هنأت منظمة الدفاع المدني السوري، عبر صفحتها الرسمية على "تويتر"، الرئيس الكولومبي خوان سانتوس، لنيله جائزة نوبل للسلام، عقب دقائق من الإعلان عن النتائج، التي خسرت فيها المنظمة فرصتها لنيل الجائزة رغم الدعم الكبير الذي حظيت به.
وقال محمد، وهو أحد متطوعي الدفاع المدني السوري في مدينة إدلب، عقب إعلان النتائج: "لدي إيمان كبير أن ما نقوم به هو أكثر مما يمكن أن يقوم به إنسان من أجل إحقاق السلام على الأرض، نحن مستمرون في منح الأمل للسوريين. كل يوم ينتظرنا العشرات تحت الأنقاض لنعيد لهم الحق في الحياة، وهو ما سنركز عليه سواء دعمنا العالم أو لم يفعل".
وتأسست منظمة الدفاع المدني السوري التي باتت شهيرة باسم "الخوذات البيضاء"، عام 2014، بعد توحّد العاملين في الدفاع المدني في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، وذلك بهدف إنقاذ حياة المدنيين السوريين الذين يقصفهم النظام بشكل متكرر، وقد أسمهت حسب إحصاءات عناصرها بإنقاذ قرابة 62 ألف مدني في مختلف المناطق السورية.
وتضم المنظمة اليوم أكثر من 3 آلاف متطوع، تركوا وظائفهم السابقة ورهنوا وقتهم وحياتهم لإنقاذ المدنيين، وبينهم خبازون وخياطون ومهندسون وصيادلة ونجارون وطلاب.
وكانت نحو 126 منظمة حقوقية وإنسانية حول العالم؛ ساهمت بترشيح الدفاع المدني السوري لنيل جائزة نوبل للسلام، كما حصدت المنظمة دعماً واسعاً، ووقع أكثر من 300 ألف شخص على عريضة إلكترونية لدعمها.
ويتركز العمل اليومي لعناصر الدفاع المدني في معظم المدن السورية على إنقاذ المصابين، وانتشال الجثث من تحت الأنقاض عقب الغارات الجوية شبه اليومية التي ينفذها الطيران الحربي السوري والروسي على مناطق مدنية، إضافة إلى محاولات إسعاف المصابين.
ويعد عملهم المهنة الإنسانية الأكثر خطورة في العالم، بسبب الضربات الجوية المزدوجة التي تقوم بها هذه الطائرات، وخسرت المنظمة 132 متطوعاً خلال تأديتهم لعملهم قضى معظمهم بسبب هذه الغارات.
وإلى جانب إنقاذ الأرواح، توفر المنظمة الخدمات العامة لأكثر من 7 ملايين شخص، بما فيها إعادة توصيل الكابلات الكهربائية، وتوفير معلومات حول سلامة الأطفال، وتأمين المباني بعد القصف من خطر الانهيار.
ورغم الضربات الجوية العديدة التي استهدفت مباني الدفاع المدني وعناصره وآلياته طوال السنوات الماضية، أعلنت المنظمة التزامها بالمبادئ الإنسانية في التضامن والحيادية وعدم الإنحياز والاستقلالية، حيث يساهم عناصرها في إنقاذ الأشخاص من طرفي الصراع.
يذكر أن قائمة المرشحين للفوز بجائزة نوبل للسلام لهذا العام ضمت 376 منظمة وشخصية، من بينهم البابا فرنسيس والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وسكان الجزر اليونانية الذين يقدمون يد المساعدة للمهاجرين المتدفقين على أوروبا.
المصدر: العربي الجديد - لبنى سالم
"نوبل السلام" لسانتوس... رجل الحرب والسلم في كولومبيا
كسب الرئيس الكولومبي، خوان مانويل سانتوس، رهانه في مساعيه لإرساء السلام في كولومبيا، مع "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك)، بعد 52 عاماً من الحرب الأهلية في البلاد، وذلك إثر فوزه، اليوم الجمعة، بجائزة نوبل للسلام، كأول فائز من أميركا الجنوبية بهذه الجائزة، بعد 36 عاماً على فوز الأرجنتيني الناشط ضد العسكر، أدولفو بيريز إيزكيفيل، عام 1980.
ويخلف سانتوس بذلك اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس، التي فازت بجائزة العام الماضي، لدورها في "بناء ديمقراطية تعددية" بعد ثورة عام 2011 التونسية.
كان سانتوس مدركاً لدقة موقفه في اعتماده الخيار السلمي، لمعالجة الوضع العسكري مع "فارك". يعلم الرئيس الكولومبي أن الحروب المتناسلة لن تجدي نفعاً، لا بل ستُسهم أكثر في تدمير الاقتصاد الكولومبي الواعد. وعلى عكس أسلافه، خصوصاً ألفارو أوريبي، لم يستمر سانتوس بالمواجهات الاستفزازية مع "فارك"، وحافظ على جدّية العمل الحكومي بتأكيده حتمية عبور العملية السلمية مسارات قضائية وحقوقية، تسمح بمنح التعويضات لآلاف الضحايا المدنيين، مشدّداً على أن "الجميع تنازل من أجل كولومبيا".
عملية السلام مع "فارك" تبدو متعثرة بعض الشيء، بعد رفض الكولومبيين اتفاق السلام الموقّع بين الحكومة والحركة، يوم الأحد، بنسبة 50.24 في المائة، مقابل 49.76 في المائة أيدوا الاتفاق. بالنسبة إلى سانتوس، فإن اتفاق السلام لن يتوقف، تحديداً بعد عبوره 4 سنوات من المفاوضات المتنقلة، بين العاصمة الكوبية هافانا، وبمشاركة وسيط كوبي، وآخر نرويجي، قبل أن يتمّ توقيعه رسمياً في مدينة كارتاخينا، على الساحل الكاريبي، في 26 سبتمبر/أيلول الماضي.
ومع إعلانه أن العمل بوقف إطلاق النار مع "فارك" سينتهي في 31 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أمل في "أن نتمكن من المضي قدماً، لتنفيذ الأحكام والاتفاقات التي تسمح لنا بالتوصل إلى حل لهذا النزاع". ويبدو أن سانتوس بات شخصاً موثوقاً به من جانب الحركة، التي سارعت إلى إبداء استعدادها على لسان زعيمها، تيموليون خيمينيز، المُلقّب بـ"تيموشنكو"، لـ"تعديل" اتفاق السلام الذي رفضه الكولومبيون. وشدّد "تيموشينكو" على أن "فارك تبقى وفية لما تم التوصل إليه وستحافظ على وقف إطلاق النار الثنائي والنهائي من أجل تهدئة ضحايا النزاع واحترام الاتفاق مع الحكومة"، مع العلم بأن "تيموشنكو" قدّم اعتذاره لضحايا الحرب، للتأكيد على اتفاقه مع سانتوس.
ومع أن نتيجة الاستفتاء الشعبي غير ملزمة لبدء تنفيذ نص الاتفاق المؤلف من 297 صفحة، إلا أن سانتوس رغب، عبره، في إضفاء "شرعية أكبر" على السلام. لم يكن مسار سانتوس، المولود في بوغوتا عام 1951 سهلاً، فقد بدأ حياته في البحرية الكولومبية، قبل أن يتابع دراسته في جامعة كنساس الأميركية، حيث درس الاقتصاد وإدارة الأعمال، ثم تابع دراسته في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، لينال درجة الماستر في علم النمو الاقتصادي.
وواصل دراسته في مدرسة جون كينيدي التابعة لجامعة هارفارد الأميركية، ونال درجة الماستر أيضاً في الإدارة العامة. وبعد سنوات الدراسة، بات وزيراً للتجارة الخارجية في عهد الرئيس سيزار غافيريا تروخيّو، بين عامي 1991 و1994، ثم وزيراً للمالية في عهد الرئيس أندريس باسترانا أرانغو بين عامي 2000 و2002. كما عُيّن رئيساً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الثامن عام 1992، والذي انعقد في كارتاخينا ـ كولومبيا.
بدأت علاقته بعملية السلام مع "فارك" عام 1994، مع تأسيسه منظمة مساعدة للحكومة ومؤيدة لمفاوضات السلام مع الحركة. ومع تشكيله حزباً مسانداً للرئيس ألفارو أوريبي، عُيّن وزيراً للدفاع، عام 2006. وبرز اسمه خلال عمليات عسكرية ضد "فارك"، تحديداً بمقتل أبرز قادتها، راوول رييس عام 2008، بغارات على معسكر للحركة بالقرب من الحدود مع الإكوادور، فضلاً عن تحرير المرشحة السابقة للرئاسة الكولومبية، إنغريد بيتانكور، عام 2008، بعد ست سنوات من الأسر لدى الحركة. لكن ذلك لم يمنع من بروز الانتهاكات التي ارتكبها الجيش الكولومبي، التي طُرد في إثرها 27 عسكرياً من الجيش، وأوقف 67 آخرون، وأُخضع أكثر من 400 عسكري للتحقيق. بعدها استقال من منصبه الحكومي، قبل الانخراط في معركة رئاسية، فاز بها عام 2010.
وفي عام 2012، قرر سانتوس، بصفته رئيساً، بدء المفاوضات مع "فارك"، للتوصل إلى نهاية لحرب بدأت عام 1964. أُعيد انتخابه رئيساً عام 2014 لولاية ثانية وأخيرة، كون الدستور الكولومبي لا يسمح لأي كان بتسلّم رئاسة البلاد لثلاث ولايات، ولو بشكل غير متتال. ربما سيكون الاتفاق مع "فارك" أبرز حدث كولومبي منذ مقتل أبرز تاجر للمخدرات في القرن العشرين، بابلو إيسكوبار. وقد يكون الاتفاق نهاية مثالية لرجل بدأ حياته في البحرية الكولومبية، قبل التحوّل إلى تثبيت دعائم السلام في البلاد.
المصدر: العربي الجديد - بيار عقيقي