وجد نفسه قاب قوسين أو أدنى من الإقالة، ولهذا وجدت هذه الكتل من الضروري إقالة وزير الدفاع (خالد العبيدي) من منصبه بكون هذه الكتل(الكتل الكبيرة) لن تسمح بعد ذلك بكشف الفساد داخل المجلس ( بعد إن أصبح مجلس النواب العراقي مضرب أمثال العراقيين في الفساد )، ولهذا فقد وجب الاتفاق سياسي بين الكتل الكبيرة داخل مجلس النواب للإطاحة بوزير الدفاع (خالد العبيدي) بغض النظر عن مدى قناعتها بأجوبته، وما الإفراج السريع عن رئيس النواب المتهم من قبل العبيدي إلا تفسيرا لهذا التوجه الذي تنوى الكتل الكبيرة القيام به .
فعودة رئيس البرلمان (سليم الجبوري) إلى منصبه بعد إن جاء قرار السلطة القضائية بالإفراج عنه بقرار قابل للطعن (إذا ما) توفرت أدلة جديدة تستوجب إعادة التحقيق - وهو أمر مستبعد وفق توجه الكتل الكبيرة - وهو الأمر الذي طالب(سليم الجبوري) محذرا الحكومة من تلاعب (العبيدي) بالأدلة التي تدينه، وعليها إيقاف عمله في وزارة الدفاع لحين حسم ملفه في القضاء، ولكي لا يتمكن من إخفاء أدلة تدينه مؤكدا بأنه سيقوم بتقديم حقائق تدين وزير الدفاع (خالد العبيدي)، لسحب الثقة عنه، وفتح المجال للقضاء كي يأخذ دوره في محاسبته على تهمه الباطلة.
وفي وقت الذي اثأر شكوك الكثير من المراقبين في نزاهة قرار التحقيق التي اجري مع رئيس البرلمان العراقي، إذ جاء ذلك بعد انتقادات وجهت إلى القضاء نظرا لسرعة حسم قضية رئيس البرلمان التي لم تستغرق أكثر من (ساعتين) فقط، بكون هناك زعماء سياسيين دعموا (سليم الجبوري) وأثروا على قرار القضاء، فسرعة إصدار القرار يعتبر سابقة خطيرة بكون الأدلة التي قدمها وزير الدفاع (خالد العبيدي) إلى القضاء كانت كثيرة جدا، في وقت الذي يشهد القضاء ملفات اقل أهمية وخطورة من هذا الملف استغرق التحقيق فيه أسابيع وأشهر إن لم نقل سنوات وسنوات ...!
وهذا ما أوحى لدى المراقبين وعامة الشعب بان هناك أيادي خفية تلعب خلف الكواليس في هذا الملف لأهداف تتعلق بقضية تحرير مدينة الموصل وبعض القصبات من المدن العراقية من الإرهابيين الدواعش، و لإطالة عمر هذه المنظمة الإرهابية في العراق المدعومة من دول الإقليمية والولايات المتحدة لخدمة أهداف إستراتيجية في العراق وعموم المنطقة، وحتما فان هذه الملفات ستكشف لا محال في المستقبل، لان كما قلنا بان ملف تحرير مدينة موصل وكامل أراضي العراقية من الإرهابيين والقضاء على دولة الإسلام الداعشية يتطلب إلى قرار واتفاق سياسي ولكن للأسف السياسيين العراقيين الذين اليوم يشاركون في قيادة السلطة في العراق لم يتمكنوا في تحقيق الحد الأدنى من طموح الشعب العراقي، فكل واحد منهم منشغل في تأكيد ذاته والبحث عن مصالحه ومصالح الحزب أو الكتلة التي ينتمي إليها .
فهؤلاء الساسة لم يدركوا ولم يشعروا بمعاناة الشعب العراقي وما يذوقه من سياسة تهميش والإقصاء والتهجير ألقسري ومصادرة ممتلكات والتميز الديني والمذهبي والقومي التي بذروها لتنمو في مؤسسات الدولة العراقية، فلم يعد لهم موقفا واضحا من حالات التخلف والفساد والتي أصبحت سمة مميزة لدولة وغياب فرص حقيقية لبناء اقتصاد الدولة التي هي أصلاً من مهامهم ، ومسؤوليتهم لنهضة الدولة وهي مسؤولية وطنية أو إنسانية ، لرفع مستوى ألمعاشي للمواطن .
إن موقف الضبابي لساسة العراق هو الذي أوصل العراق على ما هو عليه باحتلال أراضية وليكون ساحة لتصفية حسابات دول الإقليم على حساب حرية المواطن واستقلال الوطن ولينخر الفساد جسد الوطن وليصبح العراق ولسنوات ماضية وكما تصنفها منظمة الشفافية الدولية بكون العراق على مقدمة دول التي تشهد فسادا، هذا الفساد الذي أصبح ينخر جسد العراق وهو الذي أوصل الإرهاب إلى ارض الوطن ليحتل مدن العراق بالكامل بين ليلة وضحاها .
فكلما بدأت في الأفق بوادر لتحرير أراض الوطن من زمر الإرهاب دواعش وأذيالها، حتى تسد منافذه بإثارة صراعات سياسية ولأتفه أمور، ليصبح العراقيون على يقين بان حال بدأ ساعة الصفر ما لم يحصل اتفاقات وتنازلات ومساومات بين دول الإقليمية والدولية قبل المحلية، فان موصل لن تتحرر لان تحرير المدينة اليوم مرتبط بمصالح هذه الدول وان تحرير مدينة موصل سيكون أسهل من يوم سقوطها، وليس كما يتصورها ويحللها السياسيين ويعقدوا أمورها ويدخلونها - كما نقولها بالعامية - في إيراد ومصرف .....!
لان اتخاذ أي قرار بشان تحرير مدينة موصل نقولها وبكل الأسف، لا يتخذ في بغداد بل في طهران وانقره ورياض وواشنطن وموسكو.
هذه هي الحقيقة المرة التي لا يرغب الكثير سماعها، ولكن نقولها وليسمع من لا يريد السمع بان أثارة الملفات الشائكة بين الكتل السياسية العراقية بين حين وأخر ما هو إلا تسترا وراء إخفاء هذه الحقائق وليمضوا قدوما في نهب خيرات الوطن عبر عملية الفساد التي بذر بذورها لينمو في مفاصل الدولة من (احتل العراق) واسقط هيبة الدولة في تدمير قواته الأمنية التي أعدت في فترة (ما) بكون الجيش العراقي خامس جيوش العالم ومن أقوى جيوش الشرق الأوسط من حيث الإعداد والجهوزية والقدرة القتالية، فهل كان داعش ومن لف لفهم يستطيع احتلال شبرا واحد من أراض العراق لو كان جيش العراق باقي بعدته وإعداده كما كان قبل تدميره واحتلال العراق في 2003 ...............؟
المصدر: فواد الكنجي
↧