"اتُّهمت بالتطبيع والخيانه في مصر حين أجريت مقابلة تلفزيونية مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عقب تسليمه للسلطات المصرية من قبل حركة حماس العام 2011، ووصلتني إيميلات كراهية من يهود، تتهمني أنا، شهيرة أمين، مراسلة قناة CNN سابقاً، بتعذيبه، كما هوجمت من قبل الإخوان المسلمين إثر لقاء أجريته مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي، بسبب عدم إرتدائي الحجاب وكنت متبرجة أثناء اللقاء، وكان من بين التعليقات "هاتولوا راجل مش ست".
من المشرق إلى المغرب
هذا نموذج واحد فقط لخطاب الكراهية الذي تعانيه الصحافيات في العالم العربي. عبارات مثل "فكري في أولادك وعائلتك"، "إذا اتكلمتي عن الموضوع راح نقتلك"، "إبقي بيتك أحسن ما تشتغلي بالصحافة"، "حنقلق راحتك"، "بدنا نغتصبك قبل ما نقتلك"، "في فلسطين المرأة الصحافية عاهرة والرجل جاسوس"، هي أسلحة حادة وجارحة تتكرر في هذا الخطاب التحريضي التمييزي ضد الصحافيات، كونهن نساء قبل أن يكونوا عاملات في مجال الإعلام أساساً.
لبنى الأشقر، صحافية من فلسطين، هُدِّدت وأسرة الجريدة بالتعرض لحياتهم عبر إتصالات هاتفية وردت إليهم بعدما كتبت عن الفتاة التي قتلتها والدتها اثر شهر من إقدام أخويها على اغتصابها. فيما اتُّهِمت زميلتها نائلة خليل بتشويه صورة كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، حين أعدت تقريراً تناولت فيه حالات أطفال بترت أصابعهم بسبب مادة "أبوالعبد" المتفجرة، وقد اتخذ قراراً بـ"طخّي" (قتلي رمياً بالرصاص) على حد تعبيرها.
خطاب الكراهية لا تقف عند المشرق العربي إنما تصل الى دول المغرب العربي ذات السمعة بأنها تضمن حقوق المرأة قانونياً. فالصحافية المغربية شمة درشول على سبيل المثال تعرضت لخطاب كراهية مبني على ذكورية مفرطة حين كتبت مقالاً حمل عنوان "ذهب أبيض" يحكي الظلم الواقع على بعض الرجال المظلومين من زوجاتهم، رغم وقوفها الى جانب الرجال، وذلك لأنها مست بقدسية الرجل الشرقي.
والحال أن خطاب الكراهية الذي تتعرض له الصحافيات العربيات في نطاق عملهن تسببه التابوهات الإجتماعية الضيقة التي ترفض صورة المرأة المختلفة. وهو سلوك ممنهج ضدهن، حيث يفرض المجتمع رؤية تصنيفية لمهنة الإعلام تكون بموجبها النساء عاملات من الدرجة الثانية وراء الرجال.
وكذلك في أوروبا.. لولا التضامن المجتمعي
في المقابل، تتعرض الصحافيات في الدول المتقدمة لخطابات مماثلة، إذ تثبت الإحصاءات أن واحدة من أربع صحافيات في السويد يتعرضن الى خطاب كراهية "جنسي"، فيما تقول "الغارديان" في آخر احصاء لها أن 8 من أصل 10 نساء يتعرضن لخطاب كراهية. وتقول سيسيليا أودين، وهي صحافية سويدية تغطي أخبار الشرق الأوسط منذ العام 1993، أنها تعرضت للتهديد من قبل لوبيات اسرائيلية وعربية، واتهمت بمناصرتها للقضية الفلسطينية وتعرضت لهجمات طوال اسابيع حين أخذت صورة مع فتاتين سلفيتين، "رغم أن جمهوري في السويد ليس لديه السخونة نفسها حول مواضيع التي تعني منطقة الشرق الأوسط".
لكن المفارقة أن هؤلاء الصحافيات يحظين بدعم ووعي ثقافي إلى جانب قوانين تعاقب وتجرم هذا النوع من الخطابات، والإثبات على ذلك "قذائف الحب" التي أرسلها السويديون عبر السوشيال ميديا للصحافيات اللواتي تحدثن عن خطاب كراهية مورس ضدهن مؤخراً.
عربياً، حيث تغيب البيئة الداعمة للصحافيات، ومع احتمال أن تكون السلطة جزءاً فاعلاً في توليد خطاب الكراهية نفسه، يمكن للصحافيات التعامل مع ما يتعرضن له عبر بتجاهل بعض التعليقات، والإستعانة بالإثباتات من أجل توضيح وجهة نظرها، وكسب مهاجميها قدر المستطاع عبر الحوار والدبلوماسية، وحذف الأشخاص المسيئين وحماية بياناتها الرقمية من الإختراق.
ولا يزال خطاب الكراهية مصطلحاً شائكاً عجزت المؤسسات الدولية عن ايجاد تعريف موحد له، إذ يختلف باختلاف المرجعية نفسها، لكن الجزء الأكبر منها أجمع على أن كل تحريض على مجموعة أو شخص يأتي في سياق التمييز أو التحريض أو عدم قبول الآخر بحسب فئته وليس لشخصه هو خطاب كراهية مؤذ ونتائجه وخيمة ويتناقض مع حرية التعبير عن الرأي الذي كفلته شرعة حقوق الإنسان.
كراهية أم حرية رأي؟
وهنا، يوجد خيط رفيع يفصل بين خطاب الكراهية وبين النقد في إطار التعبير عن الرأي، ما زال ملتبساً لدى العديد من الصحافيين/ات، ولأجل ذلك نظم المعهد السويدي في الإسكندرية في صالونه الأزرق، ورشة عمل حملت عنوان "تحدي التهديدات وخطاب الكراهية ضد الصحافيات في منطقة الشرق الأوسط" الثلاثاء 1 نوفمبر، وجمعت خمسة عشر صحافية: من لبنان (أمال خليل، نجاة الجميل وحنان حمدان)، من المغرب (شمة درشول وسارة زوق)، من فلسطين (رافا مسمار، ريم أبو لبن، نائلة خليل ولبنى الأشقر)، من مصر (شهيرة أمين) ومن الأردن (هبة الحياة عبيدات، عطاف روضان، سمر حدادين، تالا العيسى ولينا شنك).
وخلصت المشاركات إلى أن خطاب الكراهية يمكن قياسه عبر أربعة معايير: قدرة الفرد على التحرك، وضوح الدعوة لممارسة العنف، قدرة الشخص الذي يطرح الخطاب على تأثير وإقناع الناس، وأن يكون الضحية مستهدفاً في الأونة الأخيرة، كما أن الفرق في اللغة والمصطلحات المستخدمة يساهم في تقييم الخطاب.
قصص المشاركات مشابهة لكثير من القصص التي سمعنا عنها ولمسنا تداعياتها الوخيمة على عديد من الصحافيين في العالم، الذكور كما النساء، والدليل على ذلك، الصحافي ناهض حتر الذي قتل في ظرف زمني كثر ضده خطاب الكراهية. وفي فلسطين كثير من الصحافيين/ات اعتقلوا بسبب تدوينات لهم على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، اعتبرت بمثابة خطاب كراهية ضد اسرائيل.
ربى النجار، من فلسطين، هُددت بالاغتصاب ومن ثم القتل بعد إذاعة حلقتها التلفزيونية التي فضحت تورط رجل أمن وشرطي بلدية باحتكار مناطق التسول عبر فيديو نشرته في "يوتيوب" وظهرت فيه متنكرة بلباس متسولة لغاية صحافية (undercover journalist). أما ديما صادق، من لبنان، فاتُّهمت بتحريف القرآن العام 2012 وحينها غرد أحد المنتقدين الذي يضع صورة زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي كبروفايل له: "الحق على المسلمين الذين لا يكتمون أنفاسها بمسدس".
الانترنت أيضاً أداة للتمييز
وتجدر الإشارة، أن البريد الإلكتروني هو الوسيلة الأولى التي تستخدم لإيصال خطاب الكراهية للطرف الآخر، الذكور كما النساء حسب الإحصاءات السويدية، لكن الكراهية عبر الإنترنت مرتبطة بالمواضيع نفسها عندما يكون الكاتب رجلاً، وتأخذ شكلاً مختلفاً حين تكون الكاتبة أنثى فتنتقد هي لشخصها وليس الموضوع الذي تناقشه، بحسب ما يقوله المحاضر في الورشة لارس تولرت. وترتكز التعليقات في السوشيال ميديا بأغلبها على النوع الإجتماعي بنسبة 22%، و13% منها على الشكل و14% خاصة بمن يترصدن النساء في حياتهن وماضيهن.
رغم ذلك، لم تتردد الصحافيات في الحديث عن خطاب الكراهية الذي تعرضن له داخل نطاق عملهن، وعبر وسائل التواصل الإجتماعي، ربما لوجودهن في بيئة أمنة وليس في مجتمعاتهن الضيقة حيث الأسلوب المخابراتي للسلطات الأمنية. ويبقى الأهم من ذلك، هو في كيفية حماية البيانات الشخصية باستخدام ادوات الأمان الرقمي كي لا تكون الصحافيات عرضة للإبتزاز والتحريض في حال وقعت هذه البيانات في يد مروجي خطاب الكراهية ضدهن.
المصدر: المدن - حنان حمدان
↧