على الرغم من إشارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إلى أن «كل الخيارات مفتوحة» بما فيها فرض عقوبات على روسيا بسبب أدائها في حلب، ولدفعها من أجل مد الهدنة، وتمكين إيصال المساعدات الإنسانية، والعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل الدفع نحو عملية انتقال سياسي، فإن مصادر رسمية أوروبية خففت من الاندفاعة الفرنسية، وقللت من «أثر» العقوبات الاقتصادية فيما لو فرضت على مسار الأحداث في سوريا.
وقالت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، إن مشكلة العقوبات ثلاثية: فهي من جهة تتطلب موافقة أوروبية جماعية لإقرارها، وهذا غير متوفر في الوقت الحاضر، وفرنسا نفسها «غير متحمسة كثيرا لها»، فيما الحكومة الألمانية منقسمة على نفسها بشأنها. ومن جهة ثانية يحتاج إقرارها لوقت طويل ومساومات لا تنتهي، وخصوصا إذا كانت روسيا هي المستهدفة. أما الجانب الثالث فهو أن أثرها سيكون ضعيفا وسيحتاج لوقت طويل حتى يظهر. وفي أي حال، تضيف هذه المصادر أنه «لا نستطيع المقارنة بين إيران، التي فرضت عليها عقوبات سمحت لاحقا بالتوصل إلى اتفاق معها بخصوص برنامجها النووي، وبين روسيا». أضف إلى ذلك، أن العقوبات المفروضة على موسكو لم تنفع في حملها على تغيير سياستها في أوكرانيا أو التخلي عن ضم شبه جزيرة القرم. وفي أي حال، فإن البث أوروبيا حتى اليوم انحصر في فرض عقوبات إضافية على سوريين أو شركات سورية، وليس على روسيا التي استبعدت أن يتوصل الأوروبيون في قمتهم إلى إقرارها على الرغم من قناعتهم بـ«الحاجة لاستمرار ممارسة الضغوط عليها لتغيير أو تليين أدائها في سوريا».
وكان الرئيس هولاند قد أشار، قبل التئام القمة في بروكسل، أمس، إلى أن «كل الخيارات ستكون مفتوحة طالما لم تحترم الهدنة في حلب، وبقيت الرغبة قائمة في سحق هذه المدينة». وأشار هولاند إلى «الضغوط» التي مارسها مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على الرئيس الروسي بوتين في القمة الثلاثية التي جمعتهم في برلين، ليل أول من أمس، لوقف القصف على حلب. وكشف هولاند أنه عازم على إقناع الأوروبيين بممارسة الضغوط اللازمة، بما فيها «العقوبات الإضافية» على الجهات التي تدعم قوات النظام السوري. وبرأيه، فإن أي «تهديد» بالعقوبات يمكن أن يكون «مفيدا» لحمل الروس على التعاون.
بيد أن كلام الرئيس الفرنسي المتسم بالحدة، والذي يعكس استمرار العلاقات المتوترة بينه وبين بوتين، بعد إلغاء زيارة الأخير إلى باريس التي كانت مقررة أول من أمس، لا يبدو أنه يؤثر على تعاطي الرئيس الروسي مع المسألة السورية. فقد قالت مصادر أوروبية اطلعت على ما دار في قمة برلين الثلاثية، إن بوتين «بقي حازما في مواقفه ولم يقدم أي تنازل». وبعد مناقشات وصفتها هذه المصادر بأنها كانت «حادة»، قبل الرئيس الروسي (ولم يقدم وعدًا) بالنظر في إمكانية تمديد العمل بالهدنة، وذلك من أجل هدف إنساني بحت. والصادم في كلام بوتين لهولاند وميركل، أنه شبَّه وضع حلب بما كان عليه في مدينة غروزني، عاصمة جمهورية الشيشان، عندما كانت، وفق بوتين، تحت سيطرة «الإرهابيين». وقال الرئيس الروسي: «سنطبق في حلب ما طبقناه في غروزني»، أي استخدام القوة المطلقة لحسم الوضع، الأمر الذي فهمه المسؤولان الأوروبيان على أنه «حازم» في سعيه لحسم معركة حلب عسكريا. وكشفت هذه المصادر أن بوتين أوضح لميركل وهولاند أنه يستطيع حمل النظام السوري على تنفيذ ما يتم الاتفاق حوله، بعكس ما كان يشيعه وزير خارجيته سيرغي لافروف من أن موسكو «غير قادرة» على ضمان تنفيذ الأسد التعهدات التي توقع عليها روسيا.
تعتبر هذه المصادر أنه يتعين النظر إلى ما يجري من «محادثات تقنية» بين العسكريين الروس والأميركيين والسعوديين والقطريين والأتراك في جنيف بشأن «الفصل» بين «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقا) وبين الفصائل المعتدلة، لمعرفة مصير الهدنة «المؤقتة» التي مدد العمل بها إلى يوم الاثنين. وتفيد المعلومات المتوافرة أن ثمة «خلافات واضحة» بين المقاربة الروسية ومقاربة الآخرين حول «اللوائح» المقدمة للنقاش. والواضح أن الطرف الروسي لا يعتبر «جبهة فتح الشام» وحدها الإرهابية، بل لديه تعبير «المنظمات الإرهابية الأخرى». وهنا يدور الخلاف حول تحديد هوية هذه الحركات التي يطالب الجانب الروسي بخروجها أيضا من حلب، مقابل «وقف القصف الجوي» على هذه المدينة. أما مصير الآخرين وما سيحل بالمدنيين وكيفية التعاطي معهم، فإن الروس يحيلون السائل إلى ما ستنتجه المحادثات مع النظام السوري.
وتشير المصادر الأوروبية إلى أن روسيا تريد «استخدام» الأفكار التي تقدم بها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا حول خروج عناصر «النصرة»، في الوقت الذي تؤكد عزمها على «تنظيف» حلب من الإرهابيين والمسلحين، ما يعني رفضها بقاء عناصر الفصائل الأخرى المسلحة داخل المدينة. وفي أي حال، فإن الغربيين ينظرون بكثير من الشكوك لمسألة فتح المعابر لخروج المدنيين، ويرون في ذلك محاولة لإفراغ المدينة من ساكنيها. وعوضا عن ذلك، فإنهم يطالبون بوقف القصف وبإيصال المساعدات الإنسانية، والعودة إلى المسار السياسي. لكن وجهة الأحداث لا تدل على أن الرهان الغربي على دور روسي معتدل «مصيب»، أقله في السياق السياسي الحالي.
المصدر: الشرق الأوسط
↧