تبدو الحدود الجنوبية لتركيا، مناطق ملتهبة، وتشهد المدن الثلاث الكبرى جنوبها؛ الموصل وحلب والرقة، حروباً عنيفة، على وقائع الانقسام الأهلي الطائفي، والمشاركة الإقليمية والدولية في الحرب على "الإرهاب"، أو الحرب ضد المدنيين كما في الحالتين الروسية والإيرانية. وتبقى تركيا، المكتوية بآثار الإنقلاب الدموي في 15 تموز/يوليو، المعنية الأكبر بأمن حدودها الجنوبية، وحماية السكان المحليين، بعدما تعدت عتبة اللجوء السوري إليها 2.7 مليوناً، والعراقي 300 آلف. السعي لوحدة الكيانات السياسية جنوبي تركيا، سوريا والعراق، هو جزء من مقاربة أوسع تنتهجها الجمهورية التركية بقيادة حزب "العدالة والتنمية" لحماية المنطقة وخفض مستوى العنف فيها. ويقود ذلك إجماع سياسي تركي نادر، تجلى بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة، وباتت تظهر أثاره في حماية آمن تركيا، داخلياً وخارجياً، في مواجهة أربع مجموعات "إرهابية": حزب "العمال الكردستاني" وحزب "الاتحاد الديموقراطي" و"الدولة الإسلامية" وحركة "الخدمة" التابعة للداعية فتح الله غولان.
.
السفير التركي في لبنان شغاطاي أرجييس، قال لـ"المدن"، إن استقرار الجيران هو استقرار لتركيا، وإذا ما عم الازدهار في المنطقة فهو إزدهار لتركيا أيضاً. السفير أكد أن انتهاج أي مقاربة طائفية أو إثنية، ستخلق المزيد من الفوضى، وهذا ليس من مصلحة تركيا. ويدلل على ذلك، بالعلاقات الممتازة مع كردستان العراق التي تحولت إلى شريك اقتصادي كبير بحجم تبادل تجاوز 10 مليارات دولار. فلا مشكلة تركية مع الأكراد في سوريا والعراق، بل هي مشكلة مع فصيل كردي انفصالي -وأذرعه في سوريا والعراق- يخوض حرباً دموية ضد تركيا منذ 40 عاماً
.
.وعن تطبيع العلاقات الروسية التركية، يقول السفير، إن المصالح المشتركة بين البلدين كبيرة جداً، ولا يجب أن يؤثر الخلاف في سوريا عليها. فميزان التبادل التجاري بين أنقرة وموسكو تجاوز 30 مليار دولار، وتدهور العلاقات بينهما على خلفية إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، تسبب بمعاناة البلدين واقتصاديهما.
.السفير لا ينكر الخلاف المستمر في الشأن السوري، بين البلدين، ونفى بشكل قاطع الإشاعات التي تتردد حول مقايضة جرت بينهما، بحيث تأخذ روسيا حلب مقابل أن يكون ريفها شمالها الشرقي حصة تركيا. وعدا عن عدم وجود أطماع جغرافية تركية في سوريا، فتركيا معنية للغاية بما يحدث في حلب، وهي على اتصال دائم مع الروس لوقف قصفهم للمدنيين.
.كما أن تركيا لاعب رئيس في اجتماعات لوزان ولندن للتباحث بشأن إقرار تسوية سياسية في سوريا. تركيا لا ترى فرصة لوجود بشار الأسد في مستقبل سوريا، فهذا الأمر وعدا عن اشكالياته السياسية، فهو مشكلة خاصة بتركيا، إذ إن اللاجئين السوريين على أراضيها لن يعودوا طالما بقي الأسد في السلطة.
. كما أن الهجوم على الموصل والرقة إذا ما اتبع خططاً انتقامية طائفية وإثنية، فلن يعني إلا المزيد من موجات اللاجئين. وتركيا إذ تقدر ما تكلّفته لرعاية اللاجئين السوريين منذ خمسة أعوام، بـ12 مليار دولار، وما أنفقته الجمعيات الإغاثية والإنسانية التركية غير الحكومية بـ8 مليارات، تعتبر أنه قد آن الأوان للاتحاد الأوربي أن يتحمل جزءاً من مسؤولياته. فالـ400 مليون دولار التي قدمها الإتحاد للاجئين السوريين في تركيا، على مرّ 5 أعوام، تكاد تكون مزحة وهو المعني بعدم وصولهم إلى شواطئه.
.
في لبنان، بدا السفير أرجييس، على مسافة واحدة من مرشحي الرئاسة ومبادرات الحل للأزمة السياسية العاصفة بالبلد منذ سنتين ونصف؛ فالمهم هو ملء الشغور الرئاسي واستمرار عمل المؤسسات. السفير يُدرك بأن الاهتمام العالمي منزاح عن لبنان، نتيجة أزمات المنطقة وحروبها، وهدوءه النسبي واستمرار الأعمال الاقتصادية فيه والمستوى الأمني الجيد ضمنه. إلا أن ذلك، يجب ألا يتحول إلى مبرر لغض النظر عن أزماته المحلية وهو الذي يستضيف أكبر عدد لاجئين بالنسبة لمساحته وعدد سكانه.
المصدر: المدن - المدن - عرب وعالم
↧