انهارت دفاعات مليشيات النظام الأولى في الأطراف الغربية من حلب، وتمكنت المعارضة من نقل المعارك إلى داخل أحياء حلب الغربية، في نقلة نوعية بعد اطلاقها، الجمعة، معركة "كسر الحصار". وسيطرت المعارضة على معظم المناطق الطرفية الواقعة في محيط حي حلب الجديدة و"مشروع 3000 شقة" في حي الحمدانية. ودخلت المعارك فعلياً إلى قلب الحيين الاستراتيجيين، واللذين تتوزع فيهما الدفاعات الأهم عن "الأكاديمية العسكرية"، والأحياء التي تخضع لسيطرة مليشيات النظام غربي المدينة.
وأعلنت المعارضة في "جيش الفتح" و"فتح حلب" و"جيش ادلب الحر" وفصائل أخرى، المرحلة الثانية من المعركة، الأحد، واستأنفت هجماتها البرية نحو "مشروع 3000 شقة" في حي الحمدانية، ففجرت فيه سيارة مفخخة، وسيطرت على أجزاء واسعة من الحي. وكذلك في حي حلب الجديدة الذي دخلته المعارضة مساء السبت، لتخوض فيه معارك واشتباكات عنيفة "حرب شوارع" حتى ساعة متأخرة من فجر الأحد، بعدما أحكمت سيطرتها على منطقة منيان البلدة، والمبنى الأصفر، وعدد من الكتل والأبنية المحيطة بمدخل الأكاديمية العسكرية من جهة الغرب. وبذلك أصبحت الأكاديمية العسكرية في مرمى نيران المعارضة التي كثفت القصف نحوها بصواريخ "حمم" و"فيل" محلية الصنع، وبوابل من صواريخ الغراد، ما تسبب باشتعال النيران داخلها، وهي الآن تشهد أعنف المعارك بين الطرفين في محاولة من المعارضة للسيطرة عليها.
المتحدث العسكري باسم "حركة أحرار الشام الإسلامية"، أحد قادة "جيش الفتح" أبو يوسف المهاجر، قال لـ"المدن"، إن المرحلة الأولى من المعركة حققت نجاحاً كبيراً، وأصبح من الممكن الانطلاق في المرحلة الثانية، التي تهدف إلى بسط السيطرة على الأحياء السكنية التي حولتها المليشيات إلى مناطق وثكنات عسكرية في محيط الأكاديمية العسكرية، والتمهيد لفك الحصار عن الأحياء الشرقية تالياً.
وأشار المهاجر إلى أن المليشيات أبدت مقاومة عنيفة مؤخراً، وحاولت غير مرة لملمة صفوفها وشن هجمات معاكسة لكنها فشلت بسبب الضغط الناري والتغطية العنيفة من قبل المعارضة لهجماتها البرية، والتي تسببت بإجهاض محاولات المليشيات والتي كانت في موقع المتصدي دائماً بفعل تغيير محاور القتال واتباع تكتيكات جديدة وتمويه مستمر من قبل مقاتلي المعارضة باستمرار.
وأوضح المهاجر أن المعارضة حققت الغلبة على المليشيات من خلال التمهيد الناري العنيف، بالصواريخ المحلية، وصواريخ غراد متوسطة المدى، وتمتعها بعنصر المفاجأة، كما كان لتوزيع الأدوار بين الفصائل دور كبير في استمرار التقدم، فغرفة العمليات إلى الآن تسير وفق الخطط المرسومة، مع الاحتفاظ بإمكانية المبادرات الفردية التي يفرضها الميدان ويقدرها القادة الميدانيون.
واستخدمت المعارضة منذ بدء هجماتها 10 سيارات مفخخة، في المحاور الغربية، أربعة منها تم تفجيرها خلال الساعات القليلة الماضية، واستهدفت تحصينات مليشيات "حزب الله" اللبناني و"حركة النجباء" العراقية و"لواء القدس" والأفغان و"الحرس الثوري" الإيراني، والتي تتقاسم خطوط الجبهات في منيان ومحيط الأكاديمية و"مشروع 3000 شقة" في حي الحمدانية والحي الجنوبي من حلب الجديدة وجمعية الزهراء والمباني المحيطة بها وبـ"كتيبة المدفعية" في الجبهات الشمالية الغربية، ما تسبب بخسارة تلك المليشيات أعداداً كبيرة من عناصرها ومهدت لدخول مقاتلي المعارضة والتوغل أكثر في المناطق المستهدفة.
وما تزال المعارضة تمسك بزمام المبادرة كاملة في العمليات البرية رغم محاولات مليشيات النظام المستميتة لتعديل الموقف المتدهور لقواتها، والانهيار المستمر في دفاعاتها الأولى عن الأحياء الغربية. ففي الوقت الذي تمكنت فيه مليشيات النظام من استعادة السيطرة على معامل الأوبري وبيوت مهنا، وعدد من الكتل والأبنية السكنية والعسكرية في جمعية الزهراء بعد سيطرة المعارضة عليها لساعات السبت، فاجأتها المعارضة بفتح جبهات منيان ومحيط الأكاديمية وحي حلب الجديدة و"مشروع 3000 شقة" في جبهات الوسط غربي حلب، وتمكنت من التقدم في أكثر من محور والسيطرة على عدد من المواقع فيها.
وفتحت المعارضة أولى جبهاتها بشكل فعلي ضد مليشيات النظام في قلب المدينة المحاصر، في الجهة المقابلة لمحور الهجوم الخارجي غرباً، في حي صلاح الدين وحارة الحشكول، وبدأته بتفجير لمبان كانت تتحصن فيها المليشيات، ما أسفر عن مقتل عشرين عنصراً على الأقل. ومن المتوقع أن تركز المعارضة معاركها في الداخل على محور صلاح الدين والأعظمية، خلال الساعات القادمة، باعتبارها أقرب المواقع التي من المفترض أن تؤمن التقاء قوات المعارضة من الداخل والخارج بهدف كسر الحصار عن الأحياء الشرقية.
من جانب آخر، تصدت المعارضة لهجمات مليشيات النظام داخل المدينة، في المحاور الشرقية في الشيخ لطفي وكرم الطراب وفي المحاور الجنوبية في عزيزة، حيث حاولت المليشيات التقدم في أكثر من محور فيها، والتخفيف عن قواتها غربي حلب، لكنها فشلت أمام المعارضة التي تمكنت من التصدي لها وقتلت وأسرت 10 من عناصرها. وتبادل الطرفان القصف بالأسلحة الثقيلة، والمدفعية والصواريخ.
وفي المقابل، خسرت المعارضة أكثر من 20 مقاتلاً من صفوفها مؤخرا، بينهم القائد العسكري في "جيش الإسلام" أحمد سندة، سقطوا في مناطق جمعية الزهراء، وفي الضربات الجوية الروسية التي تصاعدت بشكل كبير خلال الساعات الـ24 الماضية، والتي تركزت بشكل أساس في الأطراف الغربية للمدينة. واستهدفت المقاتلات الروسية بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية والارتجاجية مواقع المعارضة في سوق الجبس ومنطقة عقرب والبحوث العلمية و"مشروع 1070 شقة" والراشدين والمنصورة ومدرسة الحكمة. وجميع تلك المناطق تعتبر محطات انطلاق أولى لمقاتلي المعارضة نحو جبهات القتال. كما استهدف النظام حيي الراشدين ومنطقة خان العسل بقذائف مدفعية وصاروخية محملة بغاز الكلور السام.
وقتل أكثر من عشرين مدنياً، وجرح العشرات منهم، في أحياء حلب الشرقية والغربية، وفي قرى وبلدات ريف حلب الغربي، في أورم الكبرى وخان العسل وبالقرب من الأتارب وكفرناها. بعضهم سقط في قصف جوي روسي، وبعضهم الآخر في تبادل القصف المدفعي والصاروخي بين المعارضة ومليشيات النظام.
وتمكنت المعارضة من إخلاء المدنيين الذين لم يتمكنوا من الهرب من مناطق الاشتباك، ونقلتهم من كامل المواقع التي سيطرت عليها غربي حلب، وقالت إنها أمنت لهم مأوى في مناطق أكثر أمناً في ريف حلب الغربي ومناطق ريف إدلب.
وفي الأحياء الشرقية المحاصرة من حلب، كان وقعُ المعركة حاضراً بقوة في الحياة اليومية للمدنيين والعسكريين على حد سواء، وبينما كانت أرتال المقاتلين التابعين للفصائل تتجول من جبهة إلى أخرى، وتشن هجماتها الصاروخية والمدفعية لإشغال المليشيات ومساندة الفصائل المهاجمة في المحاور الخارجية كان مئات المدنيين يتجولون في الشوارع، ويشعلون الإطارات من أجل التعمية على الطيران، رغم القصف الصاروخي والمدفعي المستمر على الأحياء المحاصرة من قبل المليشيات.
كما لجأ ناشطون داخل الأحياء المحاصرة إلى إذاعات الجوامع والمساجد المنشرة هناك ليبثوا من خلالها تطورات المعركة ومراحل التقدم المستمر للمعارضة، ولينقلوها مباشرة لنحو 300 ألف مدني محاصر ينتظرون فك الحصار عنهم.
كذلك حصل تطور جديد في الأساليب البدائية التي اتبعتها المعارضة لتضليل الطيران الروسي وإعاقة هجماتها الجوية ضد مواقع مدنية وعسكري في حلب، فأطلقت مئات البالونات المحملة بغاز الهيدروجين، تحمل أجساماً معدنية صغيرة، في سماء حلب، وبالتحديد قرب مناطق المعارك، وعطلت بشكل جزئي الغارات الروسية ومنعت المقاتلات الحربية من حرية المناورة والحركة في سماء المنطقة وحرمتها من التحليق على علو منخفض.
القائد العسكري العام لـ"تجمع فاستقم كما أمرت" علاء سقار، أكد لـ"المدن"، أن التفاعل الشعبي داخل الأحياء المحاصرة بحلب عزز من الروح المعنوية للمقاتلين التي بدت منهارة قبل المعركة، وأوضح أن الجبهات الداخلية بحلب إلى الآن لم تنفذ المهام الموكلة إليها بشكل كامل، وهي بانتظار دورها، مؤكداً أن التنسيق مستمر بين غرفتي عمليات الداخل والخارج.
وعن مدة المعركة المتوقعة، قال سقار: "لا يمكن التنبؤ بطول المدة اللازمة لكسر الحصار، كما أن التطورات الميدانية هي من تتحكم في ذلك، أما المعارضة فهي قد تجهزت فعلياً لخوض معركة طويلة الأمد تتجاوز 50 يوماً، وحضرت لها مختلف الذخائر والأسلحة، والأيام القادمة سوف تكشف وجهة المعارك ونتائجها الأولية".
وأشار سقار إلى أن المليشيات منهارة بشكل تام، ولا تستطيع امتصاص الصدمات المتتالية التي توجهها المعارضة، بالرغم من وصول تعزيزات جديدة لها من حماة وحمص عبر بادية حلب السبت، وهي ستنسحب حتماً من خطوطها الأولى في حلب الجديدة و3 ألاف شقة في حي الحمدانية، ومن الأكاديمية العسكرية، إذا واصلت المعارضة تقدمها.
يمكن القول إن معركة "كسر الحصار" أو كما تسميها المعارضة "ملحمة حلب الكبرى الثانية"، دخلت في مرحلة جديدة وباتت تهدد مليشيات النظام بشكل فعلي في الأحياء الغربية واقتربت المعارضة أكثر من هدفها الأول، أي كسر الحصار، في ظل تهاوي دفاعات المليشيات وخسارتها لعدد كبير من عناصرها وعتادها الحربي. في الوقت ذاته ما تزال هناك فصائل تابعة للمعارضة تنتظر المشاركة في المعركة وإلى الآن لم يحن دورها بعد كـ"جيش النصر". فالمعارضة وجهت تعزيزات إضافية الأحد والسبت، نحو جبهات حلب الغربية قادمة من ريف حماة وإدلب.
المصدر: المدن - خالد الخطيب
↧