كانت لديفيد سانغر، من «نيويورك تايمز» ملاحظة مثيرة للاهتمام جاءت في أحدث مقالاته عن السياسة الخارجية الغريبة لفلاديمير بوتين. وكتب سانغر، أن روسيا «اقتصاد ينهار مع إجمالي الناتج المحلي لإيطاليا». كيف لها إذن أن تتسلط على الولايات المتحدة الأميركية، الدولة ذات الاقتصاد الأكبر في العالم، و«أكبر جيش على وجه الأرض؟» وكما قال الرئيس أوباما خلال الأسبوع الماضي؛ ذلك لأن رئيس الولايات المتحدة حذر إلى درجة التردد، وهو حريص إلى درجة يبدو معها جبانًا.
الأزمة في الوقت الراهن هي سوريا وحصار حلب. لقد تم قصف مستشفيات المدينة بما يطلق عليه «القذائف المخترقة للتحصينات»، وتم استهداف مواقع مدنية أخرى. ووصف ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: «القصف العشوائي» بأنه «مستوى من الوحشية لا ينبغي لأحد من البشر تحملها». قوات النظام السوري، بمساعدة «حزب الله» وإيران على الأرض، ومساعدة روسيا من الجو، مستعدة لإنهاء المسألة وإنجاز المهمة.
نهاية الشهر الماضي، قصف السوريون، والروس، أو السوريون بمساعدة روسيا قافلة مساعدات إنسانية نظمتها الأمم المتحدة. وردت الولايات المتحدة الأميركية على هذا الاعتداء الشنيع بالاحتجاج، وبتعليق المحادثات مع موسكو يوم الاثنين الماضي.
أربك رفض أوباما لدعم المطالبات بوقف إطلاق النار بالتهديد باستخدام القوة جون كيري، وزير الخارجية، الذي اعترف لبعض رفاقه من الدبلوماسيين بإصابته بالإحباط؛ وسرعان ما تم تسريب كلماته. ويتخذ كيري حاليًا موقفًا معارضا لسياسات الرئيس، وهو الأمر الذي كان مشكوكًا فيه من قبل. مع ذلك ما حدث لكيري كان أمرًا بسيط، مقارنة بما حدث لأوباما نفسه. فقد دفعه الوضع إلى تقديم تفسيرات لقراراته تصل إلى حد الهذيان. لقد دمّر الحقائق، وجعل الترتيب الزمني مشوشًا، وأظهر نفسه بلا ذنب أو مسؤولية عن مقتل نحو 500 ألف شخص في سوريا، ونزوح 8 ملايين شخص في الداخل، والموجة الكاسحة من المهاجرين التي عصفت باستقرار أوروبا.
وتساءل الرئيس الأسبوع الماضي خلال اللقاء العام في المجلس المحلي، الذي استضافته محطة الـ«سي إن إن»، في فورت لي: «هل هذا وضع يؤدي فيه استخدام قوات أميركية كبيرة العدد إلى نتيجة أفضل؟». إنه سؤال لا بأس به، إلا أن هناك سؤالا أفضل: من اقترح مثل هذا التصرف؟ لا أحد له مكانة وأهمية. لقد أوصى فريق الأمن القومي لأوباما ذات مرة بتمويل، وتدريب المتمردين، الذين نبذهم أوباما في السابق ناعتًا إياهم بـ«المزارعين أو المعلمين أو الصيادلة السابقين الذين يتخذون الآن موقفًا معارضا من نظام يتمتع بالخبرة في الحرب». لقد أنصت أوباما إلى مدير الاستخبارات الأميركية، ووزير خارجيته، ووزير دفاعه، والقادة العسكريين، لكنه قال لا في النهاية، وانتهى النقاش؛ ولم يتم التوصية بإرسال قوات على الأرض.
في فورت لي، حفز الرئيس التدخل الروسي والإيراني في سوريا بقوله: «يقول المنتقدون لي إنه لو كنت قد منحت الدعم الكافي في وقت مبكر للمعارضة المعتدلة، لتمكنت المعارضة من الإطاحة بنظام الأسد المجرم القاتل. المشكلة في هذا الطرح هو أننا رأينا أن نظام الأسد يحظى بدعم روسيا وإيران».
صحيح أن النظام السوري كان يحظى دومًا بدعم كل من إيران وروسيا، لكن تطلب الأمر وقتًا ليشارك كل من «حزب الله»، وروسيا في القتال بالفعل. عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 كان أوباما قادرًا على القيام بفعل ما، وهو ما أشار ضمنًا إليه وقتها حين قال: «لقد آن الأوان لتنحي الرئيس الأسد». ولم يمتنع الأسد عن التنحي فحسب، بل لطخت قواته لاحقًا «الخط الأحمر» الشهير، الذي كان يتحدث عنه أوباما طوال الوقت، بإطلاق الغاز السام على مواقع مدنية.
رأى الأسد، وبوتين، والأشرار الآخرون على اختلافهم حينها، وتحديدًا عام 2013 أن أوباما رجل ضعيف.
أفهم جيدًا أن المرء لا يحب الاعتراف بفشله، خاصة إذا كان فشلا فقد الكثيرون أرواحهم بسببه. يقول بيل كلينتون إنه لن يسامح نفسه أبدا على عدم التدخل في إبادة رواندا. وبالمثل سوف يطارد هذا الأمر أوباما.
مع ذلك لا يزال في إمكان الرئيس اتخاذ موقف، حيث يمكنه دعم وزير خارجيته، وفرض ممر للمساعدات الإنسانية، أو على الأقل إلقاء المواد الطبية والطعام جوًا. لدى الولايات المتحدة بالفعل طائرات في المنطقة تستخدم في قتال تنظيم داعش. ولا يعد إلقاء المساعدات الإنسانية جوًا فعلا عدائيًا، ولا ينبغي لروسيا أن تراه كذلك. يمكن لأوباما القيام بذلك لأن أميركا تستطيع القيام بذلك، ولأنه لا ينبغي لها أن تقف وتشاهد ذبح الأبرياء دون أن تحرك ساكنًا، ولأنها تستطيع إخبار روسيا بأن عليهما التزاما أخلاقيا بإنقاذ الأرواح. ليس هذا خطا أحمر، بل هو الأمر الأهم.
ريتشارد كوهين- واشنطن بوست: الشرق الاوسط
↧