اقترب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون المتحالف مع «حزب الله» من كرسي الرئاسة اللبنانية، بعد الترشيح الرسمي من قبل رئيس تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي برر الترشيح بـ«الخوف على مستقبل لبنان»، معترفا بأنه يخاطر بشعبيته ومستقبله السياسي، في هذا القرار الذي لاقى اعتراضات علنية قليلة في صفوف كتلته التي رفض 3 من أعضائها البارزين التصويت لعون.
وبترشيح الحريري لعون، تكون صورة التوازنات الانتخابية قد اقتربت من الظهور، مع حصول عون على «الغالبية العددية» التي لا تكفي وحدها لانتخابه في الجلسة المقررة في 31 الحالي، والتي تنتظر تذليل عقبتي موقف رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط. وإذا كان موقف جنبلاط «قابلا للأخذ والرد» كما قالت مصادر قريبة من الحريري، إلا أن موقف بري بدا متصلبا للغاية، إذ أبلغت مصادره «الشرق الأوسط» أنه ما يزال عند موقفه الرافض التصويت لعون في رئاسة الجمهورية، والرافض لتسمية الحريري رئيسا للحكومة. ورغم أن بري وافق على استقبال عون الذي طلب زيارته ليلا، إلا أن مصادر بري جددت التأكيد على أن الزيارة «لن تقدم أو تؤخر في موقف الرئيس بري المعلن» أي الرفض المطلق للتصويت لعون والانتقال إلى صفوف المعارضة في حال وصوله.
وفيما خص موقف جنبلاط، فقد أفادت مصادر قريبة منه «الشرق الأوسط» أنه لم ينظر بارتياح إلى خطاب الحريري، لكنه لم يسقط إمكانية التصويت لعون، تاركا الأمر لاجتماع كتلته البرلمانية يوم غد السبت. وأوضحت مصادر أخرى مطلعة على موقف جنبلاط أن الأخير قد يترك الحرية لأعضاء اللقاء الديمقراطي من غير الحزبيين (أربعة نواب) فيما سيلتزم النواب السبعة من أعضاء الحزب التقدمي الاشتراكي بالتصويت وفقا لقرار الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه.
وقالت مصادر مطلعة على المشاورات الحالية إن موعد انتخاب عون قد يتأخر إلى ما بعد 31 الحالي بانتظار تذليل عقبة موقف الرئيس بري، مشيرة إلى أن عون والحريري ينتظران من «حزب الله» التدخل لترطيب الأجواء مع بري. وقالت المصادر أن تأخير الجلسة قد يكون المخرج في حال أريدت طمأنة الرئيس بري أولا، أما في حال تقرر انتخاب عون وترك موقف بري إلى ما بعد الانتخاب فالأمور ستكون شديدة الصعوبة.
وكان الحريري وجه كلمة إلى اللبنانيين عصر أمس أعلن فيها ترشيح عون. وفنّد الحريري في خطاب انتظره اللبنانيون طويلا الأسباب التي دفعته لتبني خيار ترشيح عون وبالتالي الخضوع لشرط «حزب الله» الذي كان قد ردد مرارا وتكرارا أنّه لن يكون هناك رئيس للبنان غير العماد عون. وقال في مؤتمر صحافي عقده في حضور معظم نواب كتلته وعدد كبير من الفعاليات والإعلاميين إن «الوضع اليوم أخطر وأصعب بكثير مما قد يكون ظاهرا للكثير منكم، خاصة في ظل طروحات من شأنها أن تؤدي إلى حرب أهلية»، كاشفا عن تفاهمات توصل إليها مع عون وأبرزها تحييد الدولة اللبنانية بالكامل عن الأزمة في سوريا، وعدم طرح تعديل على النظام قبل تحقيق إجماع وطني من كل اللبنانيين، كما أشار إلى اتفاق على إعادة إطلاق عجلة الدولة والمؤسسات وإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد والخدمات الأساسية وفرص العمل، وفرصة الحياة الطبيعية للبنان واللبنانيين واللبنانيات. وأضاف الحريري: «العماد ميشال عون، وفق القواعد التي التقينا عليها، مرشح ليكون رئيسا لكل اللبنانيين، وحارسا لسيادتهم وحريتهم واستقلالهم وخيارات الإجماع بينهم، لا خيارات الانقسام، سواء جاءت من حليف له أو خصم اختار مواجهته»، لافتا إلى أنّه «سيحرص، كما سنفعل نحن، على الانفتاح على كل القوى السياسية القادرة على دعم مسيرة بناء الدولة بالمزيد من أسباب نجاحها».
ولم يتجنب الحريري التصويب على مشاركة «حزب الله» في القتال بسوريا حين تساءل: «ماذا كان ليفعل رفيق الحريري إزاء انخراط حزب الله في الدم السوري وإزاء الخيارات الهوجاء التي قابلته في عبرا وطرابلس وغيرها؟»، وقال: «ما نحن في صدده اليوم هو تسوية سياسية بكل معنى الكلمة، لكنني لن أختبئ خلف إصبعي، فأنا أعلم أن الكثير منكم غير مقتنع بما أقوم به، وبعضكم خائف من مخاطره علي، شخصيا وسياسيا، ويشكك، بناء على تجارب الماضي، بنوايا حزب الله الحقيقية بعد إعلاني هذا، ويقول لي: هذه ليست تسوية، هذه تضحية بشخصك، بشعبيتك، وربما بأصوات ناخبين لك في الانتخابات النيابية المقبلة. ولكل هؤلاء أقول: نعم أنها مخاطرة سياسية كبرى، لكنني مستعد أن أخاطر بنفسي وبشعبيتي وبمستقبلي السياسي ألف مرة لأحميكم جميعا، ولست مستعدا لأخاطر مرة واحدة بأي واحد منكم لأحمي نفسي أو شعبيتي أو مستقبلي السياسي».
وفور انتهاء الحريري من خطابه أعلن عدد من نواب كتلته عدم التزامهم بقرار ترشيح عون للرئاسة، وأبرزهم رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة، والنائبان أحمد فتفت، عمار حوري.
وفي المواقف السياسية التي تلت قرار الحريري، أشار السنيورة إلى أنه يرفض انتخاب عون، لكنه شدد على البقاء إلى جانب الحريري. وقال في تصريح من بيت الوسط «من الطبيعي أن أكون إلى جانب الرئيس سعد الحريري كنت وسأبقى إلى جانبه نظرا لما يجمعنا من الكثير من المشتركات الوطنية والعروبية والحرص على اللبنانيين»، معتبرًا أن ما قاله الحريري «يعبر عن الحس الرفيع من التقدير للمصلحة الوطنية والرغبة في إيجاد مخرج للأزمة الكبرى». وأضاف السنيورة «هناك تمايز بيني وبين الرئيس الحريري فيما خص انتخاب رئيس الجمهورية، لكن هذا لا يمنع من أنني كنت وسأبقى إلى جانبه استنادا إلى كل هذه الثوابت، الانتخاب يكون بناء على القناعات وما نظن أنه السبيل الذي يؤدي إلى خدمة لبنان»، مؤكدًا أن «هذا التمايز لا يفسد العلاقة الوثيقة والتضامن بيننا وبين الرئيس الحريري، لكني لن أنتخب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية». وشدد السنيورة على أن كتلة المستقبل «ستبقى موحدة ولا انقسام فيها، وهي من أكثر الكتل النيابية التي كانت تحرص على الانفتاح والحرية بين أعضائها».
من جهته قال عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت في تصريح له «مع كل تقديري واحترامي لدولة الرئيس سعد الحريري ومبادراته ومساعيه لإنهاء الشغور الرئاسي، إلا أن ما وصلت إليه هذه المساعي، وتحديدا إعلانها لالتزام بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، لا ينسجم وقناعاتي الوطنية والسياسية كعضو مؤسس في تيار المستقبل وفي كتلة المستقبل». وأضاف: «من هذا المنطلق أعلن رفضي لهذا الخيار لمجموعة كبيرة من الأسباب والمعايير السياسية والتي سبق وأن عبرت عنها علنا في الإعلام وبشكل واضح وصريح، كما فعل ذلك تقريبا جميع أعضاء كتلة المستقبل في اجتماعات هذه الكتلة بحضور دولة الرئيس سعد الحريري».
أما رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي فعلّق على خطاب الحريري، قائلاً «مغامرة جديدة نخشى أن تقود الوطن إلى مزيد من الانقسام والتأزم». فيما قال وزير الاتصالات بطرس حرب: «مبروك للشعب اللبناني لقد انتصر الابتزاز السياسي».
وكما كان متوقعا، وصل عون بعد أقل من نصف ساعة على إعلان تأييده لرئاسة الجمهورية إلى دارة الحريري، حيث عقد اجتماعا معه بحضور وزير الخارجية جبران باسيل.
المصدر: الشرق الأوسط
↧