تشير كلمة " حلف " إلى تعاون وتساند مجموعات بشرية ، غالبا من أجل الدفاع المشترك عن مصالحها أمام تهديد حاصل او محتمل من مجموعات بشرية أخرى لتلك المصالح . وتتفاوت انواع وأشكال هذه المصالح ، وبالتالي الاحلاف المرتبطة بها ، من جهة بين عصر وعصر ، ومن جهة اخرى بين جماعة بشرية وأخرى . فقد تلونت المصالح والأحلاف بين المجموعات والجماعات العربية قبل الاسلام مثلاً ، باللون القبلي ، بينما تلونت الأحلاف التي عقدهاالرسول ( ص) مع قريش وغيرها من القبائل العربية ، وأيضاً مع اليهود باللون العقائدي ، وتميزت الأحلاف التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية بالجمع بين الطابعين الجغرافي والعقائدي في ان واحد ( حلف الأطلسي / الناتو ، حلف وارسو ) . أمّا مانعنيه بصفة الثوريين في عنوان هذه المقالة ، تحديدا ، فهو التيارات والفئات الاجتماعية والعقائدية التي ارتبطت بثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق ، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، والتي هي بصورة أساسية :
- التيار القومي ، - التيار الإسلامي ، - التيار اليساري ، - التيار الليبرالي .
وتشير المتابعة العلمية ، على صعيدي النظر والعمل ( النظرية والممارسة ) ، لكل من هذه التيارات الأربع المذكورة الى انطواء كل منها على مجموعتين متفاوتتي الحجم والتأثير ، إحداهما معتدلة والأخرى متطرفة . والصفة الأساسية للشخص أو للفئة المعتدلة - من وجهة نظرنا - هي اعترافها بأنها لاتملك الحقيقة وحدها ، وبالتالي فهي تحترم " الرأي الاخر " ، وتسعى إلى معرفته والاستفادة منه ، ولعل هذا هو ماعبر عنه الإمام الشافعي بقوله ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب ) . إن مبدأالاحترام المتبادل بين الرأي والرأي الاخر ، هو العاصم الأساس من التطرف ، ومن الغرور ، ومن الأنانية الكريهة ، ومن العمى الأيديولوجي ، ومن الانحطاط الأخلاقي ، الذي أوصل حاكم مثل بشار الأسد الى مسخرة " الأسد أو نحرق البلد " ، وأوصل مجموعات دينية متطرفة مثل داعش وحالش ومالش الخ ، الى مسخرة " تكفير " كل ماعداهم من أمة المليار مسلم ، بل من أمم مليارات الكون الستة ، اللهم باستثناء من أمدهم و يمدهم بالمال والسلاح بغض النظر عن هويته الدينية أو السياسية ، وعن أهدافه المشبوهة القريبة والبعيدة المعروفة .
ان الحلف الذي ندعو اليه هنا ، وفي إطار ثورة آذار ٢٠١١ خاصة ، هو نوع من " حلف المستضعفين " الذي تتحالف فيه فئات المضطهدين والمستغلّين ( بفتح الهاء وألغين ) ، للوقوف في وجه حلف المضطهدين والمستغلّين ( بكسر الهاء والغين ) الذي بدأ يهدد نجاح هذه الثورة ، وهو ما نراه بأم أعيننا هذه الأيام ، في الحلف شبه العلني المشبوه ، القائم بين مجموعات المتطرفين المحسوبين على الإسلام ، وبين الأنظمة المضادة لثورات الربيع العربي في الداخل والخارج ، والتي أخذت تشكل سداً دموياً أحمر، يحاول التصدي لثورات الربيع العربي ، بطرق مختلفة ، ولاسيما تزويد الأنظمة الدييكتاتورية والمجموعات الاجتماعية المرتبطة بها بالمال والسلاح والإعلام وبكل ما يساعد هذه القوى المضادة على التصدي لثورات الربيع العربي وإجهاضها ووقف انتشارها ،
ان " حلف المناضلين الثوريين " الذي ندعو إليه هنا ، إنما هو حلف وطني يتداخل على صعيده ماهو قومي مع ماهو قطري ، ماهو ديني مع ماهو علماني ، ماهو عربي مع ماهو إسلامي ، ماهو تقليدي مع ماهو حداثي ، ويكون الهدف المشترك بين الجميع ، إزالة أنظمة الفساد والاستبداد التي تعيش تحت الحماية والرعاية الأجنبية ، وإقامة نظام المواطنة و الديموقراطية القائم على العدل والمساواة ، وايضا الهادف الى تحرير الوطن أرضا وشعبا من كل اشكال الاستغلال والاستعمار.
ومن هذا المنطلق السياسي والأخلاقي ، فإننا نهيب بإخواننا من قادة ثورات الربيع العربي بصورة عامة ومن قادة الثورة السورية ( ثورة آذار ٢٠١١ ) بصورة خاصة أن يعمدوا إلى تشكيل " حلف المناضلين الثوريين " من معتدلي التيارات الأربع التي اشرنا إليها أعلاه ، دون تأخير ، تلافيا لما يمكن أن تؤول إليه أمور إخوتنا وأبنائها في حلب و دير الزور، ذلك الحلف الذي يشير تكوينه الأيديولوجي ( الثوار المعتدلون من كافة الفصائل ) ، من جهة الى ضرورة ان تنأى هذه الثورات بنفسها عن كل تطرف نظري أو عملي ، ومن جهة أخرى ، أن تعرف وتدرك مايحيكه لها الآخرون تحت مسميات وشعارات ورايات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب .ان تحالف الأخوة المناضلين الشرفاء ، وتصديهم المشترك لما يحاك لثورتهم من مؤامرات ، هو الطريق القويم الوحيد الذي سيوصل سفينة ثورة ربيع دمشق إلى شاطئ السلام والأمن والاستقرار . شاطئ الديموقراطية والتعددية ، شاطئ العدل والمساواة ، شاطئ المحبة والأخوة وحقوق الإنسان ، ويجعلها تصمد أمام كافة المؤامرات الداخلية والخارجية ، طال الزمن أم قصر.
د. محمد أحمد الزعبي
↧