عصام ...يا عصام
بعد عدة سنوات على رحيله، لاحظت أني لا أزال أذكره في كل مرة تُذْكَرُ حلب أو تذكر النزاهة في إدارة شؤون الدولة.
عصام الزعيم لم يكن الوزير الذي صار إنساناً ذي قيمة بل الإنسان الذي صار وزيراً ذي قيمة.
كُنْتَ الصديق والرفيق، تجمع الثقافة واحترام الناس ... والنزاهة.
كنا في مركز البحوث نستقبل هذا العالم المغترب المتهم بمثالية الإشتراكية مرة كل سنة أو سنتين في إحدى ندواتنا المخصصة للتكنولوجيا أو الصناعة أو الإبتكار.
وفي كل مرة كان يأتي مشتاقاً للبلد ولحلب ودمشق ولنا، نحن رفاقه القدامى.
كنا نعرف فوضويته ونرسل له السائق قبل ساعتين من سفره ليوقظه ويساعده في ضبٌِ حقيبته، لأنَّ عصام لم يكن يهتم بهذه الأمور الأرضية التافهة.
طُلِبَ منه خلال إحدى زياراته أن يصبح وزيراً، فأتاني ظهراً إلى 'مطعم اليسار' ليقول: ما رأيك؟ هل أقبل؟ يجب أن أُجيب قبل السفر.
قلت له: طبعاً، يجب أن تقبل، ففي كل وزارة هناك أقليةٌ يُطلب منها وأكثريةٌ تستميت في الطلب وحتى الرجاء. لكنك يجب أن تعلم أن الدلال الذي ستحظى به لن يدوم لأنَّ المنظومة سيئة، وستستمر القوارض في التربص بك حتى يتخلصوا منك.
وتابعت 'الطريقة المعهودة هي أن يشفقوا عليك فيما بعد ويُنَقِّلوك من وظيفة إلى أخرى، ولكنك لست بحاجة لذلك فأنت رجل فكر وقلم وبذلك تستطيع أن تنسحب بهدوء بعد أن تكون قد خدمت بلدك وستضيف إلى سيرتك الذاتية منصباً استفاد من ذكره حتى الأغبياء، فحَرِيٌّ بك أن تجد أنت العالم من يقدرك في وظائف لاحقة'.
كان يصل الليل بالنهار وكنت تجد نور مكتبه مُضاءاً في أحلك ساعات الليل، ورغم أنه لم يكن تنفيذياً بل طارحاً فكرياً لمبادئ الإصلاح والتغيير، إلا أنه شَكَّل حجراً صلباً في وجه تيار الفساد.
وأخيراً نالوا منه وأمضى أيامه الأخيرة في سورية بعد أن أساؤوا إلى أعز ما يملك، سمعته العطرة.
الرجل الأصيل، إبن الحارة الحلبية الدافئة، مضى كسير النفس دون أن يرى ما سيحل بحلب المحبة.
لن ننساك يا عصام الزعيم، فالأنذال الذين صرعوك أوصلوا البلد إلى الخراب الذي نراه ...
لن ننساك أيها النزيه إبن النزيه، أيها المفكر الرصين وستبقى رفيق الدرب حتى نلتقي.