وقفت سمر حجازي أمام قاضي المحكمة الشرعية السنيّة في بار الياس في وادي البقاع الشهر الماضي بينما كان يخاطبها بعبارات متراشقة متلاحقة من وراء مكتبه المهيب.
قال لها القاضي: "هذا ضد إرادة الله. إن تطلقتِ ستواجهين مشاكل مع أطفالك. لن يقف الله معك ولن يبارك لك. هل ستعيدين النظر في طلبك؟".
أجابت بحزم: "لا".
أعلنها القاضي مطلقةً بهذه البساطة. حجازي البالغة من العمر "45" عاماً، تحررت من زواج دام 33 سنة من رجل وصفته بالمسيء والمستبد. إذ لطالما تمنت اللاجئة، التي هربت من الحرب السورية، الوصول إلى هذه النهاية التي بدت مستحيلة في حياتها القديمة. لكن ذلك تغير مع فرار العائلة إلى لبنان منذ عامين. وقد شعرت حجازي، بوجود المأوى والطعام المقدمان من منظمات الإغاثة، بأنها أصبحت أقل اعتماداً على زوجها. وعندما بدأت باتخاذ القرارات المتعلقة بالعائلة وخرجت من المنزل وحيدة، شعرت ولأول مرة بالاكتفاء الذاتي.
وعندما وصلت الأمور بزوجها إلى مرحلة يضربها فيها ويخلّف ذلك كدمات في جميع أنحاء جسدها، قررت عندها أنها قد عانت بما فيه الكفاية.
وقالت حجازي: "خضعت له في سوريا بسبب الضغوط العائلية والاجتماعية،. لكن هنا، جعلت مني الظروف التي مررنا بها إنسانة أقوى. فهنا أشعر بالاستقلالية".
فقد أنعشت الإقامة في لبنان والحقائق المريرة لحياة اللاجئين بعض الآثار الجانبية غير المتوقعة بالنسبة لبعض النساء السوريات كالتقوية والتمكين. إذ دفعت الظروف الاقتصادية والقانونية الصعبة النساء إلى الاضطلاع بالمزيد من المسؤوليات ضمن نطاق العائلة، بما في ذلك العديد من المسؤوليات التي كانت تعد من اختصاص الرجل. وبعد تخلص النساء من بعض القيود الاجتماعية المعروفة وحضور برامج تعزيز حقوق المرأة من خلال التواصل مع منظمات الإغاثة، أصبح لدى البعض منهن درجة من الاستقلال الذاتي الشخصي الذي لم يختبرنه في سوريا قط.
يعيش أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان، طلباً للجوء من حرب اندلعت منذ أكثر من 4 أعوام. ووسط مخاوف تدفق المزيد من اللاجئين الذي يفوق قدرات البلاد الهشة، بدأت الحكومة عام 2014 بالمطالبة بتأشيرات دخول للوافدين السوريين. وفي العام الماضي، فرضت الحكومة شروط إقامة صارمة جعلت من الحصول على وضع قانوني أمراً مستحيلاً بالنسبة للكثيرين. وقد حد ذلك من حرية التنقل إلى حد كبير بالنسبة للرجال، الذين هم أكثر عرضة للاعتقال من النساء في حال وجود وضع غير قانوني.
نتيجة لذلك، تتحمل النساء الآن الكثير من أعباء رعاية الأسرة. وذلك تحول كبير لأولئك اللواتي لم يسبق لهن أن خرجن من منازلهن في سوريا دون محرم.
وقالت نبال العلو، وهي مستشارة اجتماعية بارزة في منظمة بسمة وزيتونة، وهي منظمة أسسها مغتربون سوريون تتعامل مع اللاجئين السوريين في لبنان، قال: "تأتي العديد من هؤلاء النساء من مجتمعات محافظة يقوم فيها الرجل بجميع الأعمال، بينما تبقى المرأة في المنزل. أما الآن، يجب عليهن تسجيل الأطفال في المدرسة وشراء الطعام واصطحاب الأطفال إلى الطبيب والعناية بكل شيء. لقد أصبح للمرأة دوراً أكبر".
وذلك يعني المزيد من عمل المرأة خارج المنزل. كما أن التمكين الاقتصادي الناجم عن ذلك يعد حافزاً أساسياً للتغيير وإعطاء المرأة دوراً أكبر في اتخاذ القرارات المتعلقة بكيفية انفاق الأسرة للأموال وإرسال الأطفال إلى المدرسة.
بالنسبة لأم محمد، البالغة من العمر "28" عاماً، وهي أم لولدين، فقد فتح لها الانتقال إلى لبنان باباً إلى عالم أبعد من حدود منزلها. فلم تكن تغادر منزلها في سوريا إلا في حالات نادرة، وإن حدث ذلك فلا تكون وحيدة. كان زوجها يشتري الطعام بينما تبقى في المنزل لتطهو وتعتني بالأطفال. أما في لبنان، فزوجها لا يعمل وهي تستقل حافلة صغيرة للوصول إلى مركز تمكين المرأة الذي تديره جمعية أمل، وهي منظمة إغاثية في إحدى ضواحي بيروت، لتتعلم كيفية صناعة المجوهرات والستائر المزخرفة مقابل مبلغ مادي بسيط.
قالت أم محمد التي طلبت عدم استعمال اسمها بالكامل كيلا تغضِب زوجها: "في البداية، لم يرغب زوجي بمجيئي إلى هنا وحاول إقناعي بذلك". لكنها تفوقت عليه، وذلك يعود جزئياً للوضع المادي الصعب الذي يعانون منه.
وأضافت أم محمد، بابتسامة تسببت في تجعد وجهها المنمش بصورة طفيفة: "أنا سعيدة بذلك. أشعر وكأني قادرة على الذهاب والعودة كما يحلو لي".
وتحلم الآن بافتتاح مشاريع تجارية خاصة بها عندما ترجع إلى سوريا في نهاية المطاف.
لكن في حالة أم محمد، غالباً من تنبع حرية النساء الزائدة من عدم تمكين الرجال. إذ يقول الكثير من الرجال السوريون أنهم يشعرون بالخجل لعدم قدرتهم على إعالة أسرهم والسماح لزوجاتهم بالعمل بينما هم حبيسو المنزل.
كما قال جيزيل أبي شاهين، معالج نفسي يعمل في مركز الرجال بإدارة منظمة عباد، إحدى منظمات المجتمع المدني التي تركز على المساواة بين الجنسين، يقول: "عندما تتحدث عما يعنيه كونك رجل (في المجتمع السوري)، فذلك يعني الشخص المسؤول عن العائلة، ذلك الشخص الذي يؤمن لهم المال والمنزل".
وعندما لا يستطيعون توفير هذه الأشياء، يتجهون إلى الخوف والإحباط اللذان يؤديان إلى استخدام العنف الجسدي مع زوجاتهم وأولادهم وهذه مشكلة سائدة بين اللاجئين السوريين في لبنان، وفق المنظمات الإغاثية. وقد يزيد تمكين المرأة الوضع سوءاً.
كما وقالت ماريا عاصي، مديرة جمعية بيوند المعنية بشؤون اللاجئين، لم تختبر جميع النساء التقدم في لبنان، فأولئك اللواتي قدمن من عائلات أقل تحفظاً في المناطق الريفية في سوريا قد تحد الحركة من حريتهن. فالفتيات والنساء اللواتي اعتدن الخروج بحرية في الوطن، يبقيهن الآباء والأزواج اليوم داخل المنزل حفاظاً على سلامتهن أو يقيدهن الجيران الجدد القادمين من المناطق المحافظة.
على الرغم من ذلك، كان التغيير هائلاً بالنسبة للعديد من النساء. تزوجت حجازي في سن 12 وأنجبت 6 أطفال في تتابع سريع. عاشوا جميعاً تحت إمرة زوجها الذي قالت بأنه لم يسمح لها بالخروج من منزلهم في إحدى ضواحي دمشق دون رفقته. كما قالت أنه اعتاد ضربها وأولادها. وأضافت أنها عندما هربت إلى منزل ذويها في إحدى المرات، أعادوها إلى منزل زوجها.
وعندما طالبت حجازي بمغادرة العائلة للبلاد عام 2014، كانت تلك المرة الأولى التي تقف فيها في وجه زوجها. كان منزلهم قد تعرض للقصف ولحق بهم الدمار في كل مكان لجأوا إليه. اعتقِل أحد أبنائها عند نقطة تفتيش حكومية ولم تسمع عنه شيئاً من بعدها قط. كما قتِل اثنين من أزواج بناتها في الغارات الجوية، تاركين سبعة أحفاد أيتام. أصرت حجازي بعدها على أن وقت الرحيل قد حان، على الرغم من معارضة زوجها.
وقالت حجازي: "كان يتصرف كأنه إله، كان يتحكم بحياتي. عندما اتخذت قراري هذا، كانت تلك المرحلة التي بدأت أشعر فيها باستقلالي عنه".
تعيش حجازي الآن في بناء مسبق الصنع مرتب في مخيم مغبر لللاجئين في وادي البقاع في لبنان. هناك سرير صغير يُدفَع إلى الحائط في الزاوية وستارة بنية اللون منقوشة بالزهور تخفي رفوفاً تتكدس فوقها الثياب والحقائب بأناقة. المكان صغير، لكنه لها، كما أنه آمن.
وبالنسبة لسيدة في مثل سنها، من غير المرجح لحجازي أن تتزوج مرة أخرى. لكنها أضافت أنه في حال حدوث ذلك، لن تقبل بزوج يقيد حريتها على الإطلاق.
وأردفت: "أريد أن أثبت لنفسي أنني موجودة ومستقلة، أريد ان أكون حرة".
واشنطون بوست- ترجمة ريما قداد- السوري الجديد
↧