لم تعد عملية الطباعة محصورة بالورق، كما كان الحال في العقود السابقة، إذ تطورت لتصل إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي يُمكن توصيفها بأنها "ثورة" القرن 21 بعدما كان الانترنت ثورة القرن الماضي. تماماً كما دخل الانترنت المجالات كلها وعمل على تطويرها وتحسينها، بدأت الطباعة ثلاثية الأبعاد بدخول مجالات عدة حتى الساعة، للعمل على تطويرها وتحسينها. على سبيل المثال لا الحصر، أعلنت إمارة دبي افتتاح أول مبنى حكومي في الشرق الأوسط مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد.
هذا المبنى الذي استغرق وقت طباعته نحو 17 يوماً، في حين تم تركيبه في الموقع خلال يومين. واستعملت في هذه العملية طابعة بارتفاع 20 قدماً وعرض 40 قدماً مزودة بذراع آلي لتسهيل عملية الطباعة. اللافت، أن المبنى الذي تصل مساحته إلى 250 متراً مربعاً، عمل عليه عامل واحد لمراقبة الطابعة، بالإضافة إلى 7 أشخاص أشرفوا على عملية التركيب في الموقع. ما وفّر أكثر من 50 في المئة من الكلفة البشرية المقدرة لبناء هذا المبنى. وتأتي هذه الخطوة ضمن رؤية الامارات عموماً ودبي على وجه الخصوص للترويج لأحدث وسائل التكنولوجيا في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد، وتحويل هذه المدينة إلى إحدى "أذكى" المدن في العالم بحلول العام 2030.
وهناك كثير من الأمثلة التي يمكن دراستها والتعمق فيها، بشأن استعمال الطباعة ثلاثية الأبعاد في عالم البناء، إذ استطاعت شركة " وين صن " الصينية طباعة 10 منازل في مدة لا تتجاوز 24 ساعة. وبعيداً عن عالم البناء، دخلت الطباعة ثلاثية الأبعاد إلى عالم الطعام أيضاً. إذ احتفلت مدينة لندن بافتتاح أول مطعم من نوعه في العالم يُقدم وجباته من خلال الطباعة.
لكن المشكلة الرئيسية تكمن في ارتفاع كلفة هذه التقنية، إذ تصل كلفة الطبق الواحد في هذا المطعم إلى 330 دولاراً. وقد استعمل هذا المطعم تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في طباعة الأطباق والأثاث وأدوات المائدة، وحتى الاكسسوارات المحيطة، إضافة إلى الطعام بطبيعة الحال. وكل ما احتاج إليه هذا المطعم لطباعة الأطباق التسعة التي يقدمها، هو أحبار مصنوعة من أنواع مختلفة من الطعام بإشراف فريق من الطهاة.
ولا يقتصر دخول الطباعة الثلاثية الأبعاد على هذين المجالين، فقد أشارت مجلة " ساينس " الأميركية إلى أن العمل جار على تطوير هذه التقنية لتتمكن من طباعة العظام. وبدأ العمل بالفعل على تطوير هذه التقنية التي أثبتت نجاحها على الفئران والقردة. ما سيؤدي إلى تطوير طرق معالجة العظام، خصوصاً سرطان العظم. وفي السياق الطبي أيضاً، تمكن مارك بلانكيت، وهو جراح قلب في مدينة ايلينويس الأميركية، من طباعة قلب مطابق لقلب مايلا كريمر وهي طفلة لا يتجاوز عمرها سنتين، تعاني من ثقوب في قلبها تهدد حياتها. وذلك بهدف اجراء العملية عليه قبل المباشرة في العملية الفعلية، ما رفع نسبة نجاح العملية. وقال الطبيب إنه من خلال هذه التقنية يستطيع "حمل قلب المريض بيده ليتمكن من دراسته بشكل أفضل"، مشيراً إلى إنه لولا هذه التقنية لما تمكنت من معالجة الطفلة.
ولا تتوقف "الثورة" عند هذه المجالات، إذ أعلنت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" عن شراكة بينها وبين شركة " مايد ان سبايس " (صُنع في الفضاء) لإرسال أول طابعة ثلاثية الأبعاد إلى الفضاء. وستساعد هذه التقنية على تخفيض كلفة ارسال المواد إلى الفضاء بشكل ملحوظ، إذ تتطلب عملية الارسال نحو 10 آلاف دولار أميركي لكل نصف كيلوغرام.
والحال أن الأمثلة التي يمكن استحضارها في هذا السياق لا يُمكن حصرها، خصوصاً أن الطباعة ثلاثية الأبعاد لا تزال قيد التطوير. لكن الأكيد في ما سبق وما سيليه، أنه لا مفر من اعتبار هذه التقنية أنها "ثورة" القرن 21. ومع التطور الذي تشهده هذه الصناعة في العالم، بدأ العمل على معالجة المشكلة الأبرز التي تواجهها: الكلفة. إذ أصبحت هذه الآلات متوافرة في الأسواق العالمية وبأسعار "معقولة" مقارنة مع الأسعار المرتفعة السابقة.
ووصلت قيمة هذا القطاع في العالم إلى 5.1 مليار دولار في العام 2015، بارتفاع وصل إلى 25.9 في المئة عن العام الذي سبقه. وتم بيع أكثر من 278 ألف آلة تجارية للطباعة ثلاثية الأبعاد (كلفتها أقل من 5 آلاف دولار) حول العالم، في العام 2015 فقط.
المصدر: المدن - حسن يحيى
↧